شعار قسم مدونات

محمد صلاح.. "مينتاليتي" دعم التحرش

blogs محمد صلاح و وردة

اليوم نحن نمتلك قصة جديدة، بطلها لم يكن محمد صلاح حتى قرر هو إقحام نفسه فيها، لينحّي بطلها الأصلي جانبا ويأخذها إلى منحى آخر. فخر العرب والذي لاحقته جملة "الله على أخلاقك يا أبو مكة" بشقيها الحقيقي والساخر أصبح اليوم متهما بدعم التحرش الجنسي، حتى وإن لم يقصد ذلك إطلاقا، ذلك لأن من يمتلكون "المينتاليتي" يحاسبون على الأفعال، لا نيّات "منصات التواصل الاجتماعي". (1)

 

ماذا حدث؟

اللاعب عمرو وردة يحاول التعرف على عارضة أزياء مصرية أثناء معسكر منتخب مصر، فما كان لها إلا أن نشرت محادثته معها عبر حسابها على موقع إنستغرام، ومن ثم ادّعت أنه هددها وأخبرها أنها لا تعلم "مع من تتحدث" حين رفضت التجاوب معه. (2)

 

صلاح كان الأبرز من بين 4 لاعبين اجتمعوا مع رئيس اتحاد الكرة المصري والمدرب خافيير أجيري، اجتماع تم على أساسه تخفيض العقوبة إلى استبعاد لمباراة واحدة مع عودته لمعسكر المنتخب

الأمر تحول إلى مادة دسمة للسخرية، أولا لأنه لا دليل مادي على تهديده لها، والذي يُحول الأمر من محاولة تعارف إلى شيء آخر، وثانيا لأن وردة اعتاد هذه الأفعال مع الجنس الآخر، وأن الكثير من المصريين لا يعتبرون التحرش جريمة كما يتعامل معه الآخرون، وأخيرا، وكما ورد على لسان بعض جمهور مواقع التواصل، أن هذه العارضة لا توافق معايير الجمال المتعارف عليها في غالبية المجتمع المصري. 

 

هذه الواقعة ذكّرت فتاة مكسيكية بمحادثة مع اللاعب نفسه، ولكن الأمور لم تتوقف هذه المرّة عند كونها محاولة تعارف، بل نشرت عبر تويتر محادثتهما التي تضمنت عبارات لا يمكن أن توضع على أي حال في إطار التعارف. وردة حاول بداية التعرف عليها، ومن ثم طلب منها إرسال صور لوجهها وأجزاء من جسدها فرفضت، فألح في طلبه لترفض مرة ثانية، ليبدأ في سؤالها إذا كانت قد مارست الجنس من قبل أم لا، فترد بالامتعاض، وتتعجب متساءلة عن: كيف يسألها سؤالا مثل هذا؟ ليقرر وردة اقتحام خصوصيتها، ويأخذ صورة من حسابها، ويسألها عن الشخص الموجود بجانبها في هذه الصورة، تجيب بأنها مرتبطة به عاطفيا وسيتزوجان، فيتهكّم على علاقتها به باستخدام تعليقات جنسية.

 

وردة لم يكتفِ بهذا، بل وصفها بأنها عاهرة. فامتعضت، وطلبت منه التوقف، فاستمر في توجيه الألفاظ البذيئة، تخبره بأنها تشعر بالخوف منه، فيستمر في إلحاحه ويبدأ في الكذب ويخبرها بأن والدته مصابة بالسرطان ليواصل ابتزازه العاطفي، حتى ينتهي الأمر بإرساله مقطع فيديو جنسيا له دون موافقتها لكي ترسل إليه مقطعا مشابها. (3)

 

ربع ساعة فقط بعد نشر هذه المحادثة كانت كافية لأن يُصدر الاتحاد المصري لكرة القدم قرارا باستبعاد وردة من معسكر المنتخب المشارك في أمم أفريقيا، ليخرج صلاح في مساء اليوم ذاته مدافعا عن زميله عبر تغريدة على تويتر، يبدأها بضرورة احترام رغبات المرأة، وينهيها بضرورة إعطاء الفرصة الثانية وعدم إرسال المخطئين إلى المقصلة، أو "المتحرشين" بالأحرى. (4) (5)

