شعار قسم مدونات

القانون الإطار للتعليم.. فساد "نخبة" أم عبودية شعب طوعية؟

blogs تعليم

بعد الجدال الواسع الذي رافق منقاشة القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتعليم الذي تم طرحه في البرلمان منذ بضعة أشهر والذي دفع ثلة من "السياسيين" و"الحقوقييين" للخروج بتصريحات ترفض مضامين هذا القانون خصوصاً تلك المتعلقة بلغة التدريس وهي الجهات "المحافظة" على وجه الخصوص وثلة أخرى متمثلة في اليسار ترفض إلغاء مجانية التعليم في السلك الثانوي والتعليم الجامعي، ولعل هذا ما كان لا يرجوه الكثير باعتباره ضرب للمكتسبات التاريخية للشعب المغربي بكل أطيافه، هذا من جانب ومن جانب آخر تم إعتبار "فرنسة التعليم" تمديد للاستعمار الثقافي في المغرب الواقع منذ الحماية.

بعد المصادقة على القانون الإطار أصبحت اللغة الفرنسية لغة مدرسة منذ السنة الأولى إبتدائي ولغة تدريس في السلك الثانوي في الشعب العلمية وما بعده، كما لو أن اللغة الفرنسية هي اللغة العلمية رقم ثلاثة لا أقول رقم واحد! والغريب في الأمر هو أن فرنسا تتجه نحو اعتماد الإنجليزية لغة العلوم الأولى في عندها! إن ما يستدعي النقاش والتساؤل هو أين الشعب من هذا القانون التخريبي لمنظومة التربية والتعليم؟ أو بالأحرى أين كان الشعب عندما خرج الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد للشارع وطالبوا أولياء الأمور بالإلتحاق إلى الشارع لكي لا يجهظوا على أمال أبناءهم في حق التمدرس المجاني في كل أطوار مسارهم التعليمي؟

بعد فرض رسوم للدراسة في السلك الثانوي والجامعي فئة عريضة من مستضعفي الشعب لن تتمكن من حق التمدرس واستكمال دراستها ومن ثم الانقطاع عن التعليم وبالتالي ارتفاع نسبة الجهل والتخلف

يبدو أن الجواب متضمن في مفهوم العبودية الطوعية التي أعتبرها السلاح المجاني الموضوعي للأنظمة الاديموقراطية، التي وقفت أمام إلتحاق الشعب بالشعب، والوقوف وقفة رجل واحد أمام هذا المشروع التخريبي الذي مس مسألتين غاية في الأهمية:

المسألة الأولى: الإبقاء على اللغة الفرنسية كلغة علمية كما لو أن المغرب يعيش في كوكب أخر لا يعلم أن الإنجليزية هي الخيار الذي تعتمده جل البلدان التي تطمح للإرتقاء بمكانتها بين مجتمعات العلوم والتنمية، لكن هذا ما لا يروق فئة من الذين يحكمون في المغرب، ذلك أن إصلاح التعليم يعد شبح بنسبة لهم يهدد بقاءهم أو بالأحرى بقاء استبدادهم واستنزافهم لخيرات الوطن، ولعل خير دليل على هذا هو حالة التخدير التي يعيشها الشعب المغربي والتي تم تكريسها لديه منذ عقود لكي تعطينا في الأخير عبودية طوعية تقف سد منيع أمام أي إحتجاج أو تغيير دون الحاجة لأي تدخل مباشر إلا في حالات محددة، لكن المقاوم الأساسي عندنا أصبح هو "النحن" الشعب ضد الشعب، الجماعة ضد الجماعة، الأسرة ضد الأسرة..

إنها الإنقسامية الفتاكة التي أسس لها العولمي الصهيوني واحتضنها الحاكم العربي المتخادل لكي يكبح جماح التضامن والتلاحم. تكفينا لغتنا العربية أغنى لغات الكون لغة الفرقان، لغة العلم، لغة كل شيء، واللغة الأمازيغية والانفتاح على اللغة الإنجليزية لمسايرة التطور العلمي لكن هذا كما أسلفت ما يخيفهم، فمبادئ الطب وضعت باللغة العربية، علم الاجتماع، الرياضيات، الفيزياء..

المسألة الثانية: بعد فرض رسوم للدراسة في السلك الثانوي والجامعي فئة عريضة من مستضعفي الشعب لن تتمكن من حق التمدرس واستكمال دراستها ومن ثم الانقطاع عن التعليم وبالتالي ارتفاع نسبة الجهل والتخلف الذي يحقق فيه المغرب نسب جد مشرفة في أي دراسة أو بحث يعنى بهذا الشأن، ومما يعني أيضاً الرفع من وثيرة إنتاج التخلف والجهل الذي يعد من أهم مميزات المجتمع المغربي. إن ما يمكن إستنتاجه من خلال القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتعليم الذي تمت المصادقة عليه هو أن "النخب السياسية الحاكمة الراهنة" باعت أهم المكتسبات التاريخية للأمة لصالح الحكام الخارجيين الحقيقيقين للبلاد وهذا ما لا يستدعي استغراب أي متتبع أو مراقب للأوضاع في المغرب هذا من جهة، ومن جهة أخرى اتضح وبشكل جلي مدى انتشار التخدير العام الذي يصيب فئة عريضة من أفراد المجتمع المغربي أولئك الذين يتلذذون بالعبودية الطوعية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.