شعار قسم مدونات

اللاجئون السوريون.. هل حقا أكلوا البلد؟!

blogs لاجئين

الكتابة بعيدا عن الواقع أشبه بالتنظير، والحديث عن الجانب المشرق للحياة دون التطرق للجانب الآخر هو تحجير للواسع، وتسليط الضوء على السوداوية وتعميمها أقرب أن يكون ضربا في الخيال، فالمعادلة صعبة وحلها قد يتطلب جذورا وعمقا كبيرا، ولعل مسيرة الاغتراب واللجوء التي ألمت بالشعب السوري خير مثال على تجاذبات الحياة بين حلوها ومرارتها، فيعتبر العام 2011 مفرق طرق كبير في الخارطة السورية لما ترتب عليه ما بعده، ليجد الشعب السوري نفسه مشتتا وممزقا بين دول احتضنته أو أجبرت على ذلك، مخفية في طياتها تيارات معادية لكل من يحمل صفة اللجوء وفي أحسن أحوالها تهميشا للمقيم إن لم يكن لاجئا.

  

تتفاوت الدول وشعوبها بنمط الحياة والثقافة والتوجه بالانفتاح والتشدد، بين مرحب باللاجئين وداعما لهم، واعتبارهم جزءا من المجتمع المتواجدين فيه، وبين رافض لوجودهم وأعمالهم بغض النظر عن أثرها الإيجابي للبلد المستضيف، عدا عن أدوات كل طرف منهم بما يملكه من وسائل إعلامية يبث من خلالها توجهاته وآرائه في هذا الموضوع، ولكن يبقى السؤال المهم، هل أثر السوريون في اقتصاديات الدول المستضيفة لهم أو المجبرة على ذلك؟ وهل كان السوريون عبئا ثقيلا على تلك الدول كما يحاول أن يروج البعض أم أن مصائب قوم عند قوم فوائد؟! وهل حقا ما يقال أن السوريون أكلوا البلد؟! …ومن الجهة الأخرى هل حصل السوريون على حقوقهم في تلك الدول سواء المعترف بها من الهيئات الدولية كصحة والتعليم مثلا أو ما منحته تلك الهيئات من مساعدات وغيرها.

 

لا يخفى على أحد اليوم الحد الأدنى من طبيعة العلاقة بين العرض والطلب في السوق، ويعتبر السوريون في بلاد الاغتراب واللجوء -كغيرهم – جزءاً من السوق بطرفيه المنتج والمستهلك وبالتالي جزءاً من عجلة الاقتصاد، عداك عن أصحاب الاستثمارات الاقتصادية من الذين نقلوا شركاتهم ومصانعهم وتجارتهم من سوريا لدول شتى كمصر ولبنان والأردن والسعودية والسودان وتركيا وألمانيا وغيرها، ووفقا للتقرير الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة لعام 2017 فإن اللاجئين السوريين أسهموا في ضخ 800 مليون دولار في السوق المصري خلال السنوات 2011 – 2017، ووفقا لبيانات وزارتي الاستثمار والتعاون الدولي والتجارة والصناعة المصريتين أن عدد الشركات السورية لعام 2018 يعادل ربع الشركات الأجنبية في مصر، أما في لبنان والتي كثير ما تكون أزمة السوريين الشماعة التي يستند عليها الكثير من الأصحاب القرار اللبناني لتبرير فشلهم، فوفقا للإحصائيات الصادرة عن الجامعة الأمريكية في بيروت عام 2017 أن اللاجئين السوريين يساهمون في الاقتصاد اللبناني بما يعادل 378 مليون دولار سنويا كإيجارات سكن، وكان قد غرد مدير الأبحاث في معهد عصام فارس بالجامعة ذاتها بشهر مايو 2017 على تويتر أن إنفاق السوريين ومساهمتهم في الاقتصاد اللبناني يصل إلى ما يعادل 1.04 مليون دولار أمريكي يوميا، عدا عن استحداث اللاجئين السوريين ل 12 ألف وظيفة بين اللبنانيين عن عام 2016.