 

صلاح كان الأبرز من بين 4 لاعبين اجتمعوا مع رئيس اتحاد الكرة المصري والمدرب خافيير أجيري، اجتماع تم على أساسه تخفيض العقوبة إلى استبعاد لمباراة واحدة مع عودته لمعسكر المنتخب، وذلك بعد نشر وردة لمقطع فيديو يعتذر فيه عما بدر منه، في مشهد لقي حفاوة كبيرة في الشارع المصري، وجعل رئيس اتحاد الكرة يصدر بيانا يعرب فيه عن سعادته بحالة التكاتف بين اللاعبين ودعمهم لبعضهم بعضا، قبل أن يقوم بمسحه لاحقا. (6)

 

ماذا فعلوا في مصر؟

في الحقيقة، كانت ردود الفعل في المجتمع المصري مشابهة لرد فعل صلاح، إلا قلة فقط استمرت في رفض الواقعة. في مصر، يمكن القول إن الحدث يمر بثلاث محطّات، فبمجرد وقوعه يبدأ الجميع في التنديد، وبمرور الوقت تظهر نغمة التعاطف، ثم يختتم الأمر بأن ننسى كل شيء وكأنه لم يكن ويتحوّل الجاني إلى بطل في النهاية.

 

الدفاع عن وردة جاء بداية بمنطق الستر، وأننا كلنا مخطئون ولكننا فقط مستورون، ومن كان منكم بلا خطيئة فليُلقِ الضحية بحجر، كل هذه المصطلحات تعني أن الرجل مخطئ ولكننا يجب أن نغض الطرف عن خطئه لأننا نخطئ أيضا. آخرون بدأوا في الحديث بشكل عام متناسين أن هناك واقعة قد حدثت بالفعل، فمنهم من رأى أن الرجل يلعب في أوروبا، وبالتالي هو في مجتمع مفتوح ويُسمح فيه بالعلاقات الرضائية بين الجنسين، لذا فلا حاجة إلى التحرش أصلا، وبناء عليه قرروا أنه لم يقم بذلك، وأن الفتيات اللاتي يتهمنه باحثات عن الشهرة، فانتقل الأمر برمته من مساحة العفو والستر إلى مساحة المُكابرة، وعليه فهو مظلوم، والنتيجة؟ حملات دعم لا تحدث إلا للأبطال الشعبيين في القصص الروائية، تلك التي تكاتف فيها الفنانون واللاعبون والإعلاميون وحتى رجال الدين من أجل الدفاع عن "متحرش".

 

في مصر، يبدو أن هناك غموضا يحيط بالفارق بين العلاقات الجنسية التي تتم برضا الطرفين وبين الاغتصاب والاستغلال الجنسي والابتزاز. ويبدو أن المعرفة تقتصر هنا على اعتبار أن جميع الأشكال السابقة يمكن تصنيفها في دائرة العيب والحرام، وأن القائم بأي فعلة منهم لا يختلف عن الآخر، لذلك فمن الواجب أن نعفو عن المخطئ دون النظر في حقيقة ما ارتكبه أصلا.

 

صلاح ظنّ أنه أكثر ذكاء من البقية، فقرر أن يكتب على تويتر ما يتلخص في أنه يجب احترام المرأة وقرارها، فإن قالت لا فهي تعني لا، ولكننا يجب أن نؤمن بالفرصة الثانية وألا ننصب المقصلة لمن أخطأ. في الحقيقة كان موقف صلاح مشابها لموقفه في كل شيء تقريبا، هو دائما يُفضّل مسك العصا من المنتصف لإرضاء الجميع، ولكنه لم يلحظ هذه المرة أنه لا منتصف هنا، وأن الدبلوماسية المطلقة ليست الحل الأمثل في كل المواقف، وفي هذا الموقف تحديدا.

