شعار قسم مدونات

هل الشريعة الإسلامية صالحة للتطبيق اليوم؟

blogs قرآن الدولة الإسلامية، الصحوة

إن دعوى صلاحية الشريعة الإسلامية للتطبيق اليوم هي دعوى نسمعها كل يوم سواء كان من الدعاة والوعاظ الذين يؤكدون للناس بأن الحل هو في تطبيق الشريعة الإسلامية ونسمعها من المعلمين والمحاضرين عندما يؤكدون لطلابهم بأن الشريعة الإسلامية صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان ونسمعها بين الأحزاب السياسية الإسلامية عندما يطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية على مستوى الحكم والدولة وبالمقابل نسمعها من المنكرين عندما ينكرون صلاحية تطبيق الشريعة الإسلامية في هذا العصر وأن الشريعة الإسلامية قاصرة عن التطبيق بعد أربعة عشر قرنا من ظهورها لذلك أردت أن أسأل هذا السؤال هل الشريعة الإسلامية صالحة للتطبيق اليوم حقيقة وإن كانت صالحة للتطبيق فكيف يتم تطبيقها وللإجاية على السؤال سأتكلم عن أمرين رئيسيين:

الأول: شمول الشريعة الإسلامية وهذه حقيقة ثابتة في الدين الإسلامي بأن أحكام الشريعة الإسلامية شاملة لجميع الموضوعات فالشريعة قدمت نظريات حول الحكم والسياسة وقدمت نظريات حول الاقتصاد وقدمت نظريات حول الإدارة وقدمت نظريات حول المجتمع والأخلاق وقدمت نظريات حول الأسرة وبنائها وقدمت نظريات حول الجريمة والعقوبات وهذا هو مصداق قوله تعالى: "مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ"، وقوله تعالى "وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ"، وفي الحقيقة لا يمكن فهم الإسلام إلا من خلال هذه الشمولية حول جميع مناحي الحياة فلا يمكن قصر أحكام الإسلام على المسجد والعبادات ولا يمكن حصره ضمن نطاق الأحوال الشخصية الزواج والطلاق ولا يمكن فهمه من خلال العقوبات التي قررها على المجرمين ولا يمكن فهم نظامه السياسي من خلال الحديث عن الأحكام السياسية فقط فالشريعة الإسلامية كل متكامل لا يمكن فهم أحكامها إلا من خلال تقديمها كقالب واحد حول الإنسان والسياسة والاقتصاد والاجتماع.

صحيح أن الشريعة الإسلامية تتميز بالمرونة وقدرتها على الاستجابة لمتغيرات الزمان والمكان ولكن بشرط فتح باب الاجتهاد عند المسلمين والاجتهاد هو أحد المصادر الرئيسية في الشريعة الإسلامية

لذلك فإن دعوى تطبيقها في جانب واحد دون باقي الجوانب يظهرها مشوهة قاصرة عن التطبيق فالحديث عن الحدود التي أقرها الإسلام وفصلها عن باقي الأبواب يظهر أحكام الشريعة الإسلامية بمظهر العنف والتعذيب الجسدي والحديث عن السياسة الشرعية دون بقية الأبواب بظهرها بمظهر العاجز عن التطبيق اليوم ويمكن أن أشبه ذلك بالآلة فالألة تتالف من أجزاء متناسقة مع بعضها البعض متكاملة مع بعضها وفي الآلة أجزاء منها ما هو مهم في ومركزي ومنها ما هو كمالي وتحسيني فالآلة لا يمكن أن تعمل إلا إن كانت جميع الأجزاء فيها تعمل وإن توقف جزء من الآلة عن العمل ولو لم يكن مركزيا لتوقفت الآلة عن العمل وحتى لو وقفت الأجزاء التحسينية عن العلم لعملت الآلة ولكن ظهرت بمظهر مشوه مستفبح وكذلك الشريعة الإسلامية فقد جاءت بجملة من الأحكام ولا يمكن أن تعمل الشريعة الإسلامية إلا من خلال تطبيق جميع الأحكام والمطالبة بتطبيق بعض الأحكام دون بعض سيظهرها بمظهر العاجز عن التطبيق في عالم اليوم وكذلك هذه الأحكام منها ما هو ضروري لإقامة الشريعة الإسلامية ومنها ما هو تحسيني وكمالي فالاقتصار على الضروري من الأحكام دون التحسيني سيظهرها بالمظهر المشوه فالنظام الإسلامي نظام كامل متكامل لا يمكن حصره في المساجد فقط وإبعاده عن باقي جوانب الحياة.

