شعار قسم مدونات

وعليك بالخليل الصالح.. وقلما تجده!

blogs أصدقاء

ثمة مشاعر وراحة تأخذنا إلى هؤلاء الذين إذا رأوا ذكر الله، راحة مع من تشعر معه بجمال طاعة، أو تدبر آية أو إيقاظ غفلة بداخلك، من تشم منه رائحة الصلاح والتوكل، من يشحن عزمك وعزيمتك، يقربك إلى الطاعة بمجرد النظر إليه، ويبعدك عن المعصية بمجرد السماع منه.

    

شعور بالانتماء والامتنان إلى هؤلاء المختلفون، هؤلاء أصحاب الهوايات الخاصة والحياة الغير مكررة، من تجذبهم المدن الجديدة، والأهداف العالية، من يسحرهم حب المعرفة والتغيير والمكابدة والمثابرة والكفاح، من تسير حياتهم على وتيرة مذبذبة لكنها ثابتة بإرادة وعزم وطموح.

   

ترى في لمعة عيونهم سر نجاحهم وإصابة هدفهم، أصحاب الطموح الذى لا يهدأ والعقل الذى لا يغفل، يتغافلون فقط عن أوجاعهم وألآمهم، لا يعتادون الراحة ولا حتى يتمنوها، يرهقهم المرض ليس لانه مرض! ولكن لأنه تعطيل في رحلة عملهم، ليس للدموع طريق في حياتهم، إبتسامتهم سر الحياة، وتكبرهم على مشاكلهم سر حلولها، لا يخشون السقوط ولا الربح ولا الخسارة، فهم يعلمون أن الثراء ليس بالامتلاك، ولكن بما يصبو إليه الانسان من رضا وامتنان لما يملك. لا يحكمون على أناسِ بمكانتهم! بل صاحب المكانة لديهم هو صاحب العقل والفكر والوعي والموهبة!

 

من يهون الحزن ويرفع البسمة، لا يرهقك بكثرة السؤال، ولا كثرة العتاب، يحترم خلواتك وانقطاعك عنه أحياناً، وتلمع عيونه وتعلو ضحكاته فور رجوعك، من يغمرك بحبه ودعائه في صلواته وخلواته

هؤلاء الذين يعشقون التفاصيل الصغيرة، هؤلاء الذين لديهم هوس بالشموع أو القهوة أو القراءة أو جمع الطوابع … المهم أن لديهم تفصيلة يغوص معها عقلهم وتسحر قلبهم، وشخصياً لا يجذبني أصحاب الروتين المعتاد، أمثال موظفو العمل اليومي والساعة المحددة وأصحاب مقولة – امشى جنب الحيط- يزعجهم التغيير في حياتهم حد الجنون، وترهقهم المشاكل حد الاكتئاب، يحييّون حياة تافهه بلا معنى، ثرثرات باردة، وخروجات مملة، وأسواق واهتمامات فارغة، لا يضيفون لجلستك معهم سوى ساعات من عمرك مضت، ولا يمضى هذا الوقت بداخلك إلا بفكرة حتمية تقبلهم وشكراً للمولى على أنك لا تُشبِههم! 

  

نغوص في هذه الدنيا ونتداول الترحال يقرب منا البعيد ويبعد عنا القريب، تميل نفوسنا كثيراً إلى العزلة، إلى مصاحبة الذات، إلى الإكتفاء بها نفساً وصديقاً ومجلداً ومشجعاً، ولكن الحقيقة التي لابد أن نعترف بها أن النفس تحتاج إلي البشر، كحاجة الزرع إلى الماء، والتفكير بأن العمر يمضى بِنَا ويضيع هى فكرة مرعبة، يلزمها انتقاء من حولنا بعناية، يلزمها صحبة صالحة، نحقق بها نجاح في الدنيا وفوز ونجاة في الآخرة، إن فكرة انتقاء الخليل الصالح المشابه لك هي من صعوبات هذه الحياة بكل ما أتت الكلمة من قوة، وكما قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه:"وقل ما تجده!"

 

فالنفس تحتاج إلى صداقة حقيقة وصديق رحيم مشابه لك، تفرغ عنده طاقتك، حزنك وفرحك، ذبذبات وتقلبات أفكارك، مزاجياتك المتقلبة، ومشاعرك المترددة، صداقة لمن يتقبلك، يتقبل جنونك وأفكارك، وعيوبك قبل مميزاتك، من تسعده أحلامك وأهدافك وتفاصيل حياتك، من يؤمن بك ويصدقك كأبا بكر للمصطفى صلى الله عليه وسلم في قوله: "إن كان قال فقد صدق "

  

من يهون الحزن ويرفع البسمة، لا يرهقك بكثرة السؤال، ولا كثرة العتاب، يحترم خلواتك وانقطاعك عنه أحياناً، وتلمع عيونه وتعلو ضحكاته فور رجوعك، من يغمرك بحبه ودعائه في صلواته وخلواته، ومن يشفق عليك من نفسك فيحزنك ويجلدك لأجلك، هؤلاء البارعون الرائعون لا يأتون من لا شئ؛ ولا مقابلتهم ستكون من باب المصادفات والحظوظ، ولكنهم قد يأتون بأقدار الله لك، بدعوة أم أو أب، بتوسل ودعاء لله صادق منك، وبجهاد النفس حتى تكون مستحق لصداقتهم، وباليقين بنقائص البشر وطبيعتهم.

  

والنضج الاجتماعي الذي تصل إليه ذواتنا، تجعلنا ندرك أهمية الاكتفاء والاغتناء وسط صخب الحياة وبؤسها، بهؤلاء الذين ترتاح نفوسنا لهم ومعهم، غير مبالين بمحبةٍ الجميع أو سخطهم، يكفينا من يملأ قلوبنا وعقولنا في حضرته، ويشغل صلاتنا ودعائنا في غيبته، فسأل الله دائماً صاحباً صالحاً يشبهك، يكن لك عوناً وسنداً وموجهاً ودليلاً، يصحبك لأجلك فقط، ليس من باب مصالح أو دنيا لعله يغمركم سبحانه بوعده فالسبعة الذين سيظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ومنهم: "اثنان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.