شعار قسم مدونات

كتشيرنوبل وفوكوشيما.. لماذا نفشل في إدارة الطوارئ والأزمات؟

BLOGS تشيرنوبل

في سياق الاهتمام بعرض مسلسل Chernobyl وبعض الكوارث الطبيعية الآخيرة وبعد أن أمضيت أكثر من عشرين عاماً في مجال إدارة الطوارئ والأزمات يبقى هذا السؤال -لماذا نفشل في إدارة الطوارئ والأزمات في شركاتنا ومؤسساتنا ودولنا؟- في صدارة قائمة أسئلتي الفنية. أنوّهُ هنا أن مصطلح الشركة يشير إلى كيان تجاري ربحي بينما المؤسسة تشير إلى كيان عام وغير ربحي وقد تُعنى بإدارة الطوارئ الوطنية. يطفو هذا السؤال في سياق الفوضى المستمرة التي يشهدها هذا المجال وغالباً ما تكون أسباب فشله متشابه بغض النظر عن النشاط والموقع الجغرافي لهذه المؤسسة أو تلك أو نوع الطوارئ من كوارث طبيعية أو صناعية أو إلكترونية. فالأمر سواءْ ويزداد سوءاً إذا كان نشاط الشركة يندرج تحت النشاطات الخطرة كالصناعات البترولية أو الكيميائية أو النووية وغيرها. وقد نرى تغطية إعلامية هنا وهناك عند حدوث حادث كبير كمفاعل Chernobyl في أوكرانيا أو فوكوشيما الياباني أو انفجار وغرق منصة Deep Horizon في خليج المكسيك وغيرها في بلدان الشرق الأوسط.

غالباً تسمع التعليقات التالية من المدراء والمشرفيين عندما يُسألون عن مدى جاهزيتهم للتعامل مع الحوادث، "علينا أن نكون واقعيين وعمليين في التعامل مع الحوادث وليس نظريين". يحاول بعضهم هنا الإيحاء أن إجراءات إدارة الطوارئ والأزمات وعمليات التخطيط لها غير واقعية وتستند إلى كثير من الافتراضات والنظريات وتحتاج الكثير من التخطيط. مثال آخر على ما قد يستند إليه القائمين على إدارة هذا الملف التالي: "شركتنا ليست مزودة لخدمات الطوارئ من إطفاء وإسعاف فالدولة معنيّة بذلك وعلينا التركيز على أنشطتنا الرئيسية" وهذا اقتراح أخطر ويوحي بإخلاء المسؤولية الذاتية عن اتخاذ الإجراءات الفعالة لحماية الموظفين والجمهور والبيئة والممتلكات والاعتماد على مستجيبين الطوارئ الوطنيين (الخدمات العامة). وللموضوعية والعدالة فهذا الطرح الإداري نهج مشترك بين الشركات والمؤسسات في الدول النامية والمتطورة بخلاف الدول المتطورة والتي تفرض تشريعات صارمة في مجال إدارة الطوارئ والأزمات. سنشرح الآن بعض أسباب فشل هذه البرامج من خلال تقسيمها إلى تحديات مؤسسية وفردية وتشريعية.

التحديات المؤسسية:
1. الفهم المؤسسي لمنظومة إدارة الطوارئ والأزمات 
أحد الأسباب الرئيسية لفشل إدارة الطوارئ والتخطيط لها هو عدم فهم أهداف ومتطلبات برامج إدارة الطوارئ. على سبيل المثال، تركز العديد من الشركات/المؤسسات عالية الخطورة على عنصر الاستجابة لحالات الطوارئ المتعلقة بالصحة والسلامة والبيئة ظنًا أنها تتناول إدارة الطوارئ ككل ويهملوا عناصر أخرى كإدارة المخاطر والجاهزية واستمرارية الأعمال بعد الحادث الطارئ. خَطَرْ هذا النهج هو أن الشركات/المؤسسات لا تفهم حجم دورة إدارة الطوارئ وتعتبر الاستجابة للحوادث هي المكوّن الأوحد لعلم إدارة الطوارئ. لذلك، يتطور لدى الشركات/المؤسسات إحساس خاطئ بالأمان ظناً منهم انهم يديروا هذا الملف بفعالية. وللأسف يدركون الحقيقة بعد وقوع الحادث.