 

View this post on Instagram

عمرو ورده بيلعب بقاله فتره طويله في اليونان يعني أوروبا يعني بنات على قفه مين يشيل و مافيش مشاكل في الصحوبيه و حاجات تانيه كتير لان ثقافتهم بتسمح لهم بكده تفتكرو انه هايستنا يجي مصر ووقت بطوله مهمه زي دي علشان يعاكس ؟؟ و بعدين كلمة تحرش دي كلمه كبيره اوي لما نستخدمها نستخدمها في مكانها لازم تكون بالإكراه و بدون إرادة الطرف الاخر و ده ما حصلش طبعا … رأي الشخصي ان عمرو اتظلم ظلم كبير و اللي حصل فيه كان شر كبير مقصود ! و اَي شاب في الدنيا مكانه كان ممكن يعمل كده و كل الشباب عارفين كده .. غلط ايوه طبعا غلط لكن غلطه الأكبر انه ما قدرش قيمته و أهميته كلعيب مهم و اتصرف كشاب عادي و كلنا بنغلط .. انا #بدعم_عمرو_ورده و بقوله اللي جاي احلا ❤️

A post shared by Heidy Karam (@heidykaram) on


ماذا قالوا هناك؟

صلاح جعل الأمور أكثر سهولة بالنسبة للمجتمع والصحافة في إنجلترا، منحهم تغريدة مكتوبة باللغة الإنجليزية تحمل ملخصا لما حدث ليوفر عليهم جهود الترجمة، صاحب العقلية المختلفة نسي أنه يتعامل مع مجتمعين مختلفين تماما، وظن أن الإنجليز سيصفّقون لوقوفه بجانب صديقه في محنته كما نفعل، وغفل أن الفارق بين التحرش والاغتصاب والعلاقات الرضائية بالنسبة لهم أكثر من كونها عيبا وحراما.

 

في هذا السياق كان تناول المواقع والصحف الإنجليزية نفسه غامضا، ففي ظرف يوم قام أحد اللاعبين بواقعة تحرش حسب ما وصلهم، ثم دافع عنه صلاح فأصبحنا وكأن شيئا لم يكن، بالطبع تساءل جميعهم عن التحقيقات التي خضع لها اللاعب لمعرفة هل أذنب أم لا، ثم تساءلوا عن المعضلة الأكبر وهي كيف لصلاح أن يدافع عن واقعة يقع فيها الضرر على شخص آخر؟ ومن أين أعطى لنفسه حق الدفاع أصلا؟ وكيف تحايل لكي لا يكون دفاعه مطلقا عن التحرش نفسه؟ ولكنه وقع في الفخ الذي يقع فيه دائما. (7)

 

نيك أيمز مراسل الغارديان في القاهرة طرح تساؤلا مهما خلال مقال نشره بعد الواقعة، ذلك الذي يقول هل كان لصلاح أن يقوم بالتصرف ذاته في حال كانت الواقعة للاعب في ليفربول؟ هو سؤال يحمل إجابته وتفسيرها ضمنيا، فإذا كانت الإجابة بالطبع لا، فإن تفسيرها سيكون أنه فعل ذلك فقط لأنه يعلم أنه في مصر، وأنهم في مصر لا يهتمون بمثل هذه الأمور، أو ربما لا يفهمونها. (8)

undefined

في المقال ذاته تطرق أيمز إلى تحايل صلاح خلال تغريدته، فهي لم تتضمن دفاعا خبيثا عن التحرش، ولكنه اكتفى بالتحايل على الواقعة حتى يُرضي جميع الأطراف، وردة مخطئ، والتحرش جريمة/ والمرأة يجب أن تُحترم، ولكننا نؤمن بالفرصة الثانية، ماذا تعني الفرصة الثانية؟ تعني أننا يجب أن نسامحه وألا نعلّق المقصلة، إذن بناء على وجهة النظر تلك يصبح التحرش ليس بجريمة والمرأة لا يجب أن تحترم، معادلة يستطيع حتى المصريون الذين لا يحبون التعلم والقراءة -على حد قول صلاح- فهمها دون أي جهود إضافية، وبناء عليه يصبح ما قام به صلاح دفاعا عن التحرش.

