شعار قسم مدونات

أردوغان أيها الأنصاري.. رفقاً بالمهاجر السوري!

blogs أردوغان

سيدي الرئيس، دفعتني صورة ابنتي ذات السنوات الستة وهي ترفع علم تركيا لأن أكتب إليكم. كان ذلك منذ ثلاثة أعوام حين اندفعنا نحو ساحة تقسيم لنشارك أخوتنا الأتراك فرحتهم بانتصار الديمقراطية الحقة على الانقلاب الظالم. يومها يا سيدي حمل أخ تركي ابنتي على كتفيه وهي تلوح بالعلم ميمنة وميسرة وتهتف كما يهتف.. الله أكبر. أما أنا فقد اندفعت صوب امرأة مسنة تغالب عجزها بقوة فرحها، فقبلت يدها حتى بللتها دموع فرحي، لتسألني هل أنت سوري، فأجيبها نعم، فتحاذي بين سبابتيها وتقول.. التركي والسوري واحد.

كان مشهد النصر عظيماً يا سيدي لم يضاهه شيء سوى ذاك الامتزاج الروحي والعفوي بيننا نحن السوريون المهاجرون وبينكم أنتم أنصارنا الأتراك. لقد وقفنا بينكم ودموع الفرح تفيض من عيوننا التي طالما فاضت دموع حزن وقهر على وطن ينحر على مذابح الظلم والاستبداد. هتفنا معكم وقلوبنا يملؤها الأمل والغبطة بعد أن ملأها اليأس والألم سنين طوال. احتفلنا معكم في الساحات والميادين بنصر لطالما حلمنا أن نحتفل به على أرضنا وفي ربوع بلادنا التي مزقتها الحرب وأعياها الدمار.

سيدي الرئيس، أكتب إليك لأذكرك أن من أحب تركيا وتآخى مع أهلها وأكل من خيراتها بكد يمينه وعرق جبينه، ودرس في مدارسها وجامعاتها وصلى في مساجدها لا يمكن أن يهدد أمنها أو يعكر صفو استقرارها

سيدي الرئيس، تتداعى في ذاكرتي صور من تلك الليلة الغراء، وصور قبلها، وأخرى بعدها. يأتيني صوت والدي متهدجاً ليسألني ليلة الانقلاب، هل الرئيس أردوغان بخير؟ يحضرني طيف والدتي وهي تصل آناء الليل بأطراف النهار ساجدة وداعية أن يحفظ الله تركيا وشعبها الطيب. أستذكر اندفاع السوريين ليدعموا على قلة حيلتهم وفقر حالهم صمود الليرة في أزمتها. ما كان ذلك ليحدث يا سيدي لو كنا حقاً لاجئين، أو مجرد أرقام متسلسلة أضافتها ظروفنا القاهرة لأرشيف دولتكم. لقد لعبت عاطفة التاريخ وواقع الجغرافيا دوراً كبيراً في تماهينا مع مجتمعكم، وفي تمايزنا عن إخوتنا السوريين الذين التجؤوا إلى بلاد غير بلادكم. وأما مؤاخاتكم بيننا وبين الأتراك على قاعدة المهاجرين والأنصار، فقد كان لها الأثر البالغ في إطفاء بعض من نار غربتنا والتخفيف من عظيم مصابنا. كيف لا، وقد اتبعتم في ذلك نهج خير الأنام الذي أقر أعظم قاعدة إنسانية للمؤاخاة بين الناس، قاعدة تزيل كل الفوارق والاختلافات وتترفع عن العرق واللون والانتماء، قاعدة لا يدانيها قانون وضعي ولا تضاهيها كل الأعراف التي يدعي أصحابها أنها تحمي حقوق البشر.

سيدي الرئيس، أكتب إليك وأنا أعلم علم اليقين أن طوباوية طروحاتي ستضيع ويا للأسف في دهاليز سياستكم الداخلية، وأن كلماتي المغرقة بالمثالية ستصطدم بجدران الواقع المر الذي طالما تحاشيناه، وأن حجتي ستسقط لا محالة أمام قانوانين لا أملك إلا احترامها وأن منطقي سينهار بمواجهة ظروف وضغوط لا بد أن أتقبلها. أكتب إليك ولا أستجدي رعاية من خير من رعانا، ولا أطلب عطفاً ولا رأفة من خير من عطف ورأف بحالنا، لكنني أكتب إليك لأذكرك -والذكرى تنفع المؤمنين- بأن السوريين -وإن تكالبت عليهم المصائب والمحن- هم شعب كريم بطبعه، معتز بنفسه، أصيل بانتمائه، عظيم بحضارته، لم يركع يوماً لظالم ولم يستكن مرة لباغٍ. لم يذق قبلاً مرارة اللجوء ولم يعرف قساوة التهجير ولا جور التشريد والنزوح. بل إن أرضه وبيوته وحتى قلوبه كانت في كل الأزمان مشرعة لكل محتاج ومظلوم.

