شعار قسم مدونات

في السودان.. محاولات حثيثة للشفاء من "الصدمة"

blogs جنوب السودان

لا تزال الصدمة الناجمة عن سنوات من الصراع دون علاج إلى حد كبير مع عدم وجود رعاية نفسية في جنوب السودان، "نعرّف الصدمة بأنها جرح، يحدث عندما يحدث شيء مروع أو غير طبيعي في حياتك، ويغمرك وأنت لا تعرف كيف ترد" يقول ثور ريك، ٣٢ عاماً، من جنوب السودان.

   

حصل جنوب السودان، والذي يعتبر أصغر دولة في العالم، على الاستقلال في عام 2011 بعد عقود من القتال. لقد أمضت البلاد معظم فترة وجودها القصير متورطة في الصراع، بعد تصاعد الصراع الداخلي المسلح إلى حرب أهلية في ديسمبر 2013 استمرت حتى يومنا هذا، تسببت الحرب الأهلية بتشريد 4.5 مليون شخص على الأقل من جنوب السودان من منازلهم، بمعدل شخص واحد من بين كل ثلاثة. تقديرات عدد القتلى تتراوح بين 50000 مدني إلى ما يصل إلى 383000، وفقا لتقرير حديث من كلية لندن للصحة والطب الاستوائي.

   

  

أدت الحرب الأهلية إلى تفاقم واتساع الإرث طويل الأمد المتمثل في الاضطرابات النفسية وقضايا الصحة العقلية التي خلفتها عقود من الصراع. وعلى الرغم من عدم توفر إحصاءات وطنية رسمية عن الصحة العقلية والنفسية في المنطقة، فقد أظهرت دراسات مختلفة أن النزاع كان له تأثير شديد على الصحة العقلية للمدنيين. فقد أظهر ما يقرب 41 بالمئة من 1525 من المشاركين أعراض تتفق تماماً مع اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) في دراسة أجريت عام 2015 من قبل جمعية جنوب السودان للقانون (SSLS) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP).

  

ووصف بعض النازحين داخليا في جنوب السودان، ممن تأثروا بشكل مباشر بالصراع، معاناتهم من أعراض مرتبطة عادة باضطرابات الصحة النفسية مثل اضطراب ما بعد الصدمة، والاكتئاب والكوابيس، وسهولة الغضب، والشعور بعدم القدر ة على التركيز، والتفكير في الانتحار، ووفقاً لتقرير منظمة العفو الدولية عن الصحة العقلية والنفسية في جنوب السودان، فقد تحدث كثيرون عما ينتابهم من الصداع، وآلام المعدة، وآلام الظهر، وخفقان القلب وغيرها من مظاهر الاضطراب النفسي الشائعة. وذكروا كذلك شعورهم بعدم القدرة على العمل أو الدراسة أو القيام بالمهام اليومية الأساسية ورعاية الأطفال، أو الحفاظ على العلاقات مع العائلة والأصدقاء، وعزا النازحون هذه الآثار العقلية والبدنية والعاطفية والروحية إلى ما عانوه كضحايا أو شهود، للتعذيب، والاعتقال التعسفي، والعنف الجنسي والقتل والتهجير القسري.

  

ويذكر التقرير أن حال الصحة النفسية المتردي في جنوب السودان ليس مستغرباً. فالدراسات التي أجريت في المناطق المتضررة من الصراع في جميع أنحاء العالم، أظهرت باستمرار أن للصراع المسلح تأثير سلبي خطير على الصحة النفسية. فبسبب الصراع المسلح، يصبح الناس أكثر عرضة للمعاناة من مجموعة واسعة من قضايا الصحة النفسية: الأقلية تصاب باضطرابات نفسية جديدة ومنهكة، وغيرها الكثير يخوض تجربة المعاناة النفسية، وكثيرون يعانون من اضطرابات نفسية ومنهم من كانت لديهم اضطرابات بالفعل لكنهم أصبحوا في كثير من الأحيان يحتاجون إلى مزيد من المساعدة عن ذي قبل. لكن موارد الصحة العقلية تُفتقر إلى حد كبير في جنوب السودان، حيث يوجد أقل عدد من الأطباء النفسيين الممارسين في جميع أنحاء البلاد منذ عام 2016، وفقًا لمنظمة العفو الدولية.

   undefined

"لقد صدمت عندما مات طفلي." تقول إسثير نمادي، 29 سنة، المشاركة في ورشة مورنينج ستار التي أرادت العمل من خلال صدماتها وبناء حياة أفضل لنفسها: لقد توفيت داخل رحمتي عندما كانت في الشهر السابع. فيكتوريا ميتسكوته / الجزيرة

    

يعتمد الكثير من سكان جنوب السودان الذين يعانون من الاضطرابات النفسية والصدمات النفسية على ورش العمل والبرامج التي تنظمها المنظمات غير الحكومية مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ورؤية العالم، أو الكنائس المحلية أو الجماعات المجتمعية، يقول ثور، الذي يعاني من الصدمة منذ أيام عمله كجندي طفل في التسعينيات: "الصدمة التي لا تُعالج، تنتقل". وهو الآن مدرب لـ VISTAS (دعم عملي للانتقال والاستقرار)، وهو برنامج ممول من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، يعقد ورش عمل ومبادرات لتزويد المجتمعات بالأدوات العملية لمعالجة الصدمات وإمكانية المصالحة، مع ورش العمل، يأمل ثور في أن يساعد المشاركين "في الحصول على سرد وتفريغ يمكن أن يدفعهم إلى الأمام من دائرة العنف ليبدأوا السير في رحلة الشفاء".

  

يستكشف فيلم "سنصل إلى السلام" في السودان، وهو فيلم وثائقي بتقنية الواقع الافتراضي تم إنتاجه مؤخرًا بواسطة Contrast استديو القصص التفاعلية التابع لقناة الجزيرة، قصص ثلاثة أشخاص من جنوب السودان ممن يعملون ويبذلون قصارى جهدهم من أجل مستقبل أفضل من خلال مواجهة ماضيهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.