شعار قسم مدونات

حال مجتمعاتنا ونحن في سطور قليلة

BLOGS مجتمع

كان لا بد مني أن أكتب عن حالنا وأفكارنا وما تؤول إليه أحوالنا في سطرين، لكنّ الأمر استدعى مني أن أسعف نفسي بسطورٍ متراصة بالكلمات المكتظة حول ما كان يجعل مني غاضبة قبل فترةٍ ليست ببعيدة، درجات الوعي لدينا في تناقص، تكاثرت منابر الفساد من بيننا؛ لتنادي بكل ما هو باطل وجاحدـ سرقتنا الحياة من مقتطفات بعثراتنا لتقودنا نحو الجحيم دون أيَّ رأفة بجهلنا المعاصر.

 

أفرادٌ متناثرون على الطرقات يدّعون العجز وهم في أوج ازدهارهم، تكاثرت الملاجئ، فأصبحت المكان الأوحد في العالم الأكثر اكتظاظا، وكأن هذا العالم يتحول تدريجيًا دون حِرص إلى خيمة أمريكية الصنع كبيرة تضمنا جمعًا تحت رأفة وبدعة الرحمة من قِبَلِهم، زاهدون بثقتنا بمن هم ليس أهلًا لها. لكنّ منهج السياسة ليس بطريقًا أطمح إليه لأن تصل أفكاري ومعارضتي لمن يهتم، لكنها المنهج الأول في حواراتي النفسية بعيدًا عن مناقشاتهم حتى لا أُقحم نفسي في دواليب إبعادهم لي عن الحقيقة.

 

أظن بأن العادات والتقاليد المجتمعية كانت السبب الأول في تراجع حضارتنا، حيث الأفكار القديمة لا تتجاوب مع تسارع الأزمنة فأصبحت تشكلًا خطرًا محدقًا لنا

أشخاصٌ كُثر يدّعون الحب لبعضِهم، ثم في ليلةٍ غير معتادة يغادرون تحت أعذار القبح والضعف، مستسلمين لواقعِهم وقدرهم، غير مدركين حجم جبال الحزن والهوان التي ستتراكم في قلوب أحبتهم – كما ادّعوا سابقًا- مع مرور أول لحظةٍ على الهجران والهروب المنسّق، لتنطوي في زاويتك في يومٍ عاديّ ليس مشرقًا ومتوهجًا على غير العادةـ باحثًا عن أدراج وحدتك، ستقوقع نفسك كما الجنين في رحم أمه، ربما ستذكر تلك الجلسات التي كانت تجمعك مع أكاذيب الأخرين وسخريتهم، ليسود اللون الأسود في مخيلتك غير مدرك قدرتهم في تجسيد المحبة أمامك وهم غارقين في غياهب الكراهية الحالكةـ لذلك فضّلت الوحدة عن جلساتهم النميمية للغير.

 

وربما في ثانيةٍ غريبة، بديهة السرعة، ستسرع في طرح فكرةٍ معزولة عن أدمغة العالم بينك وبين نفسك، لتصارع الأنا بأفكارها المعارضة والغائرة نحو الفشل المعتاد في حياتك، ستقرر حينها بكسر كل قواعد الحياة المملة وتطبيقها على نفسك دون أخذ رأي أي أحدٍ منهم. لتتفاجئ في حينٍ ما أعداد المعارضين لك، وكأن كل تلك الخسائر المحتملة ستصيبهم هم لا أنت، والبعض الأخر سيسخر منك غير مبالين لكلماتهم الجارحة التي تضرب في أواصر القلب، وفئة قليلة منهم تكاد تستطيع ذكرهم سيساندونك ربما حبًا أو انتظارا لسقوطك ليجعلوا منك أضحوكة نجاحاتهم الغير مرئية لك، لكنك وبالرغم من ذلك ستعجبك فكرة التغيير والخروج عن مألوفهم. المجنون والغبي، هذه ألقابك الجديدة سترافقك إلى حين دفنك تحت التراب دون وداعٍ أخير حيث كان ذنبك الوحيد بأنك كنت مختلفًا عنهم ولست مشابهًا، متبعًا، عبدًا، وذليلًا لعاديّتهم.

 

حسنًا، أظن بأن العادات والتقاليد المجتمعية كانت السبب الأول في تراجع حضارتنا، حيث الأفكار القديمة لا تتجاوب مع تسارع الأزمنة فأصبحت تشكلًا خطرًا محدقًا لنا، في حين الأدب العربي العريق والقديم، قد اندثر مع أغبرة الأيام والسنين، حتى وُضِعَ على الرفوف دون معرفة أحدهم به، في ذات الوقت كان الأدب الغربي في تطور على حسابه، حتى أصبح يُدرس في جميع أنحاء العالم على أنه الأكثر إبداعًا على الإطلاق وهذا المعتقد الخاطئ لدى الأغلبية.

 

والجدير بالذكر ما يلي نقطة مهمة، كان قد أُتفق عليها شعبيًا ومجتمعيًا، وحتى عالميًا، بأن لغة الحوار لدينا خرساء، وإن نطقت ستنطق بكل ما هو عكسي ومخالف لإبداء الرأي واحترام الآخر، ستبدأ بطرح الفكرة ثم تنتهي بشجارٍ مجهول النهاية، ربما القتل أحيانًا متكررة، ستسمع ألفاظًا غريبة، غير متداولة علنًا، خادشة للحياء تخرج من أفوهة العلماء والمتعلمين والمثقفين، فينشرون بها في كل أماكن العالم قدر المستطاع لكنك لن تتفاجئ كالسابق، فهذا الحال أصبح في تفاقم، وربما تعاشر معشرًا من الناس لفترةٍ وجيزة ولكنك سرعان ما ستهرب من شذوذ أفعالهم، وردودهم المعتادة كشربة الماء لديهم في سب ذات الإلهية دون استشعار الخوف في قلوبهم من عذابٍ معدًّا لهم إن لم يعودوا لطريقهم الصحيح والتوبة.

 

لنتطرق قليلًا وأخيرًا لمن يصارعون العلم في المعاهد والجامعات، بحيث قلةٍ منهم يعرفون جيدًا ما يفعلون بمكانهم، في حين غرق الباقي بالمفاخرة بين الناس بمجالاتهم العلمية، دون معرفتهم بحرفٍ واحد عمّا يدور من حولهم، سينظرون إلى شهادتهم كورقة بالية، سيلقونها فورًا عند انتهاء كل سنوات العناء في العلم، في سطرٍ واحد ستجد حياتك قد تلخصت به، ولأختم به أفكاري المهمشة، الغير مرحب بها لدى البعض، هذا إن لم تكن للأغلبية، الغريب لديك أصبح أقربهم، والقريب أصبح غريبًا يقتله النسيان، لتحذر عدوك مرة وصديقك ألف مرة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.