شعار قسم مدونات

فالفيردي.. أن تنتظر من رجل دين عزف قطعة موسيقية

blogs فالفيردي

لم يتعرض مدرب في تاريخ كرة القدم الحديث لربع ما يتعرض له مدرب برشلونة إيرنيستو فالفيردي من الإنتقاد، بسبب واقعيته والتي هي في الواقع ليست واقعية، ومن الصعب الوقوف على حقيقتها، لأن الواقعية في عالم التكتيك تعني اللعب على قدرات فريقك، دون زيادة أو نقصان، كما أوضح ذلك تشافي هيرنانديث حين سُئل قبل فترة عن الواقعية بالنسبة له ولفريقه، فأجاب بأنه في حالة وجوده هو وإنييستا وميسي في فريق واحد، فإن البراجماتية هنا تقتضي أن يلعب الفريق كرة هجومية، استحواذ ولعب موضعي وتمركز صحيح، بعيدا عن المرمى. من جانب آخر، تشافي وإنييستا وميسي، لن يستطيعوا الدفاع من دون كرة، لذلك قيل: خير وسيلة للهجوم هي الدفاع. هذه المقولة، رغم نسبية ما تعنيه، إلا أنها صحيحة هنا.

أفضل تشكيلة، لا تعني أفضل فريق. من ناحية الأسماء، كل الفرق التي أطاحت برشلونة في المواسم الماضية، كانت أقل منها على مستوى الأسماء. جريزمان سيضيف للفريق قوة هجومية أكبر من هذا الموسم ودي ليخت سيضيف مزيدا من الجودة للخط الخلفي. لكن هذا ما يحتاجه الفريق؟ هل مشكلة الفريق هذا الموسم كانت تتعلق بشح الخيارات ونقص في الزاد البشري؟ قبل كل شيء، أنا أؤمن بهذه المقولة: التي سمعتها في أحد الأفلام التي تناقش التخيير والتسيير، كل شيء كان يمكن أن مسار آخر تماما. بمعنى أنّ كرة القدم لا تحكمها القواعد الثابتة، بل مجموعة من المعطيات، معطيات يتم تحليلها والبناء على ذلك الأساس، مع حضور بارز للحظ للتوفيق.

قوة الشخصية، الثقة، الحضور، هذه الأشياء يقول الناس انها هي التي تنقص الفريق ليكون بطلا لأوروبا، لكن لا أحد يسأل عن كيفية تحقق هذه الأشياء والطريق التي تتأسس بها في برشلونة

  
موسم برشلونة كان يمكن أن ينتهي بثلاثية لكنه انتهى بلقب يتيم، لو خسارة مباراتين، لو خسارة مباراة واحدة ترتبت عليها أخرى، مجرد مباراة، هذا ما قاله بيكيه، مجرد كرة أضاعها ديمبيلي في مباراة الذهاب وجها لوجه أمام المرمى، لكن المنطق يخبرنا بأن ما يفصل برشلونة عن الأبطال، هو أكثر من مجرد كرة أو فارق هدف أو مباراة، لأن ما قيل بعد كارثة الآنفيلد تم قوله بعد كارثة روما العام الماضي، وسيقال الموسم المقبل، في انتظار كارثة لم يحن الوقت لانتظارها.

الحقيقة أن برشلونة يستحق ما حصل له في آنفيلد، وأنا أؤمن أنه تلك الصدمة تأخرت كثيرا، أقصد كان يجب تأتي بشكل مبكر، ومكرر، ليس للاستفادة منها، فبرشلونة لا يستفيد من أخطاءه، بل لأن ــ مجموعة من الخسارات المتتالية كانت ستجعل الكل يرى الفريق على حقيقته، بعدا عن التزييف، تزييف يأتي لأن الفريق لحسن الحظ ولسوئه يتعرض لصدمة واحدة كل موسم، من موسم لآخر، وهذا لا يجعل الإدارة واللاعبين لا ترى الواقع من منظور سليم، فالتجارب، والسنوات الماضية، أثبتت أن الفريق بعيد كل البعد عن مستوى التنافسية أوروبيا، وما ينقصه هو أكثر من فرصة أضاعها ديمبيلي هذا الموسم، وسيضيعها جريزمان الموسم المقبل.

كل هذه المقدمة من أجل توضيح أن الأيام تُظهر حقيقة كل شيء، كل شيء يتضح مع الوقت، الأيام تكشف كل شيء، النتائج لا تعكس الواقع، والأداء التي تم إهماله في الفريق خلال فترة حكم هذه الإدارة وتخليها التام عن فلسفة الفريق، وعدم جلب مدرب ذات شخصية يستطيع تطبيق هذه الفلسفة لن يعني أي تقدم.

قوة الشخصية، الثقة، الحضور، هذه الأشياء يقول الناس انها هي التي تنقص الفريق ليكون بطلا لأوروبا، لكن لا أحد يسأل عن كيفية تحقق هذه الأشياء والطريق التي تتأسس بها في برشلونة؟ في الواقع، هي تتأسس وتولد عندما يتَّبع المدرب فلسفة الفريق، وتكون لديه سلطة ويد وقرار، ويكون هناك رابط بين الجمهور والفريق، بين التقاليد والحاضر، المشكلة الفعلية هي أن المدرب لا يؤمن بهذه الفلسفة، لا يؤمن بها ولا يعرف عنها شيء. بوسكيتس، آرثر، ميسي، كوتينهو، هؤلاء يجب أن يلعبوا بالكرة، لا بدونها. ماذا تنتظر منهم في طريقة دفاعية بحتة؟

 
الواقعية، هذه الكلمة الفضفاضة والتي يُساء استخدامها بشكل فظيع، الواقعية Is an abstract meaning ولا تحمل أي دلالة في حد ذاتها، الواقعية في الواقع هي أن تلعب كرة القدم حسب قدراتك. ولا تعني الدفاع على الإطلاق. فعندما يكون لديك تشافي وانييستا وميسي، فمن الواقعية أن تلعب Attacking football ، على المنوال يجب أن يسير مدرب الفريق الموسم المقبل، أن يكون واقعيا ويتحلى بالشجاعة ويلعب كرة هجومية، ليس حلما أو رومانسية، وإنما واقعية، استثمارا في قُدرات آرثر، بوسكيتس، دي يونج، آلينيا وميسي، بدل تكليف هؤلاء بأعمال شاقة، تتجلى في اللعب بدون كرة، بما في ذلك من ركل وركض، وملل ورتابة بالنسبة لجمهور يرى أن الأداء أهم من النتيجة، تجسيدا لتقاليد الأب المؤسس يوهان كرويف.
  
في الختام، أنا لا ألوم فالفيردي، فلا يمكنك أن تُكلف رجل دين بعزف قطعة موسيقية ثم تلومه على سوء الأداء؛ كذلك لا ألوم الاعبين، قادة الفريق خاصة، لأن فالفيردي يضمن لهم مراكزهم الأساسية، دون مداورة، على حساب المنطق والعقل والواقعية التي يتشدّق بها.. ولا أعلم، من ألوم، الإدارة أم من انتخبها، الجمهور أم الظروف التي أدت إلى ترؤس بارثوميو للنادي، وخسارة لابورتا انتخابات 2015.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.