شعار قسم مدونات

محمد مرسي.. ثبات في الحياة وعبر في الممات

BLOGS مرسي

الحمد لله.. الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.. خلق الخلق وصيرهم إلى الفناء، فكل شيء هالك إلا وجهه، وكل شيء فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا، وابتلى الإنسان بالخير والشر فتنة، فكانت الدنيا محطة الفناء، وكانت الآخرة دار البقاء، الدنيا دار امتحان وإبتلاء، والآخرة دار حساب وجزاء، فما قيمة شقاء لا يبقى، أم ما قيمة سعادة تفنى، الدنيا محل إختبار والآخرة هي دار القرار، كل من في الدنيا مسافر وللآخرة مباشر، فسفره محمود أم مذموم، وقصده مرجو أم محذور، والناس هكذا وكفى بالموت لهم واعظا..

الموت عظة للغافلين، وقهر للطغاة الجبارين، وسلام وراحة للمجاهدين الموحدين.. الموت هو اختبار الصدق، وكشف الحقيقة، وامتحان الوفاء للعهد والوعد، والذكرى لمن ألقى السمع وهو شهيد، فقل ما شئت في حياتك، وخالط من شئت في أيامك، وأفعل ماشيت بأركانك فعندما تحين لحظة الحقيقة ينكشف المستور، ويطلق اللسان بما كان يلوك وحوله يدور، كل الأحبة تفترق ما إجتمعت على لعاعة الدنيا إلا ما كان منهم من الإخوان والإخلاء: والأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين.. والموت للمجاهدين في سبيل الله محطة من محطات البناء، روح متجددة تسري في القضية، فأفعالنا وأقوالنا بحاجة إلى أن نموت في سبيلها، ورحم الله من قال: "إن كلماتنا تبقى مجرد عرائس من الشمع حتى إذا ما متنا في سبيلها دبت فيها الحياة…".

لقد مات الرجل وفي موته انعتاق من سجن جلاديه، ليستريح الجسد من أمراضه، ويترجل الفارس الهمام في ذكرى انتخابه رئيسا لمصر بعد سبع سنوات بالضبط

بهذه الكلمات نرصع صدر الحديث عن الرئيس المغدور والحاكم المغيب، والشهيد المسرور، والغصة في حلق الظالمين والطغاة في كل العالم الذين تمالئوا على الإنقلاب عليه وسجنه، وظلمه وتغييبه وقتله ببطء، إذ أرادوا ذلك وأكثر لأنهم لا يحبون المتطهرين، لأنهم عاشوا في الذل والتبعية فما استنشقوا عبير الحرية وهو لا زال يحدثهم عن أشواقها وهو في قمة هرم الحكم في مصر يجاهد وحده ليحررها ويعتق مصيرها المرهون، ولا زال على عهده في حله وترحاله، في حكمه وقيده حتى قضى الإمام والقدوة والقائد محمد مرسي عيسى العياط نحبه يوم 17 من شهر جوان 2019 لينتقل إلى ربه يشكو بثه وحزنه، ويرفع إليه مظلمته، يرفعها إلى أحكم الحاكمين، إلى قاضي السماء العدل الذي لا تخفى عليه خافية.. وعند الله تجتمع الخصوم.

لقد مات الرجل وفي موته لعنة على كل من ظلمه في شخصه ودولته، على كل من ظلمه في محبيه في كل ربوع المعمورة، على كل من ظلمه وكاد له في حكمه وقيده. مات الرجل وفي موته عبرة للإخوان والخصوم، عبرة للأحباب والأعداء، تذكر الخصوم بأنه الرجل الذي لا يقبل الضيم ولا ينزل أبدا على رأي الفسدة ولا يعطي الدنية أبدا من وطنه وشرعيته ودينه، وأنه عاش رجلا ثابتا ومات رجلا ثابتا لا تغره مناصب وإغراءات ولا يخيفه حرمان أو تهديدات.. تذكر الإخوان بأن الثبات طريق القيادة، وأن الكلمات عرائس من الشمع تحتاج إلى إكسير الحياة، الموت في سبيلها حتى يصبح لمفرداتها معنى ولأنغامها لحن، فإذا قال بأن الشرعية ثمنها حياته فقد وفى، وإذا قال بأنه ولن يعطي الدنية أبدا حتى لو جاع أو مرض أو قتل فقد وفى..

وتذكر الأحباب بأن التحدي كبير والسحرة كثير، وأن هذا الأمر دونه طواغيت الأرض مجتمعة وأنهم لا يرضون بأن يعطوا شيئا إلا ما أخذ منهم، وأنهم في خططهم ساعون لإذلال هذه الأمة، يشتتون جهودها، ويفرقون صفها، ويعبثون بأمنها وغذائها ودوائها وسلاحها، وأنهم لا يرضون حتى تتبع ملتهم.. وتذكر الأعداء أن هذه الأمة ولادة رجال، ومنتجة أسود، فإذا ظن الأعداء أن مالهم وإغراءاتهم وإكراهاتهم يستطيعون أن يضمنوا بها ولاء حكام هذه الأمة فذلك لأنهم لم يجلسوا إلى رجال حقيقيين، فعندما أتيحت الفرصة وجدوا من يقول لهم لا!..

لقد مات الرجل وبموته حزنت كل الأمة من أقصاصا إلى أقصاها وفي القلب منها شعب فلسطين وأهل غزة بالخصوص لما كان له من شواهد خير لهم، وأياد بيضاء دثرها حزمه في صد العدوان الصهيوني عام 2012 على غزة، وإرساله لرئيس وزرائه على عجل تحت نيران القصف ليعطي رسالته بكل قوة وحزم. لقد مات الرجل وفي موته انعتاق من سجن جلاديه، ليستريح الجسد من أمراضه، ويترجل الفارس الهمام في ذكرى انتخابه رئيسا لمصر بعد سبع سنوات بالضبط. لقد مات الرجل وفي موته آيات للسائلين، وذكرى للعاقلين خاصة في ما كان له من آخر كلماته في حياته.

لقد مات الرجل وتركها كلمات شاهدات، في طريق إخوانه الثابتين الذين قضوا نحبهم قبله، وتشاء إرادة الطغيان إلا أن يدفن بجوارهم في مقبرة المرشدين في لطيفة تشير للصحبة والأخوة الجامعة التي ننهل منها نحن أيضا في مجلسنا هذا، وفي القلوب ما فيها من اللوعة والأسى، والحزن الكبير على الفقد، والغضب العارم على الظلم، لنقول… إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا.. إنا لله وإنا إليه راجعون وحسبنا الله ونعم الوكيل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.