شعار قسم مدونات

اليمين المتطرف الأوروبي.. الحضور والإستدعاء

blogs - europe

لا يخفى على قارئي الصحف العالمية تقدم تيار اليمين المتطرف في الانتخابات الأوربية الحالية، صحيح أن هذا التيار لم يتمكن من اكتساح شامل ولكن تواجده على الساحة الأوربية أصبح حقيقة واقعة. التيار اليميني يعني شيء واحد وهو مقاومة أي تغير ديموغرافي في التكوينة السكانية. إذاً نحن نرجع إلى فترة ما قبل هجرة الأفارقة والأسيويين إلى القارة العجوز ليعود أصحاب البشرة البيضاء هم الأغلبية الساحقة والتي بيدها مصادر الثروة والقرار.الأمر لا يختلف كثيراً عما يحدث بالولايات المتحدة بصورة معلنة تحت إدارة الرئيس ترامب. غير إن اللافت هنا، هو ذلك التنسيق بين اليمين الأوربي واليمين الأمريكي، وطبعاً وراء ذلك التنسيق عقولاً تفكر وترتب بالخفاء وأموالاً تؤيد هذا التنسيق لاسترداد الثروة والقرار السياسي.

 

لقد أصبحت كلمة "النظام العالمي الجديد" منهكةً بين منازعة أيدولوجيات اقتصادية وأخرى سياسية، لكن أخطر ما في الأيدولوجيات السياسية أنها تبحث دوماً على سند ديني تجتذب به حشود توفر لها الدعم البشري والمالي. وكأنك تقرأ تماماً نفس أسلوب السياسيين بالشرق وذلك لأن اللعبة واحدة. الملفت للنظر هو أن معارضة اليمين والذي يمثله الجمهوريون بالولايات المتحدة تقع على عاتق التيار الليبرالي في الأغلب والذي يمثل غالبيته الحزب الديموقراطي. بين هذا وذاك يظل التيار المحافظ تائه بين الحزبين، فالقيم الأخلاقية لا تقف عند حد قضايا الشذوذ والاجهاض ولكن تتعداها إلى قضايا الحريات والتمييز العنصري والمساواة في الأجور والخدمات وتقسيم الثروة. إنك بحال لن تجد في حزب واحد ما يشفي احتياجات التيار المحافظ.

 

أتفهم صمود القيادات المسجونة واغلبهم رموز إسلامية ومعهم يساريين وعسكريين ولبراليين، فلهم ذلك. أما جمهور المنتمين لأي مدرسة فأزعم أنهم في حلٍ من التزاماتهم الأخلاقية تجاه معارضة النظام

لكن السؤال هنا، هل هذا التغيير سيكون له صداً في العالم العربي؟ أغلب ظني أن تبعية الأنظمة العربية لا تتأثر بشيء مؤثر نتيجة التغيرات العالمية إلا بدرجة التابعية. الأنظمة الغربية تحترم بشدة الأنظمة المنتخبة باستحقاق والتي تقف خلفها شعوبها بقوة وتركيا مثال واضح لهذا الاحترام. ربما الموقف الأخير أيضاً لحكومة طهران من التهديدات الأمريكية والمفاوضات بين الإدارة الأمريكية وجماعة طالبان في اتجاه إنهاء حالة الحرب والتفرغ لحلول متفق عليها، لخير دليل على هذا التفكير. غير أن اللعب بورقة الهجرة المشروعة والغير مشروعة سيأخذ حيزاً أكبر من واقعيته وبالتالي سيكون دعم دور حكام دول جوار المتوسطي لا مفر منه بل دعمه تحت أي غطاء بغض النظر عن إجهاض حقوق الإنسان والحريات العامة.

 

ولأني لا أميل للرومانسية السياسية، فتكلفتها لا تطاق بدون وعي بالالتزامات تجاه الناس وأحقيتهم في عيش كريم، نجد أنفسنا بصدد ما يقرب من ٨٠ ألف سجين سياسي في مصر. كان ومازال كل جرمهم أنهم ينتمون لحركات معارضة للحكم بصورة كبيرة أو صغيرة. سمعت ولا زلت أسمع صرخات وعويل على مذابح رابعة والنهضة وعلى أحداث محمد محمود وماسبيرو. اغفروا لي تفكيري العقلاني الخالي من المشاعر، فهذه أحداث لم أعشها إلا من خلال الأقمار الاصطناعية من خارج مصر. غير أني أشعر بالتزام تجاه ضميري وتجاه المسجونين الذين يموتون بالأمراض يومياً والذي يقترب من ٨٠٠ سجين، هذا غير الذين أعدموا والذين ينتظرون الإعدام.

 

بصفه شخصية أنادي من يهمه الأمر أن يدرك أن التضحية بآخرين ليست الطريق الصحيح. أتفهم صمود القيادات المسجونة واغلبهم رموز إسلامية ومعهم يساريين وعسكريين ولبراليين، فلهم ذلك. أما جمهور المنتمين لأي مدرسة فأزعم أنهم في حلٍ من التزاماتهم الأخلاقية تجاه معارضة النظام، بل أود أن أرى تلك الرموز تبحث عن مخرج لهؤلاء الشباب الذين أصبحوا كهولاً بدعوتهم للانسحاب من المعارضة بصورة أو أخرى. نعم أعلم أن التنازلات لن تنتهي ولكن ماذا أقول لأمٍ أو أبٍ يقضي ابنهم زهرة حياته لتحرير إرادة أمة لم تدافع عنه؟ الأمر يحتاج إلى روية وتكتيك لإتمام هذا الانسحاب السياسي بأقل الخسائر وحفظ ماء الوجه. صعود اليمين المتطرف سيجعل هذه الصفقات أكثر صعوبة في ظل نظم لا يعنيها سوى البقاء في سدة الحكم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.