شعار قسم مدونات

محمد صلاح.. العميل المزدوج!

blogs محمد صلاح

ذات مساء قريب، دخل عليّ مصطفى وقال لي بشكل مباشر وقد لمعت عيناه بأنه لم يعد مشجعا لنادي ريال مدريد الإسباني، ولم يعد يحب النادي كما يحبه أباه، واستدرك بأن هذا التحول ليس لصالح نادي برشلونة الغريم التقليدي. مصطفى ولدي ذو التسع سنوات يدرك بأنه يكسر بذلك تقليدا أسريا عريقا لازم أفراد العائلة بأن لكل منهم نادٍ إسباني أو إيطالي يشجعه، ولهذا كان باعترافه الأخير يفتح بابا المساءلة، بدا الولد مستعدا لها وغير مكترث لنتائجها.

 

لم يغادر الغرفة، ظل واقفا ينتظر أن أسأله السبب والمآل، وعندما فعلت أجاب: بأنه تحول لتشجيع ناي ليفربول الإنجليزي، بعد أن تعرف على النجم المصري محمد صلاح من خلال رفاقه في المدرسة، لم يكتف الصبي بتعداد مآثر محمد صلاح الرياضية وسماته الشخصية وقوته وفعاليته بالملعب، بل زاد يشرح ويسرد أسباب تغييره بعقلية الأطفال التي صورت له النجم المصري الهداف كأحد أبطاله المفضلين.

 

ما فعله النجم المصري عجزت عنه أكاديميات وصروح تعليمية كبيرة والكثير من الشركات التجارية والصناعية والماركات والأطعمة والمنتجات وغيرها

بكثير من مقاطع الفيديو والأغاني "المصرية" التي أعدت خصيصا للترويج والتعريف بصلاح والتغني والفخر به انقلب ولدي عليّ وعلى تقاليدنا الرياضية، وأدخل للمرة الأولى مشجعا لناد إنجليزي لعائلة تشجع الأندية والمنتخبات الإسبانية والإيطالية ولا ممثل لأي من أفرادها في البريميرليج.. فعلها أبو صلاح.

 

مصطفى على مدار اليوم التالي لاعترافه وتسليمي بذلك وترحيبي الضمني كان يعمل جاهدا على إقناعي بالتحول لصالحه، لا بل راح يحدثني عن مشجعي ليفربول ومدى حبهم لـ مو صلاح ودعمهم له ومدى تأثُرهم به، وكذلك حبه لهم ويحدثني عن تلك المدينة التي تَعرّف عليها بكثير من التفاصيل، هذا الولد قضى نصف عمره في مدرسة إنجليزية ولم تستطع سنوات دراسته الأربع فيها أن تجعله يتكلم الإنجليزية معي أو مع أمه أو حتى مع البائع الهندي في السوق من تلقاء نفسه رغم إتقانه لها بشكل جيد وبطلاقة، لا بل كان يعتبر المواد البسيطة الخاصة بجغرافيا مدينة لندن (التي تنتمي مدرسته لها) من أسوأ المواد وأكثرها نفورا، ورغم إلحاحي الدائم عليه لاستعراض قدراته في الترجمة والقراءة باللكنة الإنجليزية الصرفة غالبا ما كان يتهرب ولا يستجيب، فماذا دهاه، هل هو تأثير كرة القدم وشغف التعلق بها فقط؟ لا أعتقد.

 

في بداية الأمر وقبل أن يدلي مصطفى بما لديه من أسباب، كنت أحسب أن بُعدي هذا الموسم عنه وعن متابعة الدوريات والبطولات الأوروبية معه (كون ريال مدريد قد خرج باكرا منها كلها) هو سبب عدوله عن تشجيع النادي الملكي لصالح النادي الإنجليزي الغريب، لكنني اكتشفت أنه تأثير العميل محمد صلاح، هذا العميل المزدوج الذي استطاع بموهبته وأخلاقه أن يدخل بيوتنا نحن كعرب من أوسع الأبواب بل أدخل معه ناديه وأصبح الفريق الأحمر العريق يحظى بشهرة كبيرة بيننا وبمشجعين كثر في منطقة لم تكن تحمل له الكثير من الحماس.

   

ما فعله النجم المصري عجزت عنه أكاديميات وصروح تعليمية كبيرة والكثير من الشركات التجارية والصناعية والماركات والأطعمة والمنتجات وغيرها، لقد كان حقا سفيرهم لدينا بموازاة مهمته بكونه سفيرنا لديهم، وكما دخل بيوتنا وقلوبنا وعقولنا وقلوب وعقول أطفالنا أخذنا معه إليهم وقدمنا بأفضل صورة وأصبح فارسنا وممثلنا صاحب الأخلاق الحميدة والموهبة الرفيعة سفيرا فوق العادة للمصريين والعرب يُغني أيضا عن الأموال والأكاديميات والصروح والمؤسسات فماذا لو كان لدينا الكثير كهذا العميل المزدوج، وماذا لو سخرنا الإمكانيات المتاحة لنقدم نماذج تشبه محمد صلاح الذي يستحق أن يكون قدوة حسنة لأولادنا أولا وصورة نقية لنا ثانيا بعد أن تشوهت أغلب صورنا، وبدل أن ننفق على شركات الإعلان والعلاقات العامة والأندية الكبرى فلننفق على أمثاله.

 

ليفربول يلعب المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا وإن كسب الرهان سيكون قد حقق إنجازا يتوج فيه موسما رائعا وها هو يكسب مشجعين جدد الولد ورفاقه وأبيه والكثير من العرب الذين ينتظرون نصرا وبطلا وسفيرا يفرح ويفرحهم ويقدمهم للعالم من جديد بأبهى صورة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.