هل تفكرتم للحظة! لماذا يُطلق على شهر رمضان "سلطان أحد عشر شهرا"؟!، لأن الإنسان في هذا الشهر مقارنةً مع الأشهر الأخرى منتظماً أكثر في العبادات وراشدا بكل معنى الكلمة، فتزداد القيم الإنسانية والعبادات في هذا الشهر أكثر من أشهر العام الأخرى، الصيام هو التقرب إلى الله تعالى، وقد فرضه الله تعالى في شهر رمضان من كل عام على كل عباده المسلمين القادرين عليه، وله العديد من الأهداف والفوائد التي تعود بالخير على كافة المسلمين في الدنيا والآخرة، والتي يجب أن نحافظ عليها ونقوم بها بأكمل وجه.

  

أنا أُسمي هذا الشهر "شهر النظام والبركات" لأن هذا الشهر المبارك به هذه الجمالات التي لا توجد في أي شهر، فعلى سبيل المثال: 3-4 ساعات من النوم تكفي لعبور يوم طويل وما به من جوع وعطش، فالعمل الذي يستغرق وقت طويل في الأيام العادية، ينتهي في هذا الشهر المبارك في غضون عدة ساعات؛ وظاهرة أخرى تجذب انتباهي: وهي تغير سلوك الناس بعضهم مع بعض في هذا الشهر الكريم حيث يكون أكثر اعتدالا فيصبحون أكثر لطفًا وحياتهم الاجتماعية بنّاءة أكثر، ويشجع الجميع بعضهم على معاملة بعض بشكل جيد وترتسم ابتسامة دائمة على وجه الجميع. الناس في الشارع وفي السوق وفي العمل وفي المدرسة وفي السير يحسنون المعاملة مع بعض ويتعاونون ويكونوا أكثر صدقاً وإخلاصاً مقارنة بالأشهر الأخرى.

 

في شهر رمضان على الرغم من أننا لا نتناول سوائل وغذاء خلال اليوم إلا أننا نشعر بحيوية أكثر من الأيام العادية، يزيد وسعنا للقيام بأعمال أكثر ودماغنا تستوعب مزيد من المعلومات بشكل أفضل. كان يقول أحد أساتذتي حول هذا الموضوع: "في هذا الشهر يكون الإنسان في قوةٍ تسع العالم"، حسب الدراسات التي اجريت في أوربا والتي تُعرف هناك ب "intermittent Fasting" وفي الإسلام "الصوم"، وهي أن تدع الجسم يستريح لمدة شهر، وله آثار على جسم الإنسان وفؤاد لا تحصى ولا تعد، ومنها مثلا الدهون التي تم تخزينها في الجسم الإنسان تبدأ بالتحطم بعد تجويع حوالي 10-12 ساعة، وثم يتم استخدام أجسام الكيتون الناتجة من هذه العملية كوقود للدماغ، يعني الصيام يساعدك على تقليل الوزن الزائد والحفاظ على صحة الدماغ علي حد سواء.

 

فائدة أخرى من فوائد الصيام: خلال العام تتشكل جروح وخدوش صغيرة على جدار المعدة الداخلي، فالشخص الذي لا يصوم أبدا تتسع عنده هذه الخدوش والجروح وقد تتحول إلى سرطان، لكن الشخص الذي يصوم لمدة تتراوح ما بين 13 إلى 14 ساعة تنكمش الأعضاء الداخلية عنده وتلتئم هذه الجروح والخدوش ويُمنع تحويلها إلى سرطانات.

 

وفقا لدراسة أخرى فإن الصيام يساعد على إطالة الحياة! نعم لم تقرأوا خطأ! التقليل من الطعام يطيل الحياة ويساهم في الأداء الصحي للهرمونات في الجسم من خلال توفير تجربة الجوع، الصيام أيضا يحسن الوظائف العقلية، يساعد على نمو خلايا جذعية جديدة في الدماغ بسبب الجوع الطويل، فينتج الدماغ مواد كيميائية تحافظ عليه بصحة جيدة، في الوقت نفسه يساعد الصوم جهاز المناعة على التصدي للعديد من الأمراض والإسراع في مهاجمة الأمراض الدخيلة على الجسم.

 

الصوم ينظف طبقة الجلد، فيزيل من عليه الخلايا الميتة، وهو مفيد جدا في التطهير العام للجسم، الصوم أيضا له فوائد هامة في علم النفس البشري، يقول الطبيب أوتو بوشنجر "Otto Buchinger" أحد أهم الأطباء في مجال علم النفس في القرن الحادي والعشرين: "الصيام هو أهم علاج بيولوجي بدون جراحة" وإنه قد تحسن الكثير من المرضى في ألمانيا عن طريق العلاج بالصوم.

 

الصوم وسيلة نفسية للشخص الغني لفهم شعور الفقراء بالجوع والشفقة عليهم، في مثل هذا التضامن الاجتماعي فإن عبادة الصيام تعزز تنمية البعد الإنساني عند الصائم فيصبح أكثر تعاطفا مع أولئك الذين هم أقل منه مادياً، كما انه يساهم في ارتقاء النظام الاجتماعي من خلال إقامة صلة بين الأغنياء والفقراء، فيسمح الصيام بالمشاركة الاجتماعية ويخلق تآزرًا كبيرًا في المجتمع ويزيل الفرق بين الطبقات، والصوم أيضا تجنب الكلمات والافعال السيئة والمدمرة، ويسمح الصوم للصائم بالتحكم في كلامه والإخلاص فيه.

 

كما ثبت من خلال البحث العلمي أن الصائم أكثر قوة من سائر الناس روحياً وجسدياً، فالصوم يزيد من مقاومة الجسم للظروف البدنية الصعبة، الصيام بمثابة عقد مع الله، يعقد كل صباح، وهو أساس السعادة والسلام والحياة الصحية، الصوم هو مفتاح الصبر والمقاومة والتحمل لكل شيء، فالصيام نعمة من نعم الله علينا.