شعار قسم مدونات

اليأس و الأمل.. معركتنا الحاسمة!

blogs تفكير

تمر علينا الأيام بلا طعم ولا نكهة، وتنقضي الأعوام كأنها ثوانٍ دون أن تترك فينا أثرًا ودون أن نستشعر لها أي جدوى، هو إذن الوقت الماضي بنا وبغيرنا يتقدم للأمام ويتركنا عند لحظة فارقة في حياتنا غير آبهٍ بنداءات قلوبنا المُستجدية، تدور رحى العمر وتطحننا فتتناثر الذكرياتُ من أرواحنا هنا وهناك، وتنزف جراحُنا على أرصفة التجارب والابتلاءات ولا مسعفَ يلوح في الأفق حاملًا إكسير الأمل ليروي ظمأ أنفسٍ جُلِدت في صحارى اليأس والقنوط! الأمل.. يا لها من كلمة، فلو قرأناها كما ينبغي فيا سعدَنا ولو زاغت أبصارُنا قليلًا وتشابهت الأحرف علينا فلن يكون من نصيبنا إلا الألم! المسافةُ بين تناقضات الحياة ليست آمنة، قليلٌ من الضباب في الطريق وشيءٌ من الغبش في الأعين كفيل بأن تضِل الخطى وأن يُظلم الدرب، فما ينبغي منا إلا أن نسير بحذر وثقة كي لا نقع في كمائن الحياة كالشعور بالعجز أو النقص أو اليأس!

يقول ديل كارنيجي: تتحقق الكثير من الأشياء المهمة في هذا العالم لأولئك الذين أصروا على المحاولة بالرغم من عدم وجود الأمل. ومن مقولة حكيمة كهذه نستنتج أن الأمل حافز وهمي أي أنه غير ملموس أو بطريقة أخرى هو موهبة عدم الإحساس باليأس، لأن الشعور به يوقفنا عن المحاولة ويجبرنا على أن نسلم أعناقنا إلى مقصلة الأقدار بلا مقاومة.. مأساة اليأس تكمن في أنه يضرب الإيجابية في مقتل ويربط يدي التفاؤل بأصفادٍ من قنوط وتشاؤم، ويقدم العمر على طبقٍ من ذهب إلى الهموم الشرهة التي تأكل الأحلام وتقتات على الطموحات والأفكار والآمال، اليأس انتحار بطيء ثقيل مؤلم، يضع على العين عصابة سميكة فلا تبصر بعدها أي جميل ولا تلتقط أي رسالة من الكون ولا تلتمس أي طريقة للخروج من الظلمات، اليأس هو الاختيار الطوعي للحياة في الظلمات، اليأس كائنٌ سوداوي يصِم ما يتعلق به بالسواد فلو حطَّ على قلب أحدنا لأحاله ليلًا بلا نجوم، أعلم أنه يكون آخر ردة فعل للإنسان الذي توهم بانتصار الحياة عليه لكنه وبكل صراحة موقفٌ هزيل ينم عن الضعف المفرط الذي يتخيله المنهزم راحةً له من عناء الأمل!

الحياة حرب ودرعك فيها عمرك وسيفُك فيها عملُك واليأسُ يُجردك من سيفك فإذا فعل فلن تحميك الدروع، يا صديقي قاتل حتى النهاية كي لا يُقال أمات نفسَه في صحراء اليأس

نعم لا ننكر أن الحياة على الأمل متعبة وأنها جهاد عظيم للنفس والواقع البائس والمخاطر المحدقة التي تنظر بأعين جاحظة محاوِلةً إخافتنا من أعباء الطريق، و قد يظن اليائس من أمره أنه باستسلامه سوف يثني المصائبَ عن الحلول به لكنه واهم.. فما من شيء أكثر إغراءً للمصائب من اليائسين! وليس من المنطق أن يظن عابرُ الطريق السيّار أنه سينجو (إذا توقف تمامًا في منتصف الشارع) من حوادث السير المروعة! إنّ اليأسَ خيانةٌ للذات قبل أي شيء وطعنة غادرة لأسمى أسباب وجود الإنسان على الأرض وإنكارٌ لسنة التدافع التي تحكم البشر، وهب أنك تعبت كثيرًا من صروف الدهر ونوائبه فلك حينها أن تشعر بالذي تشعره وهذا حقك وواجبك ولكنّ شعورَك باليأس إعانةٌ لصروف الدهر على نفسك واستسلامٌ لا ينجيك..

أعلم يا صديقي أنّ الحياةَ قد تُثقلك أحيانًا بما لا يُطاق.. لك أن تبكي أو أن تصرخ أو أن تتذمر أو أن تعتزل الناس و الأشياء كي تضمد جراحك في صمت ولك مثلًا أن تُصبر نفسك بكتابة مقال كهذا الذي تقرأ، قال الله عز وجل في قرآنه المجيد:(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ). إن هذه الآية المباركة أمر إلهي كوني مباشر بالابتعاد عن اليأس لأنه اجتلابٌ مُفبرك لنهاية غير محتمة الوقوع بعد، النهاية الحق هي الموت وليس لنا أن نستعجلها أو نستأخرها بإرادتنا لأنها أكبر من صلاحيتنا وقدرتنا وعلمنا.

إنّ حربَ الحياة يا صديقي معاركُ عدة.. بين الزهد والجشع وبين الصدق والكذب وبين الأمانة والخيانة وبين النبل والفجور وغيرها من المعارك، لكنّ المعركة الحاسمة التي تُفضي إلى فهم مبتغى الحياة هي المعركة بين اليأس والأمل! يكفي أن تحاول إلى آخر رمق وأن تقاوم حتى النفس الأخير في الروح، يكفي ألا تقدم عمرك قربانًا للشيطان الذي يعدك باليأس ويوسوس لك بالقنوط، إنّ الحياة حرب ودرعك فيها عمرك وسيفُك فيها عملُك واليأسُ يُجردك من سيفك فإذا فعل فلن تحميك الدروع، يا صديقي قاتل حتى النهاية كي لا يُقال أمات نفسَه في صحراء اليأس بينما كان قادرًا أن يستظل بغمام الأمل!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.