شعار قسم مدونات

عندما يكون التنافس سلاح ذو حدين!

blogs عمل

إن التنافس ظاهرة من الظواهر الإجتماعية، ولا يكاد يخلو مجتمع من المجتمعات أو أي تجمّع بشريّ من هذه الظاهرة الطبيعية، فهي تشكل نوع من أنواع التفاعل الإنساني بين أفراده وجماعاته، وغالباً أول ما يُشَكّل مفهومنا وتصوّرنا عن "التنافس" وتوجهاته لدينا وحدته أو مرونته في شخصيّاتنا؛ الثقافة التي نشأنا فيها، والتربية التي تربينا عليها، وثم يأتي غيرها من المؤثرات المعروفة، وعُرّف التنافس بأنه: عملية اجتماعية توجه أنشطة "مجموعة من الأفراد أو عدة جماعات" بحشد جميع القدرات والإمكانيات لتحقيق هدف معين.

التنافس بين السلبية والإيجابية

على الرغم من اتفاق الجميع على وجود هذه الظاهرة وإقرارهم، إلا أن البعض يراها صفة سلبيّة على الأعم (إلا في حالات سنذكرها لاحقاً) ولا يعود "التنافس" على المجتمعات (أفراداً وجماعات) إلا بالشحناء وضياع الطاقات وهدرها، ويراها الآخرون هي السبب الأول والدافع الحقيقي للتقدم والإنجاز في المجتمعات، فالفريق الأول يرونها نوعاً من الصراع والإنانية وتفرّق المجتمعات وتشتت أفراده لتحقيق غايات فردية وأنه نوع من تحقيق الذات "المزيف"، ويرى الفريق الآخر أن التنافس هو الدافع الأول بين الناس لإخراج أحسن ما لديهم من إبداعات ومواهب، ما كانت لتخرج لولا هذا التنافس بينهم.

التعاون نقيض التنافس
إذا نظرنا إلى الحالة النفسية للإنسان المتنافس، غالباً ما سنجد أن "سمة القلق" صفة ملازمة له، فإذا كانت ليست من سماته الأساسية؛ فستكون مصاحبة له -على أقل تقدير- في البيئة التنافسة أو العملية التنافسة ذاتها

وحين سئِل مَنْ رَأَوْا في التنافس "سلبية كاملة" عن البديل، أجابوا: "التعاون"، فالتعاون عندهم نقيض التنافس، وعرّفوا التعاون بأنه عملية تكاملية تأخذ بعين الاعتبار الاختلافات بين الأفراد والتفاوت في القدرات والإمكانات وذلك لتحقيق الأهداف الجماعية؛ كل حسب قدرته وموهبته بدون أي مقارنات وتقييمات مجحفة. وقد غاب عن مجتمعاتنا ومؤسساتنا -للأسف- مثل هذا المفهوم "التعاون" وغيره من المصطلحات المشابهة مثل: "العمل الجماعي، روح الفريق" لتحقيق الأهداف المنشودة بصورة جماعية، وأصبحت أهدافنا تقتصر على ذواتنا، وذلك ولأسباب عديدة أبرزها الإنفتاح والعولمة وما قدمته من إعلام وبرامج وأفلام وألعاب فيديو من شأنها تعظيم "الروح الفردية" والإعتماد المبالغ فيه على الذات، ومحاولة إقناعنا بقدرة الفرد "الخارقة" على تحقيق كل ما يريده بدون طلب مساعدة أو العمل ضمن فريق، وما يزيد الأمر تعقيداً هو حين ألفنا أن التنافس ينتج عنه "رابح وخاسر"، وأن شخص ما هو الفائز وباقي من تبقى يوصمون بالخسارة -لولا التعود لوجدنا أن هذا إجحاف كبير-، ولكي نصحّح رؤيتنا علينا أن ننظر للمنظومة بأكملها التي صدّرها المجتمع الرأسمالي للعالم والتي تعوّدنا عليها والتي أفرزت مؤسسات وأفراداً طموحاتهم صغيرة وكل أمنيتهم فقط التفرد في نشاط معين على عدد من أقرانهم.

