شعار قسم مدونات

قبل أن يجف حبر بيانات مكة

blogs قمة مكة

لا أبالغ إن قلت إن معظم الشعوب العربية والإسلامية وبالذات فئة الشباب منها، توصلت منذ زمن بعيد إلى قناعة راسخة تقول إن المؤتمرات والقمم العربية والإسلامية لم تعد ذات قيمة وليس لها أي تأثير أو مردود إيجابي في معالجة الأزمات المتفاقمة. ولعل ما يفسر هذه القناعة هي حالة عدم المبالاة والعزوف التي تظهر جلياً وتصل إلى حد السخرية في مواقع التواصل الاجتماعي. فقد باتت على ما يبدو هذه الوسيلة منبراً للشعوب المكبوتة يستطيع أي شخص من خلالها قراءة ما ظلّ خافياً لعقود.

 

وقد تجلّت هذه القناعة بشكل ملحوظ مؤخراً أثناء انعقاد ثلاث قمم في المملكة العربية السعودية -بشكل استثنائي- حيث مرّت كشبيهاتها دون أي تفاعل يذكر أو أمل يرجى، على الرغم من محاولة القائمين على قمم مكة إلباسها ثوب التهديد الإيراني لأمن الخليج والمنطقة. وبما أن أقرب ماتم من تلك الاجتماعات حدث في مكة قبل أيام وبزخم إعلامي كبير ولأن الحبر الذي كتبت به البيانات الختامية لتلك القمم لم يجف بعد. فإنه لا بد لنا أن نضيء على الواقع الذي وصلت إليه المنظمات العربية والإسلامية وما بات ينقصها كي تشد انتباه من تمثلهم.

 

الحقيقة المرة التي لا يمكن تجاوزها هي أن العالم العربي والإسلامي اليوم متخلفي كافة المجالات الصناعية والتكنولوجيّة وفي التجارة البينية وأمور أخرى لا يتسع المقام لذكرها. فكيف من الممكن أن يقام وزن لمنظمة التعاون الإسلامي؟

ولأن البيانات الختامية هي أكثر ما يُنتظر في ختام أي اجتماع ذي وزن فإنه عادة ما يجيء مسبوقاً بتطورات كبيرة من شأنها تحديد مصير بلدان وشعوبها، إلا أننا في بيانات قمم مكة على سبيل المثال لم نجد ولو حتى إشارة جديّة إلى ضرورة التحرّك لإيقاف المجازر التي كانت ترتكب في إدلب وحماة وحلب على يد نظام الأسد أثناء اجتماع الزعماء والفخامات. كذلك الحال بالنسبة للقدس التي يتجوّل عرّابو بيعها ‎ في المنطقة لتمرير ‎صفقة القرن كما أنها لم تتخذ موقفاً من حصار غزّة المستمر منذ مايزيد عن عشرة أعوام ومن الحرب في ليبيا واليمن وحصار قطر وانقلاب العسكر في السودان على مطالب الشعب وغيرها من القضايا التي تلامس واقع واهتمام الشعوب العربية. لذلك يمكننا القول إن قمم مكة اختارت أن تكون كسابقاتها مجرد أرقام في سلسلة قمم لا تتجاوز مخرجاتها أبواب القاعات الفاخرة التي تعقد فيها.

 

خلل في المناخ يمكن القول إن المنظمات العربية والإسلامية وصلت ومنذ زمن بعيد إلى حالة من الجمود والتردي لا سابقة لها، ما ينعكس على انعقاد أي قمة، فهي حكماً لن تقدم جديداً في تعديل السلوك العربي والإسلامي وتمكينه من مواجهة التحديات والمشاكل التي تعترضه. فهذه المنظمات تعاني من خلل في مناخها مصدره إشكاليات عدة أبرزها الخلاف على من يضع القرارات ويحدد الأجندة ثم كيف يمكن أن تحوّل القرارات الجديدة والقديمة إلى أفعال وما هي الآلية التي من خلالها يتم ذلك. كما أنها لا تزال رغم عمرها الطويل تعيش جواً من التنافر والتباعد، وهو مسار لن يشهد تعديلاً ما لم تدرك جميع الدول العربية والإسلامية كبيرها وصغيرها مدى حاجتها لبعضها، وتؤمن بأن تعاونها وتكاملها هو الطريق الأسلم لتحسين فرصها وحظوظها أمام العالم ولضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

 

لا نكشف سراً إن قلنا على سبيل المثال وبحسب ما نتابع إن معظم قرارات القمم العربية حتى التي تم إقرارها بالإجماع لم تشهد طريقها إلى الواقع والتطبيق. ويعود الأمر إلى أسباب مختلفة، منها تباين المصالح والدوافع والمواقف بين الزعماء إلى درجة يصعب معها توحيد جهودهم في سياق مشترك. للخروج من النفق صحيح أن هناك قناعة باتت راسخة لدى الشعوب بأن هذه الاجتماعات باتت منصة يلتقي من خلالها الزعامات لالتقاط الصور الجماعية وإلقاء الخطابات الرنانة دون أن يكون هناك فعل على الأرض. إلا أن أساس تعديل مسارها لا بدّ له أن يكون في التخلّص من الارتهان للخارج الذي يجعلها تخرج ببايانات ضعيفة وقرارات غير فاعلة والذي يفرض أيضاً على أنظمتنا بشكل بات مكشوفاً سياستها في التعامل داخلياً وخارجياً ما جعلها تدخل في نفق مظلم لن يكتب الخروج منه إلا إذا أصبحت هذه الأنظمة قوية، تصنع سلاحها وغذاءها ودواءها واقتربت من شعوبها عبر تشريع الأبواب للحريات وبدأت بالإصلاح السياسي ومكّنت مواطنيها من المشاركة في اختيار قادتهم والتعبير عن تطلعاتهم وإدارة شؤونهم العامة وهي -أي الأنظمة- إذا فعلت ذلك دخلت بالتأكيد بوابة إصلاح عمل المنظمات العربية والإسلامية. إضافة إلى ضرورة اهتمامها بالوضع المعيشي للناس وأمّنت فرص العمل وجعلت التعليم في مقدمة إصلاحاتها كي تًنهي مآساة هجرة العقول التي قيّدتها سياساتها.

 

وأعتقد أنه متى ما حدث ذلك ستصبح القمم العربية والإسلامية تخرج بقرارات فاعلة تنصف فيها شعوبها المظلومة وأخرى تحل فيها أعقد أزماتها وصولاً للاتفاق على إنجاز مشاريع حقيقية لتمويل الشعوب المحتاجة على الصعيد المعيشي والتعليمي والإنتاجي عند ذلك فقط أعتقد أن هذه القمم ستصبح مطلوبة من قبل الشعوب. فالحقيقة المرة التي لا يمكن تجاوزها هي أن العالم العربي والإسلامي اليوم متخلفي كافة المجالات الصناعية والتكنولوجيّة وفي التجارة البينية وأمور أخرى لا يتسع المقام لذكرها. فكيف من الممكن أن يقام وزن لمنظمة التعاون الإسلامي على سبيل المثال والتي تضم 57 دولة في حين أننا نعاني هذا التخلف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.