2. القيادة والدعم
أحد أكثر أسباب فشل جهود إدارة الطوارئ المؤسسية (عامة أو خاصة) هو أن القائمين على إدارة الطوارئ لا يمتلكون المستوى المناسب من الدعم من القيادة التنفيذية. على الرغم من إدراج موضوع إدارة الطوارئ والأزمات كأحد عناصر جدول أعمال الإدارة العليا الدائم، إلا أن الكلمات لا تترجم إلى أفعال غالبا. هذا لا يعني بالضرورة فقط نقص التمويل او عدمه أحيانا ولكن في تحديد الأولويات أيضا. العديد من الباحثين يعزي السبب الرئيسي للإنجاح منظومة إدارة الطوارئ إلى وجود دعم نشط من القيادة التنفيذية وتعزيز التغييرات السلوكية المطلوبة والتي يجب أن تحدث مسبقا كمؤشر نجاح. يعتبر دعم القيادة أمرًا ضروريًا أيضًا لإزالة المعوقات البشرية والتشريعية للتقدم في مبادرات إدارة الطوارئ في جميع أنحاء المؤسسة وعبر الإدارات.

3. الرغبة في حماية الوضع الراهن وتجنب التغيير
هذا يصبح واضحاً مع موظفي الإدارات الوسطى في جميع المؤسسات. يعد التخطيط للطوارئ أحد الأنشطة التي تتجاوز حدود القسم أو الإدارة مما يتطلب تعاون وتنسيق مستمر من أجل النجاح. تتطلب هذه الأنشطة عادة تبني مسؤوليات وأنشطة إضافية، وخلق وظائف اضافية وتحليل أنشطة الإدارة للوقوف على المخاطر المحتملة. هذا قد يجعل بعض الإداريين غير مرتاحين ويبدؤون في حماية الوضع الراهن. يظهر الباحثون أن إدخال التغيير على أي مؤسسة أو شركة يتطلب دائمًا قيادة شجاعة تتبنى التحسينات السلوكية للموظفين والإداريين Culture Change.

4. معارك الدفاع عن السلطات والصلاحيات الإدارية المقيتة
هذا سبب شائع جدًا يؤدي عادةً إلى إبطاء عملية التخطيط للطوارئ لأنه يؤثر على روح عملية التخطيط والتطوير. يركز موظفو الإدارة المتوسطة ورؤساء الأقسام طاقاتهم وجهودهم لتحدي أي تغيير في أقسامهم بغض النظر عن الأهداف والغايات وإن كانت طويلة الأجل. على سبيل المثال، سيتحدى رؤساء الأقسام الحاجة إلى عمليات التدقيق والتفتيش الداخلي لإدارة الطوارئ لضمان عمل البرنامج بفعالية. يرتكز هذا الادعاء على حقيقة أن هؤلاء يشعرون بالتهديد من قبل الموظفين من خارج القسم الذين يراقبونهم ويرفضون إحداث أي تغير محتمل بالوظائف أو الميزانيات أو مسئوليات اضافية. علاوة على ذلك، فإنهم يدّعون أن مسئولية التخطيط للطوارئ لا تعنيهم وهي مسؤولية اقسام أخرى كإدارة الطوارئ في المكاتب الرئيسية Head Quarter.

التحديات الفردية:
للتخطيط بفعالية للطوارئ والأزمات، يجب على الشركات والمؤسسات استبدال الافتراضات بالحقائق، وتوقع المستقبل، والتكيف مع الحاضر والتعلم من الماضي من خلال التعليم والتدريب المستمر ووضع التشريعات والمحاسبة وتحديد الأولويّات

1. كفاءة مدراء ومخططي ومنسقين الطوارئ
سبب شائع آخر لفشل التخطيط للطوارئ، أنه يتم ملئ عدد من وظائف إدارة الطوارئ بموظفين غير اكفاء أكاديمياً ومهنياً وتدريبياً ولا يمتلكون الحد الأدنى من المهارات الناعمة. وهذا واضح حتى في بعض الشركات عالية المخاطر. هذا له تأثير قصير وطويل الأجل ويمكن أن يُسهم في عدم فهم إدارة المؤسسة للأهداف والأنشطة المعنية لضمان برنامج إدارة الطوارئ المناسب. على سبيل المثال، قد تعتقد الإدارة أن وظيفة التخطيط للطوارئ هي دور يمكن ملؤه بموظفين غير مختصين جهلاً أو توفيراً مادياً أو فساداً إدارياً. على عكس هذا الاعتقاد، يتطلب التخطيط لحالات الطوارئ مجموعات مختلفة من المهارات بما في ذلك الخبرة التشغيلية وإدارة المخاطر المهنية، والتواصل والتخطيط الفعال، والتدريب، ومهارات إدارة الشركاء الاستراتيجيين من مؤسسات الدولة المعنية كالدفاع المدني والاسعاف وغيرها.

