شعار قسم مدونات

جزر القمر.. الدولة العربية المنسية في المحيط!

BLOGS جزر القمر

قبل عدة أعوام كنا في لقاء إذاعي لتسجيل حلقات عن عادات وتقاليد بعضٍ من الدول العربية ومظاهر احتفالها بعيد الفطر، وأخذ كل ممثلٍ عن دولته بالحديث عن بلده، حتى أصابني شيءٌ من الذهول عندما كان أحد الضيوف ممثلاً عن دولة جزر القمر، وبمنتهى الصدق والحسرة معاً لم أكن أعلم أن تلك الجزر المنسية في لجج المحيط الهندي هي دولة عربية خالصة! وقد أخذ الصديق القمري يحدثنا عن دولته ليصيبني بالذهول والحسرة أكثر فأكثر، وقد استهل حديثه بالقول أن دولته هي دولة عربية أفريقية إسلامية، وكأنه كان متعمداً، وكأن كلامه مبطنٌ بعبارة "لمن يهمه الأمر!"، ومما حدثنا عنه في مجمل حديثه أن قمره تتألف من أربع جزرٍ رئيسية تجاور الساحل الشرقي للقارة السمراء، مساحتها إجمالاً تقارب الألفي كيلو مترٍ مربع، عاصمتها مدينة تسمى "موروني" وليس لدولته حدودٌ برية، وعدد سكان تلك الجزر لا يزيد عن مليون نسمة!

وبعد أن فرغنا من ذلك التسجيل الإذاعي أخذت ذلك الصديق الجديد جانباً، فكيف لي أن أحظى بفرصةٍ مثالية كهذه للتعرف على قمرنا العربية عن قرب! وأخذت أنهال عليه بالأسئلة دون رحمة، وفي كل شيء يخص دولته، ومما أفصح عنه في هذا اللقاء القصير أن معظم سكان جزر القمر يعتنقون الإسلام ديناً وعلى سبيل اللغة فإن اللغة القمرية هي اللغة الأكثر شيوعاً لديهم وهي لغة قريبة من اللغة السواحلية المشتقة من اللغتين العربية والسنسكريتية، يليها اللغة العربية فهي لغة القرآن والتعاليم الدينية ومن ثم تحل اللغة الفرنسية كونها لغة التعليم الرسمي، ومن جانبٍ اقتصادي فإن الزراعة وصيد الأسماك هما الأكثر انتشاراً بين سكان الجزر، ويشتهر لديهم القرنفل والموز وجوز الهند، ومن جميل ما لقبت به تلك الجزر أنها "جُزر العطور" حيث أنها موطنٌ لتصنيع العطور الأصلية، وتعد من أكثر الدول تصديراً للفانيلا حول العالم.

برغم التهميش والنسيان، تبقى لهذه الدولة الجميلة مكانتها العربية المرموقة حيث أنها تتصدر العرب على مستوى حرية المرأة وحرية الصحافة، أضف إلى ذلك كونها وجهةً سياحيةً مميزة

وبالعودة إلى كونها لا تشتمل على حدودٍ برية فقد أثار فضولي مسألة النقل والمواصلات لديهم فأجابني ببساطة شديدة أنهم يعتمدون على السيارات للتنقل في أرجاء الجزيرة الواحدة، ولديهم العديد من الموانئ البحرية ويستخدمون المراكب والسفن للتنقل بين الجزر ولديهم أربع مطارات تستقبل الرحلات الجوية، وبعد سيلٍ عارمٍ من الأسئلة وبعد أن أطلت عليه فعلياً، قررت عدم الإطالة أكثر، أنهينا النقاش على أمل اللقاء والتواصل فيما بعد، ولكنني لم أتوقف عند هذا الحد، فعندما عدت إلى منزلي أخذت أتصفح كل شيءٍ يمكن تصفحه لأظفر بمزيد من المعلومات عن هذه الدولة الجميلة، وبعد رحلة شيقة في ربوع جزر القمر عبر الإنترنت أخذت أفكر ملياً، وجال في خاطري سؤالٌ حينها عن سبب نسيان وتهميش هذه الدولة العربية الإسلامية؟ وحاولت أن أجد جواباً شافياً لسؤالي المؤسف، وتوصلت بذلك إلى ما يلي:

– لعل الهدوء والاستقرار السياسي الذي تعيشه تلك البلاد وإن كان نسبياً يحجبها عن الأضواء وعن شاشات الأخبار على عكس الحال في كثير من البلاد التي تنشب فيها صراعات وأزمات؛ فقد أصبحت القنوات الإخبارية نافذة جاهزة للإطلاع على ثقافة وأحوال البلدان؛ بالتالي لم تجد لها مكاناً بين عناوين الأخبار ولم تنل نصيبها من اهتمام المتابعين، والعجيب أن هذا الحاضر السياسي المستقر يحمل في تاريخه سجلاً أسوداً من الإنقلابات والإضطرابات التي عاشتها البلاد منذ استقلالها عن فرنسا عام ١٩٧٥م حيث أنها شهدت ما لا يقل عن عشرين إنقلاباً منذ ذلك التاريخ!

– البعد الجغرافي عن المنطقة العربية مما يجعلها على الهامش تماماً حتى على مستوى الخرائط والرسم، إذ أنه من النادر ما يتم الإشارة إلى وجود دولة جزر القمر في خرائط الوطن العربي، وحتى عند الإشارة إليها تكون عبارةً عن سهمٍ يدل على مكانها البعيد عن الدول العربية المتجاورة في معظمها أو المتقاربة جغرافياً على الأقل.

– قلة احتكاك سكان جزر القمر بأشقائهم العرب، وهذا ليس بمزاجهم وإنما يرجع السبب في ذلك إلى عدة عوامل لعل أبرزها قلة التعداد السكاني للقمريين، وأيضاً الاختلاف الثقافي والحضاري، وكذلك البعد الجغرافي.

– من الأسباب المؤسفة أيضاً التشرذم العربي وحالة التشتت التي تسود أقطار الوطن العربي، وأيضاً تلك النظرة الدونية من بعض العرب تجاه دول وسط وجنوب أفريقيا، ومن الأسباب التي ساعدت في تهميش دولة جزر القمر ندرة الحديث عنها في المناهج الدراسية والبرامج الوثائقية، والعديد من الأسباب الأخرى.

برغم التهميش والنسيان، تبقى لهذه الدولة الجميلة مكانتها العربية المرموقة حيث أنها تتصدر العرب على مستوى حرية المرأة وحرية الصحافة، أضف إلى ذلك كونها وجهةً سياحيةً مميزة، فما أجمل أن ينتهي هذا الشتات العربي وأن تزين جزر القمر عالمنا العربي من جديد!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.