شعار قسم مدونات

هل هناك مواجهة عسكرية قادمة بين أمريكا وإيران؟

blogs حاملة طائرات

بعد التوترات الأخيرة وحرب التصريحات والتهديدات بين أمريكا من جهة وإيران من جهة أخرى وصل التوتر إلى مراحل جديدة خاصة بعد وصول المدمرة الأمريكية ابراهام لينكون وهي من أكبر حاملات الطائرات في العالم لمياه الخليج العربي مزودة بقاذفات B52 العملاقة القادرة على حمل رؤوس نووية، قبيل دخول المرحلة الثانية من العقوبات التي تريد فيها أمريكا خفض تصدير النفط الإيراني إلى الصفر، وفي المقابل فإن إيران تهدد بإغلاق مضيق هرمز أمام التجارة العالمية وهو ما ينذر إذا حدث بمواجهة عسكرية لا مفر منها حسب رأي الكثيرين، وهذا يبرز في تهديدات قائد القوات البحرية الأمريكية في الشرق الأوسط بإرسال حاملة طائرات إلى مضيق هرمز. 

  

يبدوا أن هناك اعتقاد سائد أن الصراع الأمريكي الإيراني سيدخل المنطقة حتماً في دوامة جديدة وفي دمار ربما لا نستطيع النهوض بعده، كما بدى في تصريحات رئيس مجلس الأمة الكويتي، وهذا الفريق يميل دائما لان الصراع سيفضي في يوم ما إلى مواجهة عسكرية سيخسر فيه الجميع، ولهذا فمن المهم النظر وتحليل طريقة تعامل أمريكا مع صراعاتها في المنطقة عبر التاريخ أولاً ثم، معرفة طبيعة العلاقة بين إيران وأمريكا ثانياً، للتمكن من الإجابة على هذا التساؤل الذي عنونا به المقال.

  

إذا نظرنا لطريقة أمريكا في إدارة صرعها مع نظام صدام حسين في العراق كمثال سنتمكن من فهم أعمق وأدق للمشهد؛ في مطلع الثمانينيات أدارت أمريكا حربها مع العراق باستراتيجية طويلة الأمد ومعدة بإحكام مع أقل ما يمكن من الخسائر يمكن أن نلخصها في ثلاث خطوات الأولى السماح للعراق بالظهور كقوة عظمى في المنطقة قبل أن تجرها إلى الحرب الإيرانية العراقية التي استنزفت اقتصاد العراق، ثانيا فخ الكويت الذي سقط فيه الرئيس صدام حسين وبذلك عزل عن حلفائه تمهيدا لحصاره لمدة ثلاثة عشر عام أكلت الأخضر واليابس ولم تبقي ولم تذر، فعجز عن إعادة بناء قواته خاصة بعد عاصفة الصحراء التي تكبد فيها الجيش العراقي خسائر مهولة نتيجة تعرضه للقصف الأمريكي أثناء انسحابه من الكويت، ثالثا باحتلال القوات الأمريكية العراق وهي في أضعف حالتها. 

   

إيران من الممكن أن تجر الأمور لحرب إذا حشرت في الزاوية كما يقال، وهذا غير دقيق فهي قادرة على الالتفاف نوعا ما على العقوبات وإن كانت ستتضرر لكنها لن تموت

وبقياس التجربة الأمريكية في الصراع مع نظام صدام على ما يجري الأن نرى أن أمريكا سمحت وغضت الطرف عن التمدد الإيراني بدأ بالعراق ولبنان مروراً بسوريا وانتهاءً باليمن، كما فعلت مع صدام في العراق، وهذا لعدة أسباب منها لاستنزاف إيران عبر انخراطها في صرعات متعددة تنهكها عسكريا واقتصاديا وتؤدي تبعا لتفكك المنطقة، وزرع الخلافات الطائفية والأيدولوجية واستنزاف الخليج ماديا بحجة حمايته من التهديد الإيراني.

