شعار قسم مدونات

الحركة التصحيحية في سوريا من وجهة نظر جورج أورويل!

مدونات - جورج أورويل

نشرالكاتب الروائي الإنكليزي جورج أورويل روايته مزرعة الحيوان سسنة 1945 والتي تعتبر فريدة من نوعها حيث قام الكاتب باختراع شخصيات من حيوانات إحدى المزارع وجعل فكرة إسقاطها على رموز الديكتاتورية من مهمة القارئ حيث أجمع جميع النقاد على إسقاط شخصيات الرواية على فترة الثورة البلشفية وحكم ستالين إلى بداية الحرب العالمية الثانية حيث تميزت هذه المرحلة بفشل جميع أهداف الثورة التي قامت من أجلها من عدالة ومساواة وحرية وتحولت روسيا ودول الاتحاد السوفيتي إلى مثل يضرب به في الفقر والجهل والجوع والظلم ولكن إن أردنا إسقاط هذه الرواية على التاريخ المعاصر سنرى أن أحداثها تشابه كثيرا أحداث وقعت في تاريخ سوريا منذ ستينات القرن الماضي وإلى اليوم وكأن الكاتب ما زال يعيش معنا إلى يومنا هذا وكأن تاريخ نشر الرواية قد عدل إلى سنة 2019.

النهاية المزعومة للاستبداد

عانت الحيوانات داخل مزرعة القصر من ظلم صاحبها السيد جونز الذي كان يعاملهم بقسوة شديدة وفرض عليهم العمل لساعات طويلة دون راحة بالإضافة للضرب المبرح الذي كانت تتلقاه الحيوانات عندما تعصي أوامره وتحولت المزرعة إلى سجن مع الاشغال الشاقة مما دفع الخنزير ميجر والذي كان من أكبر حيوانات المزرعة إلى طرح فكرة الثورة والتي تقبلتها الحيوانات بسرعة على أمل أن تتخلص من ظلم السيد جونز وهنا ظهر الخنزيرين نابليون وسنوبول على ساحة مزرعة القصر. هذه الفقرة من الرواية تعيدنا إلى أيام الوحدة بين سوريا ومصر في نهاية خمسينيات القرن الماضي حيث فرض جمال عبد الناصر على سوريا عدة شروط من أجل دخولها في الوحدة مع مصر ومن بينها حل الأحزاب السياسية ومن هنا بدأت معاناة السوريين حيث تحولت البلاد إلى محافظة مصرية وغابت الحريات وظهر الظلم والفساد مرة أخرى مما دفع عدد كبير من الضباط السوريين إلى إعلان الانفصال عن مصر سنة 1961 وما تبعه من أحداث إلى أن قام عدد من ضباط حزب البعث والقيادة القطرية المنبثقة عنه بالإعلان عن ثورة الثامن من آذار سنة 1963 ومن هذا اليوم بدأ نجما حافظ الأسد وصلاح جديد بالظهور على الساحة السياسية.

الانقلاب على الثورة
المرء لا يقيم حكما استبداديا لحماية الثورة بل يقوم بثورة لإقامة حكما استبداديا يتفرد به أو بعبارة أخرى يقوم بحركة تصحيحية لكي يبعد منافسيه وينفرد بالحكم ويصبح هو رجل الدولة الذي يخاف على مصلحتها

سيطرت الحيوانات على مزرعة القصر وعملت على تحويل اسمها إلى مزرعة الحيوان وأعلنت أن جميع الحيوانات متساوية وكتبت القوانين التي سيعمل بها على جدران الحظيرة كما فعل حزب البعث بعد أن أطاح بالحكومة حيث أعلن أن أهداف حزب البعث السامية سوف تطبق في سوريا وإن الحرية والعدالة الاجتماعية والرخاء المعيشي ستتحقق وإعلن علم البعث رمزا للنضال ضد الامبريالية والرأسمالية كما أعلنت الحيوانات سابقا رفع علم أخضر اللون فوق الحظيرة كرمز لمزرعة الحيوان، لكن طموح الخنزير نابليون بالسلطة جعلته ينقلب على صديقه سنوبول وطرده من المرزعة بحجة أنه فاسد ويريد زعزعة استقرارها فأمر الكلاب البوليسية التي رباها بالهجوم على الخنزير سنوبول كما فعل حافظ الأسد عندما رأى أن صلاح جديد قد يهدد وجوده فأمر الجيش الذي سيطر عليه مذ كان وزيرا للدفاع باعتقال صلاح جديد وعدد كبير من الوزراء ورئيس الدولة أيضا وزجهم في السجون وأعلن عن ما اسماها بالحركة التصحيحية في عام 1970.