2. تجاهل كل التحذيرات
بعض المؤسسات لا ترى ما هو واضح من خلال عدم الاستثمار في التحليل والتحقيق المستمر في الحوادث بغرض التعلم والاسترشاد. تظهر علامات التحذيرات المبكرة هذه نتيجة حوادث حقيقية أو تأتي بعد تمارين الطوارئ والتدريبات. ولسوء الحظ، لا تُدركْ العديد من هذه الكيانات الفجوات إلا بعد فوات الأوان وحدوث خسائر في الأرواح والممتلكات.

3. التحرك مع متلازمة الجموع
يصبح هذا واضحًا خلال الاجتماعات وعبر مناقشات الإدارات التي تناقش أنشطة ومهام التخطيط للطوارئ. يقترح أحد الحاضرين في الاجتماع أن "تلك الإدارات أو الأقسام أو الشركات الأخرى تفعل ذلك بهذه الطريقة" لماذا إعادة اختراع العجلة؟ هنا يجب على مخططي الطوارئ أن يقاوموا هذا "التحرك بمتلازمة الجموع" لأن المقترِحْ ببساطة يحاول تجنب تحديد الأنشطة الحقيقية التابعة للإدارة وبالتالي تحديد المخاطر المرتبطة بها وتحديد إجراءات الطوارئ الخاصة بها.

4. التحليل بغرض الشلل Analysis Paralysis
في الواقع، هذا هو السبب الرئيسي الذي لاحظته في فشل تخطيط الطوارئ الاداري. يتم استخدامه بانتظام من قبل الإداريين والمشرفيين من أجل تأخير قرارات التخطيط للطوارئ أو عدم اتخاذ أي إجراء. هذا واضح من خلال تحليل الكثير من التفاصيل ووضع السيناريوهات الكثيرة لحالات الطوارئ التي يمكن رسمها على أنها معقدة للغاية. هذا النهج واضح خلال جميع مراحل برنامج إدارة الطوارئ بما في ذلك إدارة المخاطر، والجاهزية والاستجابة واستمرارية الأعمال.

5. متلازمة ان مؤسسات الدولة ستحمينا في النهاية
هذا أمر شائع بين الشركات المتوسطة وصغيرة الحجم. في الواقع، لا يمكن لإدارات الدفاع المدني وغيرها فعل الكثير إذا لم تكن المؤسسة تخطط بشكل صحيح قبل وصولهم إلى موقع الحادث، الثواني مهمة في حالات الطوارئ. كما يٌعد التعاون والتنسيق من عوامل النجاح الرئيسية للشراكة مع مؤسسات الاستجابة للطوارئ.

تحديات التشريعات والإجراءات والسياسات

عدم وجود تشريعات وسياسات وطنية إلزامية صارمة ومراقبة ومحاسبة من قِبل الدولة مما يشجع على التسيب والإهمال وفشل برامج إدارة الطوارئ.

الخلاصة

للتخطيط بفعالية للطوارئ والأزمات، يجب على الشركات والمؤسسات استبدال الافتراضات بالحقائق، وتوقع المستقبل، والتكيف مع الحاضر والتعلم من الماضي من خلال التعليم والتدريب المستمر ووضع التشريعات والمحاسبة وتحديد الأولويّات والمخاطر المرتبطة بأنشطة المؤسسة والدول وتخصيص الميزانيات المناسبة عندما يتعلق الأمر بالتخطيط للطوارئ والأزمات وبرامج التوعية. لا تَسامُحْ مع المناكفات والأجندات الضيقة وحماية المصالح الشخصية. إذا لم تستطع الشركات والدول تعلم التخطيط للطوارئ بنجاح، فينبغي لها أن تتوقع المزيد من الكوارث.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.