  

نجاح السوريين خارج أوطانهم ليس طفرة أو حالة نادرة، وإنما انعكاس وترجمة واقعية للفكر الذي يحملونه، وإن كان العالم اليوم يقف مع اللاجئين السوريين وحقوقهم، فالأولى معالجة أصل المشكلة المتمثلة في نظام قمعي استبدادي

أما في الأردن ووفقا لتحليلات الخبراء والمحللين الماليين في أغسطس 2018 فقد ساهم اللاجئون السوريون في النمو الكلي للأردن بنسبة تصل إلى 20 بالمئة من النمو، وفي تركيا فقد أصدار مركز أبحاث السياسات الاقتصادية التركية في نهاية العام 2018 أن السوريين أنشأوا ما يزيد عن 10 آلاف شركة، متصدرين بذلك قائمة المستثمرين الأجانب الذين أسسوا شركات في تركيا. وقد يستغرب القارئ أن يجد مثلا في تركيا أو المانيا عددا كبيرا من المحال التجارية كتبت لافتاتها وإعلاناتها باللغة العربية تعود استثماراتها للاجئين السوريين الذين تحدوا الواقع، فلم يسرقوا ولم يأكلوا مال الغير ولم ينهبوا خيرات البلاد، وإنما خاضوا التجربة والمنافسة، واستثمروا طاقاتهم وفكرهم وفقا للقانون المحلي للبلد الذي يقيمون فيه، والجدير بالذكر، إن كان التهجير من نتاج صفقات المتاجرة بحقوق الشعوب، فإن السوريين نقلوا معهم ثقافتهم ونمط حياتهم اليومي لتلك البلاد، ليتأثر بهما المجتمع المحيط كعادات الاكل وطبيعة الأطعمة وتفضيلها في بعض الأحيان على الأكل الشعبي للبلد المستضيف.

  

وكما هي العينة العشوائية، فإن المجتمع السوري وعينة اللاجئين كغيرهم من الشعوب، ليست كلها على قلب رجل واحد وليست كلها ذات الطابع الإيجابي، ففي مثل هذه القضايا كلما كنا أقرب للتعميم كنا أقرب للخطأ وأبعد عن الصواب، وقد ترتقع أصوات ضد ما ينفق على اللاجئين في عدد من البلدان كونه تسربا في الاقتصاد الوطني للبلد المستضيف أو حرمان لمواطنيه مقارنة باللاجئ، وهو ما تلعب عليه الأحزاب المعارضة لاستقبال اللاجئين في بعض الدول، محاولين اخفاء حقيقة أن ما ينفق على اللاجئين ليس من خزينة الدولة المستضيفة بل من المنظمات والهيئات الدولية التي تقدم دعما للاجئين عبر تلك الدولة المستضيفة، ليصل لجيب اللاجئ ما قد يؤمن له قوت يومه في أحسن حالاته.

 

ولا يمكن الحديث عن اللجوء والبلدان المستضيفة دون التطرق للتعليم والصحة، وقد ينظر أحدنا لدرجة المزاحمة في المدارس والجامعات والمستشفيات بين المواطن واللاجئ أو بين المواطن والمقيم، فلا أحد ينكر ذلك ولكن من المسلم به أن التعليم والصحة هما حق من حقوق أي إنسان بغض النظر عن الجنس أو العرق أو دين او الوطن، فإن التكلفة المترتبة على حرمان جيل من حقهم بدخول المدارس أو الجامعات أكبر بكثير من المنفعة المرجوة من حرمانهم نتيجة لمزاحمة أبناء جيلهم ممن يحمل صفة المواطن ومشاركتهم المقاعد والوسائل التعليمية، وإن كانت الدول المستضيفة للاجئين السوريين تقدم دعما حقيقا جوهريا لا شكليا، فإن إعطاء الحقوق التعليمية والصحية هو جزء مهم إن لم يكن الأهم مقارنة بالدعم المادي.

 

إن نجاح السوريين خارج أوطانهم ليس طفرة أو حالة نادرة، وإنما انعكاس وترجمة واقعية للفكر الذي يحملونه، وإن كان العالم اليوم يقف مع اللاجئين السوريين وحقوقهم، فالأولى معالجة أصل المشكلة المتمثلة في نظام قمعي استبدادي استخدم كل ما آوتي من قوة ضد شعبه، وكان سببا في تشرده وتشتته في دول شتى، وإن كان المجتمع الدولي يريد حلا لعودة اللاجئين اليوم، فإن الحل ليس بتوطين اللاجئين وترسيخ واقع الشتات، وإنما من خلال تطبيق إرادة حقيقة مبنية على مطالب الشعب السوري وطموحاته بإسقاط النظام، وما يترتب على ذلك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.