شعار قسم مدونات

لماذا يتخوف التونسيون من الـ"آليكا"؟

BLOGS الاتحاد الأوروبي

برزت في تونس، في الصحف الإلكترونية والورقية ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة، أصوات كثيرة لناشطين سياسيين ومجتمعيين يطالبون الحكومة بتجميد التفاوض مع الاتحاد الأوروبي حول اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق المعروف أكثر بتسميته الفرنسية "ALECA". بدعوى أن هذا الاتفاق سيدمر قطاع الفلاحة التونسي ويهدد النسيج الاقتصادي الوطني المتداعي أصلا، وهي مخاوف مبررة نظرا لعدة معطيات. ففريق التفاوض التونسي المكلف بالتفاوض مع الاتحاد الأوروبي مدرب في الاتحاد الأوروبي وتحت إشراف مسؤولين أوروبيين رفيعي المستوى، كما أن مسار التفاوض حول الآليكا ومنذ 2016 كان بعيدا عن الأعين الرقيبة والناصحة للمنظمات المهنية والنقابية والمجتمع المدني والحساسيات السياسية مما يثير مخاوف جل القوى الوطنية من فحوى هذا الاتفاق وانعكاساته على الاقتصاد الوطني، خاصة قطاع الفلاحة الذي يشكو مصاعب هيكلية كبرى وغياب رؤية واضحة للإصلاح، علاوة على المتغيرات المناخية التي لا تصب دائما في مصلحة الفلاح.

كل هذه العوامل تفسر جليا الريبة التي يثيرها هذا الاتفاق-اللغز خاصة عندما نلاحظ جليا إصرار سفير الاتحاد الاوروبي بتونس "باتريس برغاميني" على تمريره وفي أسرع الآجال. برغاميني المثير للجدل والذي أوصى في وقت سابق بإدراج تونس في قائمة الملاذات الضريبية للإتحاد الأوروبي ثم تصدر وسائل الإعلام ليظهر في صورة البطل المنقذ ليس الصديق الأوفى لتونس. لنحاول قليلا النظر في انعكاسات هذه الاتفاقية على الاقتصاد التونسي لنفهم أكثر: دراسة نمساوية نشرت مؤخرا ويتجاهلها الأوروبيون ويستهزئون بمصداقيتها تؤكد أن الناتج الداخلي الخام للبلاد التونسية سيتراجع بنسبة 1.5% سنويا في صورة إمضاء اتفاق الآليكا من طرف الحكومة التونسية، نفس الدراسة تؤكد أن قطاع الفلاحة التونسي مهدد بالاندثار مهما كان طول الفترة الانتقالية لخفض الضرائب الممنوحة لتونس، ذلك أن تونس تحمي فلاحتها أساسا من خلال الرسوم الجمركية المرتفعة (30%) تقريبا.

التخوف من الآليكا في تونس ليس فقط نابعا من منطلق الحرص على السيادة الوطنية وسلامة الموازنات الاقتصادية، بل يدخل أساسا في باب المزايدات الانتخابية عشية انتخابات أكتوبر 2019

أما الاتحاد الأوروبي فسياسته لحماية القطاع الفلاحي مختلفة، إذ يعول أساسا على الدعم السخي والإعفاءات الموجهة للفلاحين مقابل رسوم جمركية بمعدل (10%)، وقوة إنتاجية ومستغلات فلاحية ضخمة ومنتوجات فلاحية منخفضة الأسعار لن تقوى المنتوجات التونسية على مجابتهتها.. مما سيغرق السوق التونسية بالمنتوجات الفلاحية الأوروبية التي أصبحت السوق الأوروبية ضيقة بالنسبة إليها، وسيمحق المنتوجات الفلاحية التونسية.

قطاع الخدمات أيضا وهو قطاع حيوي سيتضرر كثيرا من هذه الاتفاقية وقد تكون هذه الإتفاقية سببا في ارتفاع نسبة البطالة إلى أكثر من 22% نظرا لمواطن الشغل التي ستصبح عبءا على المنتج التونسي الذي سيحاول جاهدا المحافظة على قدرته التنافسية وسيلجأ لخفض أعباء الإنتاج. وفي معرض حديثنا عن القدرة التنافسية، قد تكون الأسواق الأوروبية مفتوحة جمركية، لكن الحواجز المفروضة بتعلة "المواصفات الصحية والتقنية" عالية جدا ومن الصعب جدا على أي منتوج فلاحي تونسي تجاوزها ليحوز موافقة السلطات المختصة ويروح في السوق المشتركة الأوروبية.
 

لكن هذا التخوف من الآليكا في تونس ليس فقط نابعا من منطلق الحرص على السيادة الوطنية وسلامة الموازنات الاقتصادية، بل يدخل أساسا في باب المزايدات الانتخابية عشية انتخابات أكتوبر 2019، مزايدات وصلت بالبعض إلى درجة المطالبة بصرف النظر تمام عن هذه الاتفاقية في موقف شعبوي لكسب بعض الأصوات، ولجوء للحل الأبسط والأيسر حتى لا يضطروا إلى قتراح بدائل أو استراتيجية تفاوض تجعل تونس والاتحاد الأوروبي يتقاسمان بنسب معقولة ومتوازنة أعباء وفرص هذه الاتفاقية بعيدا عن الصيغة العرجاء المعروضة اليوم، وفي خضم الزمن الانتخابي تكثر الضوضاء والظواهر الصوتية ولن يكون من الممكن الحسم في هكذا خيار استراتيجي مما سيدفع على الأرجح المفاوض الأوروبي إلى إرجاء هذا الملف إلى ما بعد الانتخابات العامة نهاية العام الجاري، ولنا عودة الشتاء القادم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.