 

عن الستر والخصوصية والحياة الشخصية

في منشور على فيسبوك، تناول مدون مصري يُدعى محمد أبو الغيط الموضوع بتفاصيله كافة، حتى يرد على المدافعين عن وردة بأسبابهم المختلفة، حيث يذهب كل فريق إلى الدفاع لأسباب تختلف عن الآخر، مما يجعل الأمر بحاجة إلى من يضع النقاط على الحروف. 

 

خلال هذا المنشور شرح أبو الغيط الفارق بين أنواع الممارسات الجنسية المختلفة، حيث إن هناك ما يُسمى بالاغتصاب الزوجي، نعم اغتصاب يتم من زوج لزوجته، هذه بالطبع مستويات متقدمة جدا لا يمكن الحديث عنها داخل مجتمع لا يعرف الفارق بين الابتزاز الجنسي والتعارف نظرا لأن كليهما يتم عبر مواقع التواصل. (9)

 

الرجل شرح مفهوم "الفضيحة"، حيث هناك فارقٌ بين تسريب مكالمات أو مقاطع جنسية تمت بالتراضي، وبين الحديث عن واقعة تحرش لفظي أو جسدي أو إلكتروني. في الحالة الأولى يكون المجرم هو من سرّب هذه الأشياء، لأنها جزء من حياة الأشخاص الخاصة، ومن قام بتسريبها لا دخل له بأي أسرار أو ممارسات شخصية وإن كانت مرفوضة دينيا ومجتمعيا، في هذه الحالات يصح الحديث عن الستر وعن كون الجميع معرّضين للخطأ.

 

أما في حالات التحرش الجنسي أو السرقة أو النصب والاحتيال، فهذه جريمة يقع فيها الضرر على شخص آخر، وهنا لا مجال للستر، ومحاولة الستر ستكون جريمة أخرى تعرف بالتستّر على مجرم. ولأنك ببساطة بعدم إعلانك التنديد والرفض فقد سمحت لهذه الممارسات أن تتكرر مستقبلا، وبالتالي سمحت بوقوع ضرر أكبر على أفراد آخرين، وضرر مجتمعي باعتبار هذا الفعل سائغا ولا يستحق العقاب من الأساس، لذا فمن حق الجميع أن يفعلوه. هذا ما سيتم التوصل إليه ضمنيًّا حتى وإن لم تُصرّح بذلك خلال دفاعك عن المذنب.

 

بالعودة إلى وردة، فمتى يمكن أن نُطلق عليه أو على غيره لقب متحرش؟ الإجابة عندما يتحوّل فعل التحرش لديه إلى نمط سلوكي ثابت متكرر، وهذا ما حدث مع اللاعب بالفعل، الرجل متهم بواقعة تحرش بفتاة فرنسية خلال معسكر منتخب مصر للشباب في 2013، ومستبعد من الفترة الإعدادية لباوك اليوناني بسبب ممارسات سلوكية، ومطرود من فرينسي البرتغالي بسبب التحرش بزوجات زملائه اللاعبين، ومتهم بالتحرش لفظيا بفتاة مصرية وأخرى مكسيكية. لذا كان على صلاح أن يؤمن بعدد لا نهائي من الفرص إذا أراد الدفاع عن صديقه، لأن الإيمان بالفرصة الثانية فقط لا يتناسب مع هذا العدد من الوقائع. (10)

 

المزيد من الحياة الشخصية

بالطبع، الغالبية تعلم قصة كاثرين مايورغا، الفتاة التي اتهمت كريستيانو رونالدو باغتصابها في أحد فنادق لاس فيجاس قبل 10 سنوات، أو قصة تهرب رونالدو ذاته من الضرائب ومعاقبته بغرامة مالية، وتورط ليونيل ميسي في تهرب ضريبي مشابه والحكم عليه بالسجن 21 شهرا مع إيقاف التنفيذ. (11) (12) (13).