أكتب إليك يا سيدي لأذكرك بأن المرحلين قسراً من السوريين كان أجدادهم يوماً مواطنين ورعايا في دولتكم دولة بني عثمان والتي كانوا يجوبونها من أقصاها إلى أقصاها دون إذن يعطى أو وثيقة تمنح. وأن المحملين في باصاتكم والمشدودين وثاقهم بكل قسوة هم أحفاد أولئك الذين اختلطت دماؤهم بدماء أسلافكم في معركة جناق قلعة، وهم كذلك أقرباء من قاتلوا في صف أبنائكم في درع الفرات وغصن الزيتون. أكتب إليك يا سيدي لأذكرك أن الرجال المتوارين في بيوتهم والمستنكفين عن أعمالهم خشية الاعتقال والترحيل يعيلون مئات الألوف من أهلهم وأقاربهم في الداخل السوري، وأن المخالفين من الشباب والمطاردين في شوارع اسطنبول كما المجرمين، سينتهي بهم المطاف بين "نصرة" إرهابية أو "قسد" مجرمة أو نظام لا يرحم. أكتب إليك يا سيدي لأذكرك أن أطفالاً تفتحت عيونهم في وطنكم سيسألون عن آبائهم المبعدين عنوة، وأن أمهات سيبكيهن الفراق لوعة، وأن جوعى سيزدادون جوعاً، وفقراء سيزدادون فقراً، ومكلومين سيزدادون هماً وحزناً. وأما النظام يا سيدي فسيرقص فرحاً وطرباً على وقع آهاتنا وآلامنا، وأما نحن فسنسأل أنفسنا ونسألكم: هل كنا حقاً المهاجرين بأعينكم؟، وهل كنتم حقاً أنصاراً لنا؟

سيدي الرئيس، أكتب إليك لأذكرك أن من أحب تركيا وتآخى مع أهلها وأكل من خيراتها بكد يمينه وعرق جبينه، ودرس في مدارسها وجامعاتها وصلى في مساجدها لا يمكن أن يهدد أمنها أو يعكر صفو استقرارها. وأن كل التجاوزات والأخطاء والإزعاجات التي تسبب بها بعضنا وتضخمت بفعل الاستقطاب السياسي والتوجه العنصري لدى البعض، لا تعدو عن كونها نتاج طبيعي لاستقبالكم تلك الكتلة البشرية المليونية في ربوع بلادكم، فتلك هي ضريبة الإنسانية. أكتب إليك يا سيدي لأذكرك أن لنا وطناً اسمه سوريا وأن حبة من ترابه تعدل عندنا الدنيا وما فيها، وأننا نتطلع للعودة إليه طواعية آمنين سالمين لا مرحلين قسراً أو مبعدين عنوة.

سيدي الرئيس، أكتب إليك لكي ترفق بحالنا نحن الذين تقطعت أوصالنا، وضاقت علينا الأرض بما رحبت بعدما أوصدت الأبواب في وجوهنا، وباعنا القريب قبل البعيد بأبخس الأثمان. أكتب إليك طالباً رحمتك قبل عدلك، ملتمساً تدخلك لإيقاف تلك الحملة الشرسة غير المبررة ولا المتناسبة مع حجم أخطاء بعضنا ولا المنسجمة مع روح "المهاجرين والأنصار". أكتب إليك يا سيدي لتستمهل المخالفين منا بعض الوقت لكي يصححوا أوضاعهم ويلملموا شتاتهم ويستكملوا وثائقهم ويستنفذوا بدائلهم وخياراتهم من أجل الالتزام بقوانينكم ومتطلباتكم التي لا بد من الإلتزام بها.

سيدي الرئيس، أكتب إليك آخر كلماتي وأنا أحدق في صورة ابنتي وهي ترفع علم بلادكم، لا أريد لذكرياتها الناصعة عن وطنكم أن يشوبها شيئ من السواد، ولا لوعيها الذي تفتح في ربوعكم أن ينسى ما علمتها. أتدري ما علمتها؟ لقد علمتها يا سيدي أن للحق رجل اسمه أردوغان، وللعدل بلاد اسمها تركيا، وللطيبة أهل هم الأتراك، لقد علمتها يا سيدي أننا المهاجرون وأنتم الأنصار.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.