شعار قسم مدونات

واليمن السعيد لم يعد سعيدا!

blogs اليمن

كانت اليمن تُسمى في كتابات اليونان الكلاسيكية بالعربية السعيدة، اليمن الذي يمطر حباً لأهل الأرض، اليمن الحضنٌ الذي لا يبرد، اليمن العشق الذي نتغنى به، اليمن الشمس التي تدفئنا بدفئها، اليمن السعيد اليوم وقبل سنين عدة لم يعد سعيدا! اليمن وفي ظل ما يتعرض له من ملوك مدن الملح من حربٍ صارخه تهدم الحجر وتقتل البشر في كل مكان حيث أننا أصبحنا عندما نشاهد الأخبار التي تقطر دماً من أطفالها وشيوخها في مجازر التخاذل العربي نقف على أطراف مدنها نقف على صنعاء وتعز والحديدة وعدن.. وغيرها نشاهدها وكأننا نشاهد فيلما بوليسيا!

 

أنظرُ لصور القتلى في اليمن، لمشاهد البيوت المهدمة، لأرقام الجرحى، لمنظر الدماء، لبكاء الأطفال، لأشلاءِ الناس تحت الركام، لدمار الأرض الذي كنت أظن أنني لن أراه إلا في السينما والأفلام، أنظرُ لكل ما يجري ولا يتردد في بالي أكثر من قوله تعالى: "بأيِّ ذنبٍ قُتِلَت"؛ بأي جرم تباد هذه الأرواح؟! بأي فعل اقترفتهُ تنالُ هذا العقاب؟ بأي ظلم يتجبر في الأرضِ تفنى هذي البلاد؟ الأرض التي كانت بالأمس جنة أودعها الله في أرضه، باتت اليوم مسرحا للموت وكل أنواع العذاب؛ بلا ذنب ولا إثم. على هذه الأرض التي كانت بالأمس ربيعا وجمالا، تقتل اليومَ الأنفس دون أن تدري مَن قاتلها ولِم قتلها وكيف قتلها؟

 

إذا أنت ذكرت اليمن ذكرت المحدث الصنعاني والعلامة الشوكاني وأمير العلماء الكوكباني والسيد الوعاظ والزهاد الخولاني، إذا ذكرت اليمن ذكرت الأوس والخزرج والمقدام المدجج ذكرت الملكة بلقيس -التي كانت تخاف على اليمن أكثر من خوفها على عرشها الثمين- وأسماء بنت عميس.. وغيرهم. من اليمنيين شاعر الرسول حسان وملك العرب النعمان وخطيب الدنيا سحبان منهم قبيلة جرهم –وهي أول من سكن مكة-. أهل اليمن هم أهل الفصاحة والصباحة هم أهل السماحة والملاحة أرق الأمة قلوبا وأقلها عيوبا هم أهل السكينة والوقار والفقه والإعتبار هم أنصار الرسالة وقادة الجهاد والبسالة.

   

  

اليمن اشتُقّ من اليُمن ومن اليمين ومن الأمانة ومن الإيمان، يكفي اليمن فخرا أن ذكره الله تعالى في قرآنه وذكر مناطقه حيث ذكر سبأ والأحقاف وإذا ذكرت قصة أصحاب الأخدود وإرم ذات العماد وقصة بلقيس وسبأ والفيل.. فلابد لزاما أن تذكر بلاد اليمن.. لما نزل قوله تعالى (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في سبيل الله أفواجا) قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتاكم أهلُ اليمنِ، هم أرقُّ أفئدةً وألينُ قلوبًا، الإيمانُ يَمانٌ والفقهة يمانية والحكمةُ يمانيةٌ).

 

نحن نُحب اليمن وسنبقى نحبها لأنها تلد الحب والموسيقى والسعادة والحياة ولا تستحق سوى كل ما هو جميل بياسمينها وبخورها وجبالها وبيوتها وبكل ما تحمله من شجاعة في وجه صواريخ العالم أجمع، سنبقى نُحب اليمن لأنها تمنحنا السعادة من سعادة كل ركن فيها.