 

هذه القصص ظلت مسار حديث إعلامي مع تكرار جلسات المحاكمة وتصريحات المتهمين، ومع ذلك لم يخرج أحد زملائهما في أنديتهما ومنتخباتهما للدفاع عنهما، أو بمطالبة المجتمع بالصفح عنهما وإعطائهما فرصة ثانية، ولم نشاهد التبريرات التي شاهدناها كون ميسي يحصل على 110 مليون يورو سنويا ويُتهم بالتهرب من دفع 3 ملايين يورو فقط، لم ينفِ أحدهم الاتهام عن ميسي بحجة أنه ثري مثلا ومن البديهي أن يدفع مبالغ بسيطة مثل هذه، أو أن رونالدو عُرف في فترة 2009 بكثرة علاقاته النسائية التي تتم بالتراضي، وبالتالي فهو ليس بحاجة إلى الاغتصاب من الأساس، هي ليست استنتاجات حتى يتم نفيها بناء على ما يمتلكه هذا من أموال وذاك من علاقات نسائية، إنها تُهَمٌ مُستندة إلى دلائل، وبعضها أُثبِت بالفعل وصدرت العقوبة على أساسه، لذا فلا مكان للاستنتاجات هنا.

 

في مصر، بات الحديث عن "الحياة الشخصية" منتشرا في الآونة الأخيرة، صلاح خرج ليعلن أن محاصرة بيته التي منعته عن الخروج لأداء صلاة عيد الفطر تعد اقتحاما لحياته الخاصة، فسخر منه الغالبية باعتبار أن الأمر طبيعي، وأن الشخصية العامة يجب أن تُمنع من أداء أي شيء على اعتبار أن لديها العديد من المعجبين، وجمهورا مُتلهّفا للجلوس مع هذه الشخصية في غرفة واحدة، وفي حال رُفِض ذلك فإن ذلك يعد على الفور نوعا من التكبر والاستعلاء. (14)

 

بعد هذه الواقعة بأقل من شهر صار المجتمع المصري كله يطالب باحترام الحياة الشخصية، الطريف أنه طالب بها في غير موضعها ورفضها حين كانت في موضعها، المصريون طالبوا باحترام الخصوصية لشخص يقوم بالتحرش الجسدي والإلكتروني بفتيات في مصر والبرتغال واليونان، هؤلاء الذين ظلوا سنوات يستمتعون بتسريب مقاطع الفيديو والمكالمات والمحادثات الشخصية، ويسخرون ممن يطالب باحترام خصوصيته وعدم اقتحامها، هم أنفسهم الذين تذكروا أن هناك شيئا يُسمى خصوصية، ولكنهم قرروا المطالبة به فقط من أجل التستر على جريمة تحرش.

 

مينتاليتي؟

"أنا مختلف عن جميع المصريين، في مصر لا يهتمون بتعليم ما يتعلق بالـ "مينتاليتي" في المدارس، أيضا في مصر لا نحب التعلم، ندّعي دائما أننا نعرف كل شيء"

هكذا تحدث محمد صلاح ردا على سؤال الانتقادات التي تلاحقه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومع إعادة قراءة ما قاله، يمكن القول إنه منطقي. إلا أنه ورغم منطقية ما قال، فإنه قد وقع في مغالطتين يومها، أولها حين أثبت بعد ذلك أنه لا يختلف عن جميع المصريين في هذه المسألة كما ادّعى، والثانية أنه استفاد أكثر مما تضرر من هذا الأمر. (15)

 

غياب "المينتاليتي" هو الذي جعل الشريحة الأكبر من المصريين ترشّح صلاح في أي استفتاء دون تفكير، وتوجّه السباب لماني لأنها ترى أنه يُكِنّ أحقادا لفخر العرب، المشكلة ستكون أكبر في حال لم يلحظ صلاح ذلك الأمر، وظن أنه استحق الفوز بتلك الجوائز التي تعتمد على التصويت فقط، أو أن الجماهير كانت على درجة من الوعي واختارته لأنه كان الأفضل حقا.

