شعار قسم مدونات

مئة وثمانون يوم في السودان

blogs - السياحة في السودان

 "أنا أمقت العنصرية. لأنني أعتبرها شيء همجي. سواء جاءت من رجل أسود أم رجل أبيض"

ــ نيلسون مانديلا

   

أريد أن أخبركم عن رحلتي إلى السودان. فقد ذهبت إليها خلال برنامج التبادل الطلابي قبل ستة أشهر. وعندما وصلت إلى السودان كنت متوترة جدا ولم أكن أعرف ماذا سيحدث، لم يؤيد أحد ذهابي إلى السودان لكن لم أصغي لأحد، وفي النهاية وصلت إلى السودان في آخر يوم من أغسطس. عندما نزلت في المطار كنت مندهشة وهكذا بدأت الحكاية، فعند وصولي لم أكن أصدق أني أتيت، ووصلت إلى البيت الذي كنت سأبقى به. وقابلتني فتاتين واحدة منهما كانت من جزر القمر والأخرى من السودان أنا كنت سأسكن مع صديقتي التركية ولكنها لم تكن قد أتت بعد من اسطنبول فبقيت مع الفتاتين لمدة أسبوعين.

 

في يومي الثاني في السودان ذهبنا أنا وأصدقائي إلى الخارج كان الجميع يتكلمون بشكل مختلف جدا ولم أفهم أي شيء. كان يتحدث معي أصدقائي بالفصحى ولكن كنت حزينة لأنني أردت أن أجيد لهجة الدارجي في السودان. كان جو السودان مليئا بالحياة حيث أنه رغم المشاكل المتداومة كان الجميع مبتسما. كانت شوارع السودان مليئة بعربات صغيرة وملونة تشبه إحدى السيارات التي رأيتها سابقا في أحد الأفلام الهندية. لكن لم أفكر بسلبيات الحياة في السودان وتجاهلتها من أجل هدفي الذي كان تعلم اللغة العربية.

 

كانت اللغة العربية هي لغة البرنامج الرئيسية وقمت بإلقاء كلمة عن العنصرية باللغة العربية ولأول مرة في حياتي تكلمت باللغة العربية على المنصة أمام الحضور

سألت كثيرا نفسي. هل أنا في حلم أم هذه حقيقة؟ لكن شعرت بالشجاعة لأنّي لم أصغي إلى من وقف ضد مجيئي، مر كل شي بسرعة خلال استكشاف السودان وبحثت كثيرا عنها وسجلت العديد من الملاحظات. كان لدي فضول حول شيئين أولا كيف كنت سأدرس في الجامعة في السودان والثاني شرب القهوة قبالة نهر النيل، سمعت كثير من الحكايات عن نهر النيل وأردت أن أسمع تلك الحكايات من أهلها، بعد ذلك مر أسبوعان ببطء كنت أتمعن السودان ولا أكثر من ذلك، ثم أتت صديقتي والآن سأحكي لكم حكاية الصداقة التي بدأت قبل خمس سنين.

 

كنت أذهب إلى معهد اللغة العربية في إسطنبول وتعرفت هناك على أمينة وأصبحنا أصدقاء مقربين. مرت سنوات ورسمت الحياة لنا طرق مختلفة وفي النهاية التقينا في السودان كما التقينا أول مرة في المعهد، خلال ستة أشهر أصبحنا أسرة صغيرة وتذكرنا أستاذنا الأول في اللغة العربية أستاذ عبد الحميد من مصر الله يحفظه، استكشفنا السودان مع بعض وذهبنا إلى المتاحف. كما تناولنا أنواع الطعام المختلفة وتعرفنا على طلاب من الدول الغربية والشرقية، زرنا إحدى القرى من منطقة جبل الأولياء وبقينا ليلة هناك. وتمشينا بقرب نهر النيل في بعض الليالي، حقا لقد عشنا في السودان كأننا ممثلتين في فيلم مغامرة، فقد كان بإمكاننا أن نذهب إلى أوروبا ولكن نحن اخترنا السودان وتعلمنا الحياة في السودان. فتح لنا الكثير من الناس أبواب ضيافتهم لم نكن نعرفهم، وأصبح لنا الكثير من الأخوات من الأمهات والآباء.

 

وبدأت الجامعة ولم يكن أي أجنبي في الجامعة، كانت تبتعد ساعة من منزلي وتعرفت على رئيس القسم الأستاذ عبد القادر. قبل افتتاح الجامعة بساعة كان الأستاذ يأتي ويدرسني ذكره الله بالحسنى، تعلمت منه كثيرا من الأشياء. في البداية لم أكن أفهم الدروس لكن ساعدني أصدقائي بكل جهد، وبعد المحاضرة كنا نذهب لأكل الفول السوداني. وكانوا يدرسوني بدلا من الذهاب إلى منازلهم بسببهم تعلمت وبدأت أفهم لهجتهم الخاصة.

 

سأشارككم تجربة جميلة عشتها هناك حيث قمنا بتنظيم برنامج دولي بدعم القنصلية التركية في السودان ودعونا جميع الطلاب الدوليين، وكانت اللغة العربية هي لغة البرنامج الرئيسية وقمت بإلقاء كلمة عن العنصرية باللغة العربية ولأول مرة في حياتي تكلمت باللغة العربية على المنصة أمام الحضور وحقا أصبحت اللغة العربية حياتي وكانت وسيلة التواصل بيننا واكتشفت أهمية اللغة العربية في الوصل بين الحضارات، أستطيع أن أقول بكل ثقة أني تعلمت الكثير في رحلتي هذه، تعلمت أنّ جميعنا متساويين ولا أحد في مرتبة أعلى من أحد. وإن كان هناك فرق في لوننا أو لساننا أو عرقنا، وتعرفت على معنى كلمة الإنسانية فعلا

 

مر الوقت كالماء وفجأة تم إلغاء الدوام في جامعتنا. لم نفهم ماذا جرى، خرج الشعب السوداني إلى الشوارع. سمعت أصوات الأسلحة، ماذا كان يجري لسوداننا الجميلة؟ عتمت السودان، ولا أريد أن أدخل بتفاصيل السياسة، فقد جاء وقت النهاية وزرت الجامعة لأخذ الشهادة فشعرت بإحساس غريب لقد اشتقت للسودان قبل أن أودعها، ودخلت حديقة الجامعة التي كانت مليئة بأصوات الطلاب. وجاء وقت الرحيل، كتبت رسائل إلى أصدقائي، وركبت الطائرة فغادرت عن موطني الثاني. والآن اتمعن نهر النيل في الصورة بنهاية دفتري، أشكر من علمني قيمة الحياة، أشكركم يا أهل السودان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.