الأمر الثاني: إغلاق باب الاجتهاد عند المسلمين إن إغلاق باب الاجتهاد عند المسلمين جعل أحكام الشريعة الإسلامية تظهر بمظهر القابل للتطبيق ولكن في العصر الرابع الهجري وجعل الشريعة الإسلامية تظهر بمظهر الجمود الغير قادرة على مواكبة تطورات الزمان والمكان إن المفاسد التي أصيبت بها الشريعة الإسلامية من دعوى إغلاق باب الاجتهاد في عصور الانحطاط من القرن السادس الهجري حتى القرن الرابع عشر الهجري أكبر بكثير من المفاسد التي قد تنتج عن فتح باب الاجتهاد إن إغلاق باب الاجتهاد أمام العقول الإسلامية جعلت علماء المسلمين يقصرون جهودهم على نقل النصوص الفقهية التي تحدث عنها الفقهاء في عصر معين لحل مشكلاتهم في ذلك العصر ومن الطبيعي أن تلك الحلول التي كانت صالحة لعصر معين لم تعد صالحة لعصر آخر وهذا كان سببا رئيسيا في البحث عن أنظمة أخرى تكون قادرة على إيجاد الحلول للمشاكل الراهنة فاستورد المسلمون بعض الأنظمة التي لها القدرة عن إيجاد الحلول للمشاكل الراهنة.

صحيح أن الشريعة الإسلامية تتميز بالمرونة وقدرتها على الاستجابة لمتغيرات الزمان والمكان ولكن بشرط فتح باب الاجتهاد عند المسلمين والاجتهاد هو أحد المصادر الرئيسية في الشريعة الإسلامية وإعطاء العقل الإسلامي دوره في فهم النص وتشجيعه على فهم النص وتنزيله على الواقع الذي يعيشه أما إن اقتصرت العقول الإسلامية على نقل النصوص الفقهية فمن الطبيعي أن تصاب الشريعة الإسلامية بالجمود إن الله أمرنا أن نفهم النص المنزل والموحى به بأدوات الاجتهاد وهذه الأدوات هي المصالح المرسلة والاستحسان والقياس والعرف وسد الذرائع والاستصحاب وما لم نفعّل هذه الأدوات في النص الديني كما فعّلها علماؤنا السابقون ستبقى الشريعة الإسلامية عاجزة عن التطبيق فقد فهم العلماء السابقون الاستحسان فشرعوا عددا من المعاملات المستحدثة كالاستصناع وأنواع من الإجارات بسبب حاجة الناس لها بالرغم أنها تخالف القياس أو تخالف قواعد الشريعة العامة وفهموا المصالح المرسلة فشرعوا عددا من المستجدات لأنها تلبي حاجات الناس وتحقق مصالحهم وفهموا أن ما تعارف عليه الناس معتبر في الشرع فاعتبروا أن ما تعارف عليه الناس جزءا من الشريعة الإسلامية وهكذا كانت الشريعة الإسلامية مرنة مرونة كافية بما تستطيع أن تتواكب مع التطورات الحضارية والعصرية.

من خلال فهم هذه الجانبين الأول شمول أحكام الشريعة الإسلامية والجانب الثاني فتح باب الاجتهاد في النص نستطيع أن نقول بأن الشريعة الإسلامية صالحة للتطبيق، أما إن فقدنا أحد جوانب هذه المعادلة ستبقى دعوى صلاحية الشريعة الإسلامية في التطبيق دعوى محصورة في أروقة الوعظ والمنابر أو في قاعات الجامعة عند المسلمين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.