شعار قسم مدونات

إيران بعيدة عن المعركة.. والروس غارقون في ريف حماة

blogs إدلب

مضى الشهر الخامس على الحملة العسكرية لقوات النظام وروسيا على ريفي حماة وإدلب، دون أن تتقدم هذه القوات وتصل إلى هدفها في عمق إدلب، حيث بدأت روسيا حملتها بمئات الطلعات الجوية، ليطال القصف عشرات القرى والبلدات متسببا بقتل وجرح العشرات ونزوح المئات من المدنيين عن منازلهم باتجاه الحدود السورية التركية، تزامنت حملة القصف مع محاولة تقدم برية للفيلق الخامس السوري المدعوم من القوات الروسية، وفشلت كل محاولاتهم أما صمود فصائل المعارضة السورية في ريف حماة. 

 

منطقة خفض التصعيد الرابعة

حتى نفهم طبيعة المعركة يجب العودة إلى تفاصيل المكان الذي تدور فيه، فمن الناحية الجغرافية تضم منطقة خفض التصعيد الرابعة كلا من محافظة إدلب وأجزاء من ريف حماة الشمالي وريف حلب الغربي وأجزاء من ريف اللاذقية المحاذية لإدلب، وتسيطر عليها "هيئة تحرير الشام" كأكبر فصيل عسكري مقاتل بالإضافة لعدة فصائل أخرى، أهمها "جيش العزة" العامل في ريف حماة و"الجبهة الوطنية للتحرير" القريبة من تركيا.

 

رغم تجاهل روسيا للاتفاق ومحاولتها تحقيق تقدم سريع على الأرض لتفرضه أمرا واقعا على المعارضة والحليف الجديد "تركيا"، إلا أنها فشلت في مبتغاها، رغم استخدامها لسلاحها الجوي

وفي نهاية عام ٢٠١٧ دخلت القوات التركية إلى منطقة خفض التصعيد الرابعة، وفقا لاتفاق تركي روسي إيراني يقضي بنشر قوات مراقبة من هذه الدول تحيط بالمنطقة، الاتفاق ينص على نشر نقاط مراقبة عسكرية تركية من طرف المعارضة، ونقاط مراقبة إيرانية وروسية من طرف النظام السوري، وتتوزع هذه النقاط لتشكل حزاما يحيط بالمنطقة، وتضمن هذه الدول كلا من النظام والمعارضة من أي تقدم على حدود المنطقة التي تم رسمها في اتفاق سوتشي.

 

الحملة الروسية على ريف حماة والخلاف التركي الروسي

بالتزامن مع اجتماع أستانا في جولتها الثانية عشرة "أبريل ٢٠١٩"، بدأت الحملة العسكرية الأخيرة على ريف حماة بقصف للطائرات الروسية والسورية على قرى وبلدات ريفي حماة وإدلب، ثم حاولت قوات النظام مدعومة من روسيا بالتوغل داخل حدود المنطقة المتفق عليها، واستطاعت مباغتة قوات المعارضة والسيطرة على بلدتي كفر نبودة وقلعة المضيق الواقعتين ضمن اتفاقية خفض التصعيد، وحاولت هذه القوات التوغل أكثر في عمق إدلب محاولةً الوصول إلى مدينة خان شيخون، حيث بدأت المعارضة بصد هذه الحملة بعد أن امتصت صدمة المباغتة وبدأت بعملية عسكرية كبيرة على عدة مراحل، استطاعت من خلالها استعادة عدة مناطق تقدم النظام عليها والسيطرة على مناطق جديدة.

 

هذه الخرق للاتفاق أظهر حجم الخلاف الروسي التركي على المنطقة، وبدأت تظهر ثغرات الخلاف وعدم التوافق على بعض البنود في الاتفاقية، وبدأت التصريحات تخرج من المسؤولين الأتراك مستنكرةً تجاهل الروس بنود الاتفاق، فردت الأخيرة أنها تقوم بعملية محدودة تستهدف هيئة تحرير الشام "النصرة سابقا" بعد تعرض قاعدتها الجوية في "حميميم" للاستهداف من قبل الهيئة بطائرات مسيرة حسب ادعاء الروس، لكن هذا الرد لم يلقَ قبولا لدى الأتراك، خصوصا أن القصف يستهدف المدنيين مما تسبب بنزوح مئات الآلاف منهم باتجاه الحدود التركية السورية، حيث تجاوز العدد ٣٠٠ ألف نازح، وازداد غضب الأتراك بعد استهداف النظام السوري لنقطة المراقبة التركية في ريف حماة أكثر من مرة وتسبب القصف عليها بمقتل جندي تركي وإصابة آخرين.

