شعار قسم مدونات

المشاريع الريادية من واقع التجربة الأمريكية

BLOGS الطاقة الشمسية

أتيح لي المجال مؤخراَ ضمن برنامج فولبرايت وبمعية نخبة متنوعة من الباحثين من مختلف دول العالم الأطلاع على العديد من التجارب الريادية الناجحة في مدينة سان دييغو في ولاية كاليفورنيا والتي بدأت معظمها بفكرة بسيطة من شخص واحد لتصبح فيما بعد مشروع ناجح يساهم في تنمية المجتمعات والأفراد. إحدى هذة المشاريع الرائدة هي شركة طاقة متجددة تقوم بتركيب خلايا الطاقة الشمسية مجاناً على سقوف منازل ذوي الدخول المحدودة في مدينة سان دييغو لكي تساعدهم في خفض كلفة الطاقة الشهرية التي تترتب على استخدامهم للكهرباء. بالتحديد تقوم شبكة الخلايا الشمسية بأنتاج الكهرباء لكي يستخدم للاحتياجات اليومية من قبل سكان المنزل وما يزيد عن حاجتهم يذهب عبر الأسلاك بشكل عكسي لشبكة الكهرباء مما يجعل قراءة عداد الكهرباء تدور بالعكس وبالتالي تنخفض قيمة الاستهلاك.

الملفت للأنتباه أن شركة الطاقة المتجددة تعتمد كلياً في تمويلها على التبرعات فهي كما أسلفت تقدم خدماتها بالمجان، فعلى سبيل المثال يساهم الأفراد والشركات والحكومات بدعمها سواء من خلال الدعم النقدي أو العيني على شكل مدخلات الأنتاج. وبما يتعلق بالموظفين فقد كان معظمهم من المتطوعين من أبناء المجتمع المحلي يعملون مجاناً سواء بدوام جزئي أو كامل مقابل الحصول على الخبرة أو لغايات أنسانية نبيلة. 

ما لمسته من خلال تجربتي البسيطة مع الثقافة والحضارة الغربية أنها لا تفوقنا ذكاء ولكنها تهتم ببناء الأنسان منذ نعومة أظفارة

تجربة أخرى رائدة هي لسيدة أمريكية من أصول آسيوية وأم لثلاثة أطفال كانت قد تدرجت في المراحل التعليمية حتى حصلت على درجة الدكتوراة من جامعة مرموقه مما سهل لها الحصول على وظيفة مدرس في إحدى الجامعات بعد تخرجها مباشرة. ولكن بعد فترة من الزمن تأكدت هذة السيدة أن التدريس ليس شغفها وعليه قررت الاستقالة من علمها لكي تباشر مشروعها الريادي والمتمثل بإيجاد طريقة لمساعدة الرياضيين بالتنبأ بالجفاف قبل حدوثه. وبالفعل قامت بتطوير جهاز بسيط يحمله الاشخاص الرياضيين أثناء ممارسة الرياضة يُمكّنهم من معرفة عوارض الجفاف قبل حدوثه مما يقد يسهم في إنقاذ ألاف الرياضيين.

وأخيرا كانت الفكرة الريادية المتمثلة في إحدى كليات المجتمع المحلي في مدينة سان دييغو والتي تسمح للأفراد من ذوي الدخول المحدودة في المجتمع بالدراسة مجاناً ضمان مساقات تدرس خصيصاً في الفترة المسائية، وذلك لتمكنهم من الحصول على شهادة علمية تؤهل هؤلاء الأفراد فيما بعد لفرصة عمل أفضل ومستوى حياة أمثل. فكما هو معروف فأن كلفة التعليم الجامعي في الولايات المتحدة باهظة جداً وليست في متناول الجميع، بل أن تعتبر ضمن التكاليف الأعلى على مستوى العالم.

إحدى قصص النجاح التي تبلورت عن تلك المبادرة كانت لسيدة في بداية العقد الرابع من العمر كان قد تخلى عنها زوجها أو شريكها بمعنى أصح وفقاً لذلك المجتمع لتعيش وحدها مع أطفالها الخمسة في أحد الاحياء الفقيرة ضمن متطلبات مالية تفوق قدرتها على لاتحمل. ولا سيما أن عملها الحالي يعتبر من ضمن تصنيفات العمالة غير الماهرة ذات المردود المالي الضعيف والتي لا يتطلب القيام بها أية مؤهلات علمية أو خبرات سابقة أو مهارات معينة. وما أن أنهت هذة السيدة فترة العامين وحصلت على المؤهل العلمي المطلوب حتى استطاعت أن تجد عمل بظروف أفضل ودخل أعلى ولا سيما أن معدلات النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة هي في تحسن مستمر وهنالك دائما طلب على العمالة المؤهلة.

خلاصة ما تم عرضه سابقا من بعض الأفكار والمشاريع الريادية التي ساهمت في تغيير حياة الكثيرين إيجاباً هو أننا في الأردن خاصة والعالم العربي بشكل عام بحاجة ماسة لتشجيع مثل هذة الافكار الأبداعية ودعمها مادياً ومعنوياً وذلك لدورها الكبير في التنمية الاقتصادية الشاملة. في الوطن العربي لدينا العديد من الكفاءات والطاقات الهائلة والتي لو تم توظيفها بالشكل الصحيح لتجاوزنا سقف التوقعات، فما لمسته من خلال تجربتي البسيطة مع الثقافة والحضارة الغربية أنها لا تفوقنا ذكاء ولكنها تهتم ببناء الأنسان منذ نعومة أظفارة. خلاصة ما سبق نعم هنالك العديد من قصص النجاح في منطقتنا العربية التي نعتز بها لكن هل وصلنا للمستوى المطلوب. هل تتضمن مناهجنا سواء في المدارس أو الجامعات ما يحفز الطلاب على التمعن والتفكر والإبداع، وأن تضمنت فهل ترقى لمستوى الطموح؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.