إيجابيات التنافس

التنافس له إيجابيات عديدة، وخصوصاً إذا وضعت له آليات ذكيّة وعادلة تُحْسن استخدامه، فإن كانت بيئة عمل: فمن الممكن جداَ أن تجعل من المنافسة عامل مهم لتحفيز الموظفين وحثّهم على بذل المزيد من الجهد والإنتاج، للوصول بهم إلى أعلى مستويات الإنجاز والأداء، ويعمل التنافس على خلق الدافع لديهم للعمل، ويُشْعل الحماس فيهم لتقديم الأفكار الإبداعية والحلول المبتكرة، لكن في لحظة ما من الممكن أن يعطي الجو التنافسي نتائج عكسية، وذلك بسبب القلق والخوف من عدم تحقيق الأهداف والنتائج المرجوة من الموظف، مما سيشعره بالتوتر وربما اتخذ طرقاً غير مشروعة لتحقيق ما طلب منه لتجنّب التوبيخ والتقييم المنخفض أو حتى التسريح.

التنافس والحالة النفسية

وإذا نظرنا إلى الحالة النفسية للإنسان المتنافس، غالباً ما سنجد أن "سمة القلق" صفة ملازمة له، فإذا كانت ليست من سماته الأساسية؛ فستكون مصاحبة له -على أقل تقدير- في البيئة التنافسة أو العملية التنافسة ذاتها وفي كل ما يسبقها من تحضيرات وما يتبعهما من نتائج. ويُعَرّف القلق عند بعض المختصّين بأنه: حالة من الإستثارة يستعد بها الفرد للدّفاع عن نفسه والحفاظ عليها، وتؤدّي هذه الإستثارة إلى إنتاج ما لدى الفرد من طاقات حركية أو فكرية أو كامنة تنْبعث من داخله للدفاع عن ذاته المُهَدّدة والمُتَوَقِعَة الخطر". ولا شك أن الإنسان في هكذا بيئة ووهكذا نفسية؛ تميل لإدراك المنافسة كتهديد وخطر لن تكون في أعلى مستويات الإنجاز والعطاء وإن ظهر عكس ذلك؛ فليس هذا الأصل ولن يستمر طويلاً.

سلبيات أخرى للتنافس

إن كان للتنافس إيجابيات مثل خلق الدافع والميل لبذل المزيد من الجهد إلا "أن إثمه أكبر من نفْعه" ولا يزال يحتاج لتوجيه وترشيد، بينما سلبياته في "الجماعة الواحدة أو الفريق" أكثر من أن تحصى ومنها: تداخل الأهداف بين الفرد والآخرين والعكس صحيح، ويصبح التعاون أشبه بالمهمة المستحيلة، وسينتج عن ذلك قلة التواصل وضعف التنسيق بين الأفراد، وستكثر المقارنات السلبية المستمرة، وربما وصل الأمر إلى الكراهية وظهور بعض المشاعر العدائية بين أعضاء الفريق الواحد، وربما يؤدي ذلك إلى محاولات تعويق تحقيق الأهداف المنشودة من قبل الأعضاء أنفسهم، ومن السلبيات أيضا حين يكرّم شخص أو عدة أشخاص ومكافئتهم ربما يفهم على أنه تنكّر لباقي الجهود والطاقات، وهذا ينتج 6- حالة سلبية وسيئة في المجتمع أو الفريق أو المجموعة.

خاتمة

التنافس سلاح ذو حدين، ولا يجدي في كثير من الأعمال، وقليلاً ما يأتي بالخير، ولكن للأسف أن واقع مجتمعاتنا من أسر ومدارس ومؤسسات على إختلاف مجالاتها تدعو للتنافس السلبي، ظناً منها أنه الوضع الطبيعي، وأن بهذه الطريقة نستطيع الإنجاز والعمل بكامل طاقاتنا، ولكن لا يستفيد من تنافس الأفراد إلا أصحاب المناصب المتسلطين، الفارغين من أية موهبة أو تميّز، فهم لا يهمهم إنجاز ويرضَوْن بالقليل المهم أن تسُود روح المشاحنات والمنافسات، وتبقى مناصبهم بعيدة عن أي تهديد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.