شعار قسم مدونات

عن حقيقة موقف السلطة الفلسطينية من "صفقة القرن"

blogs محمود عباس

يجادل البعض حول حقيقة موقف السلطة الفلسطينية من صفقة القرن بين مؤيد وحذر ومتوجس وآخر غير مصدق أو مقتنع معتبراً هذا الموقف فيه كثير من التورية وذر للرماد في العيون. لا شك كل له دوافعه ومبرراته انطلاقاً من متابعة حراك السلطة ومواقفها ودورها الذي تضطلع به منذ سنوات تأسيسها وربما منذ إرهاصات ذلك التأسيس وما اكتنفه من غموض أحياناً ومن ملابسات وحيثيات أحياناً أخرى أرخت بظلالها على تشكيل هذه الصورة الذهنية عنها لدى المتابعين.

 

لماذا نناقش هنا موقف السلطة تحديداً؟ وما هو موقفها الحقيقي صراحة وبلا لف ودوران؟ وهل فعلاً ينبع هذا الموقف من رؤية وطنية؟ هذه الأسئلة وغيرها كثير تدور في ذهن كل مواطن ولاجئ ونازح فلسطيني مشرد أو مهجر في بقاع الأرض الأربع. ولكي نقف على حقيقة هذا الموقف يتطلب الأمر فحصاً دقيقاً للتصريحات والمواقف المعبرة عن السلطة الفلسطينية سواء أكانت حكومية أو حزبية وربما لا فرق كثيراً فالسلطة اليوم هي فتح وفتح هي السلطة وما تبقى تفاصيل صغيرة هامشية لا يعتد بها ولا يكترث لها أحد.

 

الوحدة الوطنية الفلسطينية ضرورة حتمية وممر إجباري والسؤال عن موقف السلطة الفلسطينية من صفقة القرن تحديداً لأنها تتحرك باسم الفلسطينيين بغض النظر عن موقف شريحة كبيرة من الفلسطينيين من هذا التمثيل

أما لماذا نناقش هذا الموقف؟ فلأنه يبدو مغايراً لمواقفها السابقة تجاه معظم مشاريع التسوية وهنا هذا الاختلاف بحد ذاته يحتاج معرفة كوامنه وأسبابه ويستحق التدقيق كثيراً نظراً لانجرار السلطة الفلسطينية لكثير مما طُرح من مشاريع سابقة وتساوقها معها لابل وتسويقها وضلوعها فيها؟! في ما يتعلق بصفقة القرن منذ انطلاق هذا المصطلح إعلامياً في البداية ثم بدء خطواته العملية كانت السلطة معارضة له على لسان الكثير من أركانها وفي مقدمتهم رئيس السلطة والمتابع لتصريحاته يعرف ذلك تماماً وحتى أن خصوم السلطة السياسيين أشادوا بذلك.

 

كما ويسجل لبعض أركان السلطة أنه ذهب بعيداً في الرفض مطالباً بعدم التعامل مع إدارة ترامب وخطته للسلام وضرورة عقد مؤتمر للسلام لا تكون الإدارة الأمريكية مهيمنة عليه بل تديره أوروبا وروسيا والصين وشدد على التخلص من سياسة القطب الواحد التي تتحكم بالعالم. هنا ربما يبرز سؤال الجدّية في هذه الطروحات وكذا سؤال الرغبة والقدرة وفي ما بينهما القناعة لأن ذلك يحتّم على السلطة الانعتاق تماماً من ارتباطات أمنية ومالية وسياسية واقتصادية كبيرة لطالما قيّدتها بها الولايات المتحدة الأمريكية و"إسرائيل" ومن دون شك فلا فصل هنا بين حقيقة الدورين وطريقة إدارة الصراع العربي الإسرائيلي ضمن الرؤية الامريكية الاسرائيلية المنسجمة والمتناغمة تماماً حد التطابق؟!

 

وهذا يجعل سؤال هل المنطلق وطني بامتياز في الرفض لصفقة القرن أم أنه محاولة لتحسين شروط الصفقة؟ ما يفتح الباب على مصراعيه لاستنتاجات وتحليلات غاية في الدقة والتعقيد. المنطلق الوطني في الرؤية لرفض صفقة القرن يعني في ما يعنيه التحرر من التزامات كبلت السلطة الفلسطينية في مقدمتها التنسيق الأمني وفق اتفاقية أوسلو والاقتصاد المرتبط بالكيان الصهيوني وفق معاهدة باريس هذا يدفع باتجاه فتح كل ملف التسوية السياسية مع الكيان وتقديرنا أن لا رغبة ولا قدرة للسلطة على ذلك ودليلنا عجز السلطة عن تنفيذ مقررات سابقة ومكررة متعلقة بوقف التنسيق الأمني وتحرير اقتصاد السلطة وقد جاء ذلك في مؤتمرات المجالس الوطنية والمركزية المتلاحقة لكن دون جدوى؟!

 

الموضوع برمته يحتاج تقدير موقف دقيق من الكل الوطني الفلسطيني وأرى أن لا يفهم من طرحه التشكيك بقدر ما يحتاج الأمر إلى توحيد الرؤية الوطنية وتقديمها بصورة جامعة وموحدة بناء على نقاط قوة كل مكون وطني فلسطيني وتفادياً لنقاط الضعف ومواجهة لكل الضغوط التي تمارس على الكل الوطني الفلسطيني. الأمر يستحق وكما يُقال الخطب جلل والضلوع العربي في المخطط من أعلى الرأس حتى أخمص القدمين إلا من رحم ربي والمجاهرة بذلك يستدعي بذل جهد أكبر وسعي حثيث وعمل دؤوب للتصدي لهذه المؤامرة الكبيرة التي باتت تُنفذ بالعلن وبلا أي مواربة أو خجل؟!

 

الوحدة الوطنية الفلسطينية ضرورة حتمية وممر إجباري والسؤال عن موقف السلطة الفلسطينية من صفقة القرن تحديداً لأنها تتحرك باسم الفلسطينيين بغض النظر عن موقف شريحة كبيرة من الفلسطينيين من هذا التمثيل وهنا أختم لأقول بعيداً عن دوافع السلطة الفلسطينية ومبرراتها تجاه رفضها لصفقة القرن لعل هذا الموقف يشكل بارقة أمل وخطوة يمكن البناء عليها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في ربع الساعة الأخير لاسيما أن هناك نوع من الإجماع حتى العالمي على فشل مؤتمر البحرين وورشته الاقتصادية وهو ما ظهر جلياً في بعض التغطيات الإعلامية العالمية ويبقى أن ما يدور في الكواليس على مختلف الأصعدة والمستويات هو ما يفرض وجوب سرعة التحرك خشية من ردة فعل لدى عرّابي الصفقة في فرض وقائع أكثر على الأرض فضلاً عن ما تم فرضه سابقاً وهو ليس بقليل وبكلمة الرهان على الشعب الفلسطيني رهان رابح فلا يسقطه أحد من حساباته وهبّة شعبنا في مختلف أماكن توجده ضد الصفقة خير مؤشر ودليل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.