شعار قسم مدونات

"الإرهاب الاقتصادي".. السلاح الخفي لإخضاع الدول

blogs دولار

إذا هاجمت تركيا الأكراد في سوريا سوف أدمر اقتصادها" هذا ما قاله الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في تغريده له بحسابه على تويتر. كنت قد كتبت من قبل عن ثنائية الاقتصاد والسياسة، وتغريدة ترمب التي بدأت بها، تجعلنا نعود إلى الموضوع من جديد، وخاصة في هذه الأيام، لنتحدث عن الاقتصاد السياسي فيأخذنا ذلك إلى ثنائية الاقتصاد والسياسة ويوصلنا إلى الاقتصاد والإرهاب، ثم نجد أنفسنا ننتهي بالحديث عن الإرهاب الاقتصادي.

 

يبدأ مفهوم الإرهاب الاقتصادي بشيوع استعماله مع تراجع الإرهاب العسكري على الصعيد الدولي، ويقوم الإرهاب الاقتصادي كما نراه في واقعنا الذي نعيشه على الأعمال التخريبية التي تستهدف تعطيل وتدمير الخطط والبرامج ومشاريع التنمية الاقتصادية، وضرب البنى التحتية في الدول والمجتمعات النامية لعرقلة نهوضها، ولإبقاء تلك الدول والمجتمعات الناشئة متخلفة في إدارة شأنها الاقتصادي، كي لا تتمكن من الانعتاق والتحرر ونيل استقلالها الاقتصادي، الذي يوصلها إلى التحرر والانعتاق من التبعية السياسية والحصول على السيادة والإستقلال السياسي الحقيقي.

 

قاومة الإرهاب العسكري أمر أسهل، ويبسط فهمه على الإنسانية، أما الإرهاب الاقتصادي فهو أمر أكثر تعقيداً، وأشد صعوبة على النفس البشرية

والإرهاب الاقتصادي يتخذ أشكالاً عدة، فقد يكون إرهاباً اقتصادياً من دولة ضد دولة أخرى، أو دولة ضد مجموعة دول، أو مجموعة دول ضد مجموعة دول أخرى، أو مجموعة دول ضد دولة واحدة، والصورة الأخيرة مع تمييز بسيط بوجود قائد لهذه الصورة، وتتجلى هذه الصورة بشكل واضح في حالة إستنفار غربي برأس حربة أمريكية، لقيادة الإرهاب الاقتصادي ضد تركيا، وكان ذلك بعد عدة محاولات إنقالابية تبنت نمط الإرهاب العسكري.

 

وتجلى آخرهذه المحاولات بوضوح في محاولة إنقلاب 15 تموز الفاشلة، والتي استهدفت ألا تتحرر تركيا من نير التبعية السياسية الذي يحاول الشعب التركي الكريم الانعتاق منه، فتركيا المستقلة في قرارها وسياساتها ستكون رائدة لركب حضاري يضم ثلة من رواد الانسانية الأحرار في العالم، يتطلعون فيه للعيش أحراراً كما أراد الخالق، وكما ولدتهم أمهاتهم.

 

ولكن هناك فئة في الغرب تتحالف مع فئة أخرى في الشرق، تدعي الإنسانية تريد الشعب التركي الكريم تابعاً مطيعاً وخانعاً ذليلاً ضمن منظومتها السياسية والاقتصادية، وسـتـسـوم الأتراك سـوء العذاب بالإرهاب، فيما إذا هم فكروا بالإنعتاق من هذه المنظومة الظالمة، ولا تتورع عن استخدام الإرهاب العسكري أو الاقتصادي أو كليهما، ومن رأى سلسلة الانقلابات بأشكالها المتنوعة العسكرية والقضائية والاقتصادية التي عانت منها تركيا، والضعف الاقتصادي الذي رافق اقتصادها في العقود التي خلت منذ تأسيس الدولة التركية الحديثة، يدرك أن الشعب التركي الكريم مصمم بكل قوة على الانعتاق والتحرر منهما، بعزيمة وإصرار لا يكل ولا يمل.

 

أما بالنسبة لأحرار العالم لا فرق لديهم بين الإرهاب الاقتصادي والعسكري، وبإعتبار الإرهاب الثاني الأكثر وضوحاً، فأصبح الإرهاب الاقتصادي هو السلاح الخفي والأمضى في تحقيق مآرب الظلمة، وبالتالي يجب أن نعقد العزم بكل قوة على الإنعتاق والتحرر منهما، بنفس العزيمة والإصرار، دون أن يثنينا الأخضر، وبعض ضعاف النفوس المثبطين لعزائمنا عن فعل ذلك، بالاستقواء به تارة وبالسلاح المليشياوي تارة أخرى.

 

إن إستهداف أي عملة محلية بالدولار الأمريكي الأخضر عند كل إستحقاق محلي هام، لإخضاع أصحابه الأحرار، وسلبهم حريتهم وقرارهم السيادي وحريتهم وإعادتهم إلى حظيرة الطاعة -الحالة التركية نموذجاً- هو إرهاب اقتصادي، فما بالك إن كان ذلك الأخضر حليف لك في حلف عسكري دولي واحد، ويستقوي أخوتك به أيضاً عليك لتدمير اقتصادك، فهذا أشد مضاضة عليك، وينطبق عليهم قول (وظلم ذو القربى أشد مضاضة) وهو أقسى أنواع الإرهارب الخفي.

  

وبالنظر إلى الوضع الدولي الحالي المعقد، وواجب المحافظة على السلم الأهلي والدولي المناط بكل إنسان يعيش على هذه البسيطة، فإن مقاومة الإرهاب العسكري أمر أسهل، ويبسط فهمه على الإنسانية، أما الإرهاب الاقتصادي فهو أمر أكثر تعقيداً، وأشد صعوبة على النفس البشرية، لذلك قدم الله تعالى -وهو العليم الحكيم- الجهاد الاقتصادي أولاً، ومقاومة هذا النوع الأخبث من الإرهاب قبل أي نوع آخر بقوله عز وجل: (وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.