 

إيران بعيدة عن المعركة.. وفشل روسي في التقدم

رغم تجاهل روسيا للاتفاق ومحاولتها تحقيق تقدم سريع على الأرض لتفرضه أمرا واقعا على المعارضة والحليف الجديد "تركيا"، إلا أنها فشلت في مبتغاها، رغم استخدامها لسلاحها الجوي وإطلاق يد النظام خصوصاً الفيلق الخامس الذي دربته روسيا ويدين لها بالولاء، ويعود هذا الفشل لعدة أسباب، منها: صمود الفصائل المعارضة التي اجتمعت لصد الهجوم بعد أن اعتبرته معركة مصيرية تحدد مستقبل المنطقة، وأهم هذه الأسباب كان الغياب الملحوظ للميليشيات الايرانية التي جنبت نفسها المعركة حتى الآن، والتي يبدو أنها لا تريد الدخول في صدام جديد مع تركيا خصوصا بعد تصاعد الضغط مؤخرا عليها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، فهي لا تريد توسيع دائرة الخصومة عليها وفتح ثغرة أمريكية تركية للضغط عليها، وربما أيضا تريد توجيه رسالة إلى روسيا بأن انتصاراتها السابقة كانت بمساعدة إيران وأنها لا تستطيع التقدم بدون وجود ميليشياتها.

 

روسيا تبحث عن مخرج يجنبها الانكسار

فهمت فصائل المعارضة استراتيجية المعركة فقررت تحييد الميليشيات الإيرانية عنها ما استمرت الأخيرة في تجنيب نفسها الدخول فيها، وفرضت محاور جديدة للمعركة بعد توغلها باتجاه الريف الشمالي الغربي لحماة، وهو منطقة نفوذ روسية بعيدا عن تواجد الميليشيات الإيرانية المتواجدة في ريف إدلب الشرقي وريف حلب الجنوبي ، وتقدمت الفصائل إلى عمق الريف الغربي حيث وصلت إلى بلدة "تل ملح"، مما شكل ضغطا كبيرا على الروس والنظام، ودفع روسيا لقبول مقترح تركي بوقف لإطلاق النار، رفضته الفصائل لأنه يسمح لروسيا بالحفاظ على المناطق التي تقدمت عليها، ويخالف الطرح التركي الذي أصرت عليه تركيا وهو وقف لإطلاق النار مع العودة  إلى حدود المناطق المتفق عليها في سوتشي، فوقع الروس في الخيارات الصعبة بين القبول بالخسارة والتراجع، أو الاستمرار في خسائر قد تستمر وتزيد من غضب الأتراك، ولا شك أن رفع وتيرة القصف على المنطقة يأتي في سياق الظهور بمظهر القوي للتغطية على الفشل.

 

التناقض بين المواقف الروسية والتركية والإيرانية في إدلب

أظهرت الحملة العسكرية الأخيرة على إدلب حجم الخلاف بين الأطراف الضامنة للاتفاق، وتجلى الموقف الروسي الذي يسعى لطي الملف في إدلب، بينما ظهر الموقف التركي المعارض لهذا الموقف والذي يعتبر إدلب منطقة نفوذ يحاول من خلالها تحقيق مصالحه من خلال جعلها منطقة آمنة لملايين النازحين والمعارضين لنظام الأسد، خوفا من موجات نزوح جديدة باتجاه حدودها وربما أراضيها، أما الموقف الإيراني الذي بدا ملتزما بالاتفاق بما يخص إدلب، فبقاء إدلب يعني سببا لبقاء ميليشياتها على أطراف المحافظة، خصوصا بعد تعرضها لضغوطات كبيرة اقليمية ودولية تطالبها بالخروج من سوريا، في ظل غياب موقف روسي واضح وصريح يدعم وجودها هناك، خصوصا بعد تلقيها لعشرات الضربات الاسرائيلية لمواقعها وقواتها في مختلف المناطق السورية. 

 

المعركة إلى أين؟

سؤال قد يصعب التكهن بالإجابة عنه في ظل هذه التناقضات السياسية والتطورات الميدانية على الأرض، فخيارات الروس تبدو حتى الآن محدودة وخيارات المعارضة هي الصمود فقط.. بانتظار تراجع روسي، أو ضامن دولي جديد يدعم الموقف التركي العام، وهذا متوقف على حجم الضغط الأمريكي والأوروبي المختلفين مع تركيا في ملف الأكراد شرق الفرات، والمتفقين معهم في إدلب خوفا من فتح الباب التركي لنزوح الملايين إلى أوروبا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.