شعار قسم مدونات

الشهرة والمال.. لماذا نرفض البوح بغرائزنا؟

BLOGS مال

ليس من المعيب أن نكون على سجيتنا، تحركنا غزائزنا الطبيعية وتتحكم بسلوكنا من غير أن نشعر، ومن دون أن ننكرها، فالغرائز البشرية هي المحرك الأساسي لسلوكنا. لكن لماذا نرفض باستمرار الأقرار بها؟ بل ونفضل نكرانها أيضاً. نجد الغالبية من الناس تحاول بأستمرار أبعاد صفة حب المال والشهرة عن أنفسها، وكأنها صفات ذميمة وغير جيدة، لكن الانسان الناجح دائماً يسعى لتحقيق طموحاته، ومن العدل أن يشارك نجاحه ويعرفه الناس، أذ لا قيمة لهذا الجهد إذا دفن معه دون أن يعلم أحد به. ولأن المال مصدر أساسي للعيش الكريم، لذا يعتبر من غير المنطقي أن نقول بأننا لا نحب المال ولا نسعى له.

عند دخولي كلية الإعلام، وبالفترة التي تعرفنا بها نحن الطلاب على الأساتذة، كان السؤال الأبرز الذي يُطرح علينا هو سبب اختيارنا لكلية الإعلام، وكانت أجوبتنا نمطية مثالية مثل "نقل الحقيقة" و"تطوير المجتمع" و"مشاركة الثقافة والمعلومات" إلى أخره من المفردات النبيلة والغايات الأنسانية. وأخرى تنوعت إلى أنها "حلم الطفولة" و"المهنة الأقرب للقلب". ويبدو أن الأساتذة اقتنعوا بهذه الأجوبة من الوجوه الشابة المفعمة بالطاقة والإيجابية. وبعد مرور سنة من دخولنا الكلية وتشبعنا بالمصطلحات الإعلامية وأخلاقيات المهنة وأهدافها السامية، سألنا أحد الأساتذة نفس السؤال مرة أخرى. لماذا تريد ان تصبح إعلامياً؟!

مع سطوع نجم مواقع التواصل الاجتماعي، وأحتلالها لساعات طويلة من حياة الناس، صارت الشهرة غاية لكل من هب ودب، وأن كانت لأسباب غبية، وظهر مصطلح "لا تجعلوا الحمقى مشاهير" بعد الانتشار الواسع لمشاهير

ولأن السؤال نمطي بالنسبة لنا كانت أجوبتنا نمطية أيضاً، أحدهم قال "تعريف المجتمع بأخر المستجدات والأخبار الحاصلة في العالم". قال الأستاذ: خطأ، رفعت يدي فسمح لي الأستاذ بالإجابة وقلت "نقل المعلومات من المصدر إلى الجمهور"، وأيضاً أجابني: خطأ! واستمرت مشاركات الطلبة المثالية وكان الأستاذ يرد بنفس نبرة الصوت الباردة، خطأ! خطا! خطأ!.. "يبدو أنكم لا تعلمون السبب الذي يقبع بداخلكم أو أنكم تعلموه ولكن تفضلون نكرانه".

إن السبب الرئيسي الذي يجعلنا نمارس أي مهنة بالشكل الرئيسي هو المال، أذ أن من غير المعقول أن يكون طموحك أن تمارس مهنة ليس من ورائها دخل جيد، ويعتبر الإعلام من المهن المرموقة، والتي يكون واردها المادي عالياً نسبياً مقارنة بالمهن الأخرى. والسبب الثاني يكمن في الشهرة والمكانة الاجتماعية التي يحظى بها الإعلامي متميزاً عن باقي المهن، فقد يكون دافعك لأن يُكتب اسمك على الصحيفة التي يشتريها أقاربك وأصدقائك صباحاً أو أن تظهر على التلفاز وتتخيل نفسك محاط بالمعجبين الذين يطلبون منك صور "السيفلي" عند خروجك لاحتساء كوب قهوة مساءً.

هذين السببين الرئيسين الذين يدفعون أي شخص لأن يطمح أن يكون إعلامياً! تفاجئنا من طرح الأستاذ وجهة النظر هذه، ولكن بعد فترة قصيرة بدت هذه الفكرة سليمة واقتنعنا بها بشكل كامل، وأدركنا أن لا مشكلة للمرء في طلب المال والشهرة، بل تبدو غاية نبيلة في حق ذواتنا، عندما تكون بأساس صحيح وتسلسل منطقي، بجهدنا الخاص ومن عرق جبيننا. لا بتسلقنا على أكتاف البعض، ولا بالطرق الغير الشرعية. لا أنكر هنا حجم المجهود الجبار الذي يقوم به الإعلامي، فهي "مهنة المتاعب" كما هو متداول، والانتقادات المستمرة والفوضى التي يعيشها الإعلامي والإرهاق وقلة الوقت، وحتى الحرمان من النوم، يستحق إزائها كل الشهرة والمال، لذلك طموحنا هذا ليس عيباً أطلاقاً، بل حق مشروع.

ومع سطوع نجم مواقع التواصل الاجتماعي، وأحتلالها لساعات طويلة من حياة الناس، صارت الشهرة غاية لكل من هب ودب، وأن كانت لأسباب غبية، وظهر مصطلح "لا تجعلوا الحمقى مشاهير" بعد الانتشار الواسع لمشاهير لا تعرف سبب شهرتهم، بل من الممكن أن يكون جهلهم وغبائهم أو مواقفهم المثيرة للجدل هو السبب، ونتيجة لهذا تشبع العالم بالمشاهير، وأصبحت كلمة "مشهور" سلبية في نظر البعض. من غير المنصف أن تتساوى الكفتان، شخص يصنع مجداً ويبنيه بأساسات صحيحة، وأخر لم يجد حتى سبباً له. لذلك فأن السبب الرئيسي الذي دفعني لأكتب هذه الكلمات هو مشاركتها مع أصدقائي طلباً للشهرة. ولا أريد أن أخجل من هذا أبداً!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.