 

المغالطة الثانية التي وقع فيها صلاح هي كونه لا يفوق المجتمع المصري فيما يتعلق بدرجة الوعي، الرجل لم يدرس موقف المجتمع الإنجليزي من جريمة التحرش، ولم يدرك أن الفارق الثقافي بين المجتمعين لا يسمح بأخذ موقف دبلوماسي والتحايل من أجل الدفاع عن متهم بالتحرش، أو التدخل أصلا في قضية لا تعنيه، وأخيرا كتابة تغريدته باللغة الإنجليزية حتى تأخذ حقها من الانتشار.

 

في حال أراد الدفاع عن واقعة التحرش، فكان لزاما عليه التحلي بقليل من المينتاليتي، أن تفعل ذلك في اجتماع مغلق مع اتحاد الكرة وتطالب بعدم نشر التفاصيل لأن المجتمع الإنجليزي لن يقبل ذلك، حينها سيكون موقفا "مُخزيا" على المستوى الإنساني والأخلاقي، ولكن على الأقل ستكون أكثر ذكاء في ألا تقلب الطاولة عليك في كل مرة أمام الإعلام، وأن تثبت أنك بريء مما اتهمت به المصريين، ولكن ما وقع فيه صلاح هو ظنه أنه من حقه فعل أي شيء استنادا إلى قصته الفريدة من نوعها.

 

في النهاية، ستُغلق القصة بالنسبة لصلاح بمرور الوقت، تماما كما أُغلقت قصة لقائه مع رئيس الشيشان في كأس العالم الماضي، ولكن أثر هذه وتلك سيبقى ليخبرنا في كل مرة كيف يفشل صلاح في التعامل مع وضعه الجديد، الذي يريد الاستفادة من مزاياه فقط دون أن يكون مستعدا لتحمل عواقبه، ليُثبت أنه مؤهل فقط لأن يكون الشخص الذي لا يُراهن عليه أحد ومن ثم يأتي ليقلب الطاولة ويفعل ما يظنه الجميع مستحيلا، ولكنه غير مؤهل لأن يكون النجم الأول، ليس مؤهلا للتعامل مع هذا الوضع بالأحرى، والأسوأ من ذلك أن صورته ستظل حاضرة مع كل واقعة تحرش لفترة ليست بالقليلة.

——————————————————————————————————————————-

المصادر

1 – صلاح متهم بدعم التحرش الجنسي

2 – عارضة أزياء مصرية تتهم وردة بالتحرش بالابتزاز الجنسي

3 – تفاصيل واقعة التحرش الإلكتروني من عمرو وردة بفتاة مكسيكية

4 – استبعاد عمرو وردة من معسكر منتخب مصر على خلفية واقعتي التحرش

5 – تغريدة محمد صلاح دفاعا عن وردة

6 – اتحاد الكرة يقرر إعادة وردة إلى معسكر المنتخب

7 – تناول بي بي سي لخبر دعم صلاح لزميله المتهم بالتحرش

8 – مقال نيك أيمز مراسل الغارديان في القاهرة حول دفاع صلاح عن وردة

9 – منشور المدون محمد أبو الغيط وشرح تفصيلي لقضية عمرو وردة

10 – أبرز محطات عمرو وردة مع التحرش – يالاكورة

11 – اتهام كريستيانو رونالدو باغتصاب كاثرين مايوغا

12 – اتهام كريستيانو رونالدو بالتهرب الضريبي

13 – الحكم على ميسي بالحبس 21 شهرا مع إيقاف التنفيذ على خلفية التهرب الضريبي

14 – صلاح يتهم بعض الصحفيين والمشجعين بعدم احترام خصوصيته

15 – حديث صلاح عن الفارق بينه وبين المصريين

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.