   

وهذا ما حدث؛ وبدوره أدى إلى نجاح أمريكا بربط الخليجيين علانية بإسرائيل وجعلها الصديق والحليف القوي في مواجهة عدو مشترك هو إيران وعلى الصعيد العربي لا ننسى أن تمزق المنطقة لا يسمح لها أبدا بتشكيل خطر ولو على المدى البعيد لإسرائيل وإطلاق يد الأخيرة في المنطقة لتفعل ما تشاء، ومن هنا يمكننا أن نلاحظ أن طبيعة العلاقات بين أمريكا وإيران قائمة على مدى استفادة أمريكا من المشكلات التي تخلقها إيران بالمنطقة كما تبين، وبالتالي نجحت إيران فيه من توسيع مناطق نفوذها وأن تحسن من قدراتها العسكرية في حين أن أمريكا استفادت من هذا في تنفيذ رؤيتها في المنطقة، ويظهر جليا أن أمريكا لم تعد في حاجة إيران إذ أن توسعها واستمرارها في تحسين قدارتها العسكرية يزعج إسرائيل التي ترى فيها خطر يهددها على المدى البعيد؛ فهل يمكن أن تنزلق الأمور لمواجهة؟

  

لو أن أمريكا تخطط فعليا لبدأ حرب عسكرية مع إيران لأضعفتاها في اليمن وسوريا على الأقل وهذا باستطاعتها بكل تأكيد، إذ يجب عليها ضمان تحييد العراق وعزل إيران عن أذرعتها الضاربة في المنطقة، وهذا غير ممكن الآن على أقل تقدير، إذ يلزم أمريكا مزيد من الوقت لتحقيقه، وقد شاهدنا كيف يمكن لهذه الأذرع تهديد الملاحة وإمدادات الطاقة في المنطقة حتى خارج المضائق كما استهدفت بطائرات مسيرة أنابيب نقل النفط السعودي إلى الموانئ في البحر الأحمر، مما نعكس فورا على أسعار النفط العالمية.

 

ناهيك عن أن إيران تمتلك طرق عدة للمناورة منها على سبيل المثال لا الحصر، تحويل بغداد لباحة خلفية للحرس الثوري الإيراني لإيذاء أمريكا ومصالحها في المنطقة، مما يذكر بالويلات التي تكبدتها القوات الأمريكية في العراق، ولا ننسى تهديد الملاحة في مضيق باب المندب عن طريق الحوثيين وهو ما حدث بالفعل العام الماضي عندما استهدف الحوثيين ناقلة نفط سعودية.

  

لكن ماذا إذا حشرت إيران إذا في الزاوية هل من الممكن أن تجر الأمور لحرب كما يقال؟ هذا الطرح غير دقيق لان إيران مازالت قادرة على الالتفاف نوعا ما على العقوبات وإن كانت ستتضرر لكنها لن تموت، فبعض الحلفاء كروسيا والصين سيستمرون في شراء النفط الإيراني ولا يمكن منع ذلك الآن على أقل تقدير، أما إذا كانت أمريكا جادة باستهداف الناقلات النفط الإيرانية فباستطاعتها رفع علم روسيا أو الصين على ناقلاتها، كما حدث للكويت أثناء الحرب الإيرانية العراقية عندما هددتها الأخيرة باستهداف ناقلاتها إذا أستمرت في السماح للعراق باستخدام موانئها، أي أن خفض تصدير النفط الإيراني إلى الصفر غير واقعي تماما، ناهيك أن هناك شكوك حقيقية في أن السعودية والإمارات قادرين على سد العجز الناتج عن منع حصة إيران في أسواق النفط، وبالتالي فإن إيران لن تبدأ حرب ستكون هي الخاسر الأكبر بها.

  

ويمكن أن يتساءل البعض ولما جلبت أمريكا كل هذه التعزيزات للمنطقة إذن! والجواب هو أن الحروب لها عدة أشكال منها النفسي والاقتصادي وأشكال عديدة لا يسع المجال لذكرها ولا ننسى أن هذا الزخم أيضا من الممكن أن يجبر إيران على سحب بعض التعزيزات من أذرعها في المنطقة مما يؤدي لإضعافها في انتظار النتائج المرجوة على المدى البعيد.

  

ماذا يحدث الآن؟

 أمريكا الآن تظهر القوة لتجنب الحرب، كما يعرف في أدبيات السياسية الأمريكية، لأنها تمتلك طرق أقل كلفة وأنجح تتمثل في حصار خانق على إيران يدمر اقتصادها المتهالك أساسا من صراعات المنطقة، ومع مرور الوقت تعول القيادة الأمريكية على الشعب الإيراني المتململ في أسقاط الحكومة بثورة جياع دون كلفة أمريكية تذكر، وحتى وإن لم يحدث فإن التدخل العسكري في هذا الوقت قد يكون مقبولا من جهة الكلفة وضمان النتيجة كما فعلوا مع العراق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.