غياب العدالة الاجتماعية

كل الحيوانات متساوية كان أول ما كتب على جدار الحظيرة بعد ثورة الحيوانات على السيد جونز ولكن بعد سيطرة الخنزير نابليون على السلطة في المزرعة جعل الخنازير في المرتبة الأولى دائما حيث كانوا يأكلون التفاح ويشربون الخمر وينامون على الأسرّة في منزل السيد جونز وامتنعوا عن العمل في المزرعة وأوكلت المهمة للطبقات الدنيا من الحيوانات والتي انقسمت بحد ذاتها إلى قسمين فكان الحصان بوكسر والذي يمثل البروليتاريا أو اليد العاملة يعمل بجد طوال الوقت متأملا في تحسن الأوضاع المعيشية للحيوانات والقسم الآخر هي الخراف الجاهلة المتمثلة في عامة الشعب والتي لا تملك سوى الصراخ بالتأييد لأعمال الخنزير نابليون وإسكات الأصوات المعارضة له فهذا التقسيم الطبقي الذي ذكره أورويل عمل عليه حافظ الأسد منذ توليه للسلطة في سوريا حيث عمد إلى جعل العمال والفلاحين يعملون بجهد أكبر في محاولة منه لابقائهم تحت ظله وبتقديم مساعدات أدنى ما تكون من حقوقهم الشرعية ولكنه استفاد من القلة الجاهلة من الشعب اللذين كانوا يعتقدون أن حزب البعث هو فعلا مخلصهم من الفقر وأن ما يقوم به الأسد هو فعلا لمصلحتهم وكانوا من الحزبيين المستفيدين من سلطة البعث أو اللذين يخافون بطش الأجهزة الأمنية في سوريا وأصبحت عائلة الأسد في المرتبة الأولى دائما ولها امتيازاتها دون بقية الشعب.

وهم الإنجازات

السلطة الاستبدادية لا تقوم سوى على الكذب وتزوير الواقع وتغييب الحقيقة لما يتناسب مع سلطة البقاء لدى الديكتاتور حيث أوكلت هذه المهمة إلى الخنزير سكويلر الذي يقوم يوميا بإلقاء الخطابات الحماسية على باقي الحيوانات وإخبارهم أن الانتاج يتحسن مستشهدا بأرقام وإحصائيات لا تفهمها بقية الحيونات ومثقلهم بها لكي لا يعملوا ماذا يحدث على أرض الواقع أن باعوا المحصول أم لا أو أن ربحوا الحرب أم خسروها. فهم لا يعلمون بشيء سوى ما يخبرهم به سكويلر كما الشعب السوري الذي لا يعلم شيء سوى ما تخبرهم بها نشره الأخبار في القنوات الرسمية كما حدث في الحروب الخاسرة التي خاضها البعث وأوضح للشعب أنه انتصر بها على الأعداء. فالسيطرة على الإعلام والدعاية كانت من أهم أهداف السيطرة على الحكم المطلق وإبقاء الشعب حائرا في الخطط الخمسية التي لا تنتهي والتقنين في الكهرباء والغلاء في المعيشة التي لا يعرف عنها الشعب شيئا سوى أنها من أجل المصلحة العامة
القائد الأوحد.

إن المرء لا يقيم حكما استبداديا لحماية الثورة بل يقوم بثورة لإقامة حكما استبداديا يتفرد به أو بعبارة أخرى يقوم بحركة تصحيحية لكي يبعد منافسيه وينفرد بالحكم ويصبح هو رجل الدولة الذي يخاف على مصلحتها أو هكذا ترسمه لنا الأجهزة الأمنية التي لا نستطيع أن نقوض ما تقوله بعد أن قضى على جميع معارضيه استطاع الخنزير نابليون أن يتفرد بحكم المزرعة بل أصبح يرتدي ثياب السيد جونز ويمشي على قدمين وفي ليلة وضحاها أصبح النشيد الوطني أغنية مديح للقائد العظيم وتحول العلم الأخضر إلى صورة للقائد العظيم نابليون وتحولت أسماء المدارس والشوارع والمؤسسات إلى اسم حافظ الأسد وأصبحت ساحة الأسد وملعب الأسد ومؤسسة الأسد وجيش الأسد وفي نهاية المطاف وبعد إن استفاق الشعب السوري وبدأ بثورته الحقيقية ضد النظام وضد البعث وحكمه الأوحد تحولت سوريا من مهد الحضارات إلى سوريا الأسد بعد تدميرها وتهجير شعبها وزج المعارضين في المعتقلات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.