شعار قسم مدونات

حزب البعث.. الكيان الموازي في سوريا الأسد!

بشار الأسد - مدونات

لم يكن حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا الأسد كأي حزب عادي، وإنما كان يجسد جزءا من القوة الخفية والحقيقة التي تسيطر على الدولة ومؤسساتها، وتديرها بشكل خفي، لتكون الكيان الموازي لمفهوم الدولة من خلال ربط جميع قطاعاتها ومؤسساتها ومرافقها بالحزب الواحد ومؤسساته، فهو مقياس للتفاضل بين المواطنين، وأداة تعطي صاحبها القوة في مؤسسات الدولة، رافعا شعارات القومية العربية، وكما هي المنظومة العسكرية والمخابراتية لنظام الأسد، فإن الأقلية العلوية هي المسيطرة على الحزب وقراراته، مع وجود شخصيات سنية مُنحت مجالا ومساحة ضئيلة للتحرك من خلالها ضامنين الطاعة لهم، عداك عن الأحزاب الأخرى في الساحة السورية التابعة للحزب جوهرا والمستقلة شكلا، والمنطوين تحت مظلة الجبهة الوطنية التقدمية بقيادة البعث.

إن حكم الأقلية العلوية للأغلبية السنية ما هو إلا كابوس والهدوء الذي يسبق العاصفة التي قد تطيح بحكمهم، لذلك أدرك النظام أنه لابد من رابط يجمع به القدر الأكبر من الأغلبية السنية من عامة الشعب ليسيطر عليه ويلعب من خلاله على الأوتار والاهتمامات المشتركة، والمفاهيم التي يمكن تغذيتها في الجيل الناشئ، ليضمن البقاء والاستمرار له، وإن كان نظام الحكم في سوريا فشل بجعل السوريين علويين وكسبهم لطائفته، فقد نجح في ضمهم لحزب أضعف ارتباطهم بالدين وضمن استمراره لخمسة عقود، مستعينا بمؤسسات رديفة ماهي إلا جزءا منه وتبعا له، لتكون بؤرا للفساد والانحلال الأخلاقي والمجتمعي.

إن تعبير حزبي (عضو عامل) في سوريا الأسد هو كلمة السر التي يمكن من خلالها تجاوز الخطوط الحمراء والتعدي على الآخرين والقفز من فوق القانون دون رقيب أو حسيب

فلا غرابة قول أن كل مواطن سوري بالمجمل هو عضو في حزب البعث من المهد إلى اللحد، فسياسة الحزب كانت واضحة من خلال تنسيب الشعب السوري برابط الحزب، فعمل على ربط المدارس الابتدائية والتعليم الأساسي بمنظمة طلائع البعث التي تم تأسيسها عام 1974 متزامنا ذلك مع بدايات حكم حافظ الأسد، لتمثل المؤسسة الفكرية للطفولة التي يبث من خلالها أفكاره، مستغلا غياب أي بديل آخر أو فكر منافس بحكم الدولة وسلطة القانون، ومناديا بأن الرفيق الطليعي هو الدرع الحصين للأمة العربية، وأملها في المستقبل من خلال الأفكار المستمدة من الحزب، فأي حرية سوف تنشأ في سوريا الأسد إن كان الطفل من منظمة الطلائع قد فٌرض عليه نشيد كلماته جلية وواضحة بالتبعية والخضوع لحزب البعث والأسد، يُردد في المنطقة والوحدة والفرقة الطليعية في جميع المحافظات السورية.

وما أن ينضج الطفل ليصل للمرحلة الإعدادية أو المتوسطة، حتى يتم نقله بالإجبار لمؤسسة أخرى تناسب فكره وتبني على ما أُسس عليه من أفكار آلا وهي اتحاد شبيبة الثورة التي تم تأسيسها مع انقلاب الأسد عام 1970، ثم لتكون الراعية والمشرفة على جميع الأنشطة الطلابية ،والممثلة للطلاب في اللجان والمجالس المدرسية، لتُفقد الجيل هويته الإسلامية والتربية السليمة وإشغاله بالثقافة القومية والشعارات الرنانة ضد الاستعمار الحامي له والحركات الإسلامية وتخوين كل ما هو خارج عن سلطته ومنظومته، وبعد تأسيس الجيل في المرحلتين السابقتين على المنطلقات النطرية، ودور الحزب على الصعيدين المحلي والعربي إضافة للدولي، تأتي عملية تنسيب طلاب المرحلة الثانوية بالإجبار لحزب البعث، وربط جميع المدارس بالفرق الحزبية المنتشرة والتي ماهي إلا مكان للفساد والإفساد، وتشجيعا على ذلك فإن لطالب الثانوية المخلص لمبادئ الحزب (عضو عامل) أولوية لدخول تخصصات قد لا يستطيع غير المخلص حزبيا بالحصول عليها عند تساوي الفرص.

وما أن يدخل الرفيق الحزبي -بالمفهوم الحزبي- للجامعة، ليرتبط بالفرق الحزبية التابعة للجامعات ليكمل مسيرته الحزبية ويتخرج من الجامعة مع أولوية سواء بالمسابقات الوظيفية أو التعيينات والترقيات ويدخل سوق العمل، ليجد أن الحزب متغلغل في قطاعات الدولة من خلال ربط الوزارات الحكومية بالفرق الحزبية عبر المؤسسات العامة الحكومية، وربط المحافظات والإدارات المحلية بفروع الحزب بالمحافظات، ليكون أمين فرع الحزب مرافقا للمحافظ في المحافل والمهرجانات.

وفي ظل الحديث عن الحزب ومنسوبيه لا يمكن تجاهل نظرة المجتمع للحزبي القوي والتي تكون ممزوجة بين الكره والازدراء مع الخوف والتحاشي درأ للمشاكل، وإن تعبير حزبي (عضو عامل) في سوريا الأسد هو كلمة السر التي يمكن من خلالها تجاوز الخطوط الحمراء والتعدي على الآخرين والقفز من فوق القانون دون رقيب أو حسيب، فقد سرق حزب البعث الدولة السورية ومؤسساتها، وقمع الحريات من خلال سياسة الحزب الوحد والقائد الواحد، ولعل طرح الحزب لمفهوم العروبة والقومية والاشتراكية ومحاربة الإمبريالية والرجعية والعمالة، ماهي إلا وسائل يتكئ عليها لنبذ مخالفيه والقضاء عليهم، وأن البيئة السورية الحقيقة المتلزمة اجتماعيا وأخلاقيا ودينيا، لم تواجه خطرا فكريا في العصر الحالي مثل خطر حزب البعث العربي الاشتراكي وأفكاره.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.