غنى لها أبو بكر سالم قائلا:

أمي .. أمي اليمن أمي

في داخل القلب حبك في الفؤاد استبا

من قبل بلقيس وأروى والعظيمة سبأ

يا كاتب التاريخ .. سجل بكل توضيح

انت الأصل والفـصل والروح والفن

يا أصل قحطان .. يا نسل عـدنان

عيني على كل من .. حلت قــليبه اليمن

عيني على كل من .. يهوى ربوع اليمن

أنت الأصل والفصل والروح والفن

   

اليمن تحمل البشارة.. بيمينها تُسرج الخيل للفاتحين وبكفها يشتد عرق الياسمين.. هي اليمن.. بعِطر شهدائها تستدل الطريق وتسند بالصبر قلوب الأمهات، ما وهَنَت ولا لانت.. ما مدّت يدها للغزاة.. ما مدّت يدها إلا لتغزل أجنحة للشهداء وإن ضاق القيد على المعصم! هذه اليمن.. تقاوم حتى آخر النبض ولا تركع إلا لمن وعد بالنصر. يا ابن اليمن.. من غيرُك ينبش الجمر تحت الرماد.. من غيرُك يقايض الدم بالأرض.. صنعاء في انتظارك؛ فلا يليق النصر إلا ويدك في يدها!

 

اليمن عارية كفُّها.. غائرة الخناجر في صدرها.. مُكمَّم بالقهر فمُها.. معذَّبة باحتلالين.. وسوطين.. خذلها القريب والبعيد تآمر عليها الأعداء والأصدقاء لكنها رغم ذلك لم يُعجِزها أن تفتح أبوابها للشهداء وتنثر مسك دمائهم على الشوارع العطشى يا ابن اليمن السعيد.. عدوك يعرف أنه لا سبيل إليك إلا بيد تحمل عروقك ولون دمك.. يا ابن اليمن.. عدوك يعرف أن لحمك مُرّ ولن يستطيع قضمه ولا سبيل لذلك إلا بفم يشبهك! يظن العدو أنه استطاع تفتيت شعاع اليمن ونوره ووأد الثوار وأنّى له ذلك بوجود المرأة اليمنية، آآآآخ لصلابة المرأة اليمنية جوع وعطش واشتياق لفلذات الأكباد! المرأة اليمنية، الأم والأخت والزوجة لا تفقد الحيلة، لا تكل ولا تمل ولا تهدأ، تسعى مفتوحة الفؤاد، وتقف حادة العينين، وتستمر واثقة، المرأة اليمنية أقوى من قلاع العسكر، وأدهش من مصفحات الجيوش، وأصلب من آلاف الوجوه التي صمتت، كانت وما زالت وستظل صامدة في وجه الإرهاب والانقلاب معا!

 

أعيدوا لنا اليمن! أعيدوا لنا زاويةُ الوطن التي كانت رمزاً، أعيدوا لنا زقاق الشوارع التي أخرجَت رجالاً من مساجدها وبيوتها، أعيدوا الساحل الذي شهِدَ القصفَ والموت والوجعَ والحياة، أعيدوا اليمن الذي صمد في وقتٍ سقطَ فيه كثيرون، اليمن الذي انتصر في وقت تداعت فيه عليه كل أمم الأرض قريبها وبعيدها. حاضرنا ملوث بالخيانة والتخاذل والتواطئ حاضرنا مجهول الهوية لا يعرف العدو من الصديق، التاريخ سيلعننا وصنعاء ستشكونا وإذا صنعاء يوما تشكونا فكل بلادنا يمن.

  

اذكروا اليمن السعيد، اذكروا سد مأرب، اذكروا معجزة السبئيين الزراعية، اذكروا ملوك التجارة وسلاطين اللغة.. اذكروا بلقيس أسطورة اليمن الجميلة، اذكروا امتحان سليمان العسير.. حتى يعود لنا يوما ما.. اليمن سعيداً كما كان سعيدا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.