شعار قسم مدونات

من يحاسب العصابة؟ شعار ينبغي رفعه في حراك الجزائر

blogs الجزائر

الثورات يحبِل بها الشعب ويُجهضها هو كذلك حينما يتمسّك ببقايا النظام، هذا إن لم يكن النظام بكامله، المعنى هنا واضح، فإن رجعنا إلى قضية محاسبة اللصوص فذاك يعني قضاء ممتد منذ حقب طويلة متّصلة هي الأخرى بالنظام المُتأمَّل انهياره وبناء آخر يستند على الشرعية الشعبية.

 

من يُحاسب من يا جماعة! هل بلغنا مرحلة الثقة حقا؟ حسنًا سيُهاجِم البعض هذه السطور قائلين: "ما من داعٍ للتشكيك"… لكن لا ينبغي أن ننسى أنّنا من الشك نصل لليقين، وهذا ليس بدينٍ مقدّس، ليست أوامر ربّانية، بل قوانين وضعيّة تحتكِم لعقل الإنسان، وهنا يجب أن نسأل من الذي يُحاكم اللصوص وما علاقته بالنظام المنبوذ من الشعب!

 

الحراك مستمر وينبغي له أن يكون أكثر جماهرية الآن، لأنّنا في لحظات حرجة، بعد أشهر أو سنوات أو حتى أيام لا ندري كم سيستمر مخاض ثورتنا أو وعينا، لكن ما الذي سنجنيه بعد ذلك نظام توأم شبيه بسابقه، أو نظام مشوّه أو هجين خليط من هذا وذاك، نحن طبعاً، نريد نظام جديد وهنا الحِبكة.

 

إن أردنا التغيير يجب أن نتغلغل، أن نضع شخصيات جديدة تعمل على غزو القصر والعشيرة، تسيطر هي بثقافتها وأفكارها وخبراتها

ايداع أويحيى بالسجن المؤقت وامتثال الكثيرين أمام القضاء لا يعني العجب حتى الآن، لكن ماذا بعد هذا؟ لن أقول مثل الأغلبية بأنّها مسرحية، ولن أُطبّل وأغني وأرقص فرحاً، بل سأفكّر وأبحث عن الأجوبة وأناقش هذا وذاك بحثاً عن حلول للاستمرار، سأضع احتمال إلهاء الشعب دائماً في الحسبان، فخلف هذا النظام مؤسسة ثقيلة الوزن، وهذه الأخيرة عِماد الأنظمة مثل مؤسسة القضاء بالضبط.

 

يا جماعة تحالف رجال الأعمال ورجال المافيا يُزعزع قعر الأنظمة بدرجة نسبية فقط، لكن تحالف السلطات يزعزع الدولة بجميع مؤسساتها، بل يزعزع المصالح على كافة المستويات المحلية، الاقليمية والدولية، وفي مثل هذه الحالة تُكشف الأوراق، تتبعثر الفضائح، ورغم ذلك يبقى الشعب الخاسر الوحيد لأنّه يقدّس القوانين الوضعية أكثر من اكتراثه: أولاً بصوت الضمير وثانياً بشرارة الوعي.

 

قد يقول البعض كيف ذلك، سأقول: نحن الشعوب حينما نُعلن الثورة نحتكِم إلى الوعي ونبدأ في المطالبة بحقوقنا ونعتزم القيام بواجباتنا، كل ذلك تحت عباءة الضمير، لكن الأنظمة ليست غبيّة، إذ حينما تشتد الشرارة تفتح صنابير الاخماد، ترشّنا بقوانين مكدّسة، كتَبها رجال أذكياء، تُوقِظ ضمير آخر داخلنا، مرتبط بالتضحية، تضع شخصيات ككبش فداء، تُشهِد الشعب على براءتها، ومن هنا يتحوّل الشعب من صاحب حق إلى صاحب واجب، فيعمل مرة أخرى على تمجيد النظام القديم، ظنًّا منه أنه يُساهم في بناء نظام جديد.

 

ببساطة نحن نمر بلعبة الوعي، لا يجب أن نتأثر بكل ما يجري، بل يجب أن نؤثر في صيرورة التطورات القادمة، لا يجب أن نُطالب بتنحية الجميع وفقط، فالنظام عتيق له جذور، إن أوهمونا بتنحية سُكّان القصر والعشيرة سنرضى، لكن من الذي سيقوم بالحفر واقتلاع جذور الفساد الموجودة خلف الجدران وتحت الأرض، إن أردنا التغيير يجب أن نتغلغل، أن نضع شخصيات جديدة تعمل على غزو القصر والعشيرة، تسيطر هي بثقافتها وأفكارها وخبراتها، تبني قصراً جديداً، تُقلّب التربة لتقتلع كل نبات ضار ما يزال قابعاً ها هناك.

 

نعم رفعنا شعارات محاسبة اللصوص والأمر يتم الآن، من الجميل أن نتفاءل ونفرح لكن بحذر، أنهينا مهمة تمخّضت عن الحراك، والآن سنعمل على تحقيق مطالب أُخرى فهذا هو الأساس الذي تتطور من خلاله الدول، تنتقل من مرحلة إلى أُخرى دون المكوث في مكان واحد والإطالة في الاحتفال لأنّ الوقت يمرّ ومعارف العصابات من الداخل والخارج لن تقف لتتفرّج مثلما نفعل نحن، بل ستتحرّك وتضع خطط للحفاظ على مصالحها.

 

ببساطة نحن في عصر السُرعة ولا ضرر من التخطيط والعمل على عدة جوانب في آن واحد، فأكثر من 40 مليون جزائري يستطيع أن يفعل العجب

لا أدري حقاً ما المشكلة التي تُعاني منها الأغلبية المُعارضة لمبادرات النخب الشابة، الفُرص تسع الجميع ونحن في مرحلة تُحتِّم تنافس قوى جديدة، تعمل على وضع خارطة طريق لمستقبل أفضل، من العقلانية أن نسمح لهم بالتعبير عن مكنوناتهم وفي النهاية القرار للعامة، إن لم تُعجبها خارطة تقول لا ويتم تشطيبها من قائمة الإسعافات المستقبلية.

 

نحن الآن نعيش حاضر التغيير شئنا أم أبينا، فقد انطلقت ثورتنا، وهذا الحراك أوّل مراحلها، ونحن بأمسِّ الحاجة للعقول المحلّلة والناقدة، بحاجة الاستناد إلى العلم ووضع السيناريوهات، فالدول التي تُقدّس العلوم وصلت إلى درجة كبيرة من الوعي والازدهار بفضل النُخب وما وضعته من تنبؤات في مرحلة معيّنة من البناء.

 

ببساطة نحن في عصر السُرعة ولا ضرر من التخطيط والعمل على عدة جوانب في آن واحد، فأكثر من 40 مليون جزائري يستطيع أن يفعل العجب على عدة أصعدة بعقول رجال ونساء وشباب أثبتوا مدى تحضّرهم، لا شيء مستحيل والتاريخ يُبرّر ذلك ولنا في سنغافورة مثال، ومن يُريد أن يشحن همّته ويُثري رصيده من الوعي يقرأ، فالقراءة باب من أبواب التغيير، وعليه سأستشهد بمقولة عميقة تروقني جداً: "شعب يقرأ شعب لا يجوع ولا يُستعبد".

 

لن أتكلّم أكثر فما كُتِب واضح، إلاّ لمن يقف بلا هدف يتفرّج فقط لملأ فراغه، يملك الوقت لكنه لا يمتلك خطة تؤنسه في مشواره لاكتشاف وطن عاش فيه لكنه لم يعِش.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.