شعار قسم مدونات

رمضان.. ذكرى جميلة عالقة في الماضي

blogs رمضان

بين الماضي والحاضر لطالما تجرى المقارنات وتعقد بإستمرار ولطالما يحاول الجميع استرجاع ذلك الماضي الجميل بلحظاته وبأدق تفاصيله فكيف إذا كان ذلك الماضي هو شهر من العام عاش الكثير منا أجمل ذكرياته وأروع ذكرياته بين صباحاته التي تفيض بالسرور ولياليه الغارقة في بحور النور ومجالسه المؤنسة بين أفراد الأسرة والأقارب نتشارك الهموم ونتقاسمها فيما بيننا.

يطل شهر رمضان شهر الخير والبركة بأيامه التي تسودها الحب والتسامح والمغفرة والعودة إلى الله والإجتهاد في الطاعات والصلاة وقراءة القراءن ويعود به المتخاصمين إلى نبذ خلافاتهم وتتوحد قلوب المسلمين وتتجه نحو قبلة واحدة في صفوف متراصة لا يصيبها خلل وتجتمع العائلة على مائدة الإفطار والسحور اجتماع صادق على الطاعة في مشهد يتخلله الألفة والمحبة والطمأنينة ينتظرون سماع صوت آذان المغرب الذي يسبقه انشغال الأمهات بإعداد المائدة الرمضانية التي يتوق كل منا للإنقضاض عليها وهنا ننهمك جميعاً لتحضريها وتبدأ طقوس دعوة الناس والجيران إلى الإفطار ومراسم توصيل شيء من أطباقنا إليهم وتعزز بذلك مراسم الروابط بشكل أمتن وأوثق.

غدت موائد الإفطار كئيبة وحزينة نتيجة الأوضاع المأساوية التي نعيشها فقد فرضت على العائلة أن يعيش بعض أفرادها بين مهاجر ولاجىء ناهيك عن الحرب التي إلتهمت الكثير منهم

في المساء عند الإنتهاء من صلاة التراويح تنتعش الأسواق وتزدحم بالمارة وتعج المقاهي بالزبائن وبصحبة الأصدقاء والأقارب التي تستمر حتى السحر سارقا منا الوقت تلك اللحظات الجميلة التي تشاركناها معهم ومعلنا نهايتها. تلك النهاية لم تكن نهاية تلك الصحبة فقط بل كانت نهاية تلك الأيام الجميلة والليالي التي عشناها فلم تعد تلك المظاهر بادية الآن ولم يعد لتلك الأشياء والطقوس بأدق تفاصيلها أي آثر في مشهد درامي تراجيدي يسوده التشظي والترهل ويسيطر عليه الألم والحزن نعيش في وسطه يلف بمكاننا ويحيط به ويطغى بثقله على أرواحنا المتعبة والتي أنهكتها نيران الحرب المستعرة وسنواتها العجاف.
 
مشاهد القهر والموت والعذاب، التيه والضياع في وسط أحلام مبعثرة أصبحت من الماضي ولا مكان لها في الحاضر. الغربة والمنفى ومرارة الانتظار والفراق والرحيل عن وطن أصبح محطم يترقب شيء من الأمل يعانقه وشيء من ذلك النورفي نهاية ذاك النفق المظلم الذي ينير ظلامه ووحشة شوارعه الخالية من ساكنيها الماكثين في دول اللجوء والجوار. في وسط هذه التراجيدية السوداء وتلك المآسي والمصاعب التي تخيم على المنطقة بأكملها لا جزء محدد منها لم يبقى لشهر رمضان الكريم من ماضيه شيء فلم تعد مظاهر الزينة بادية في المنازل والشوارع محتفلة بقدومه ولم تعد المصابيح تضيء أزقته ليلاً. فقد غدت موائد الإفطار كئيبة وحزينة نتيجة الأوضاع المأساوية التي نعيشها فقد فرضت على العائلة أن يعيش بعض أفرادها بين مهاجر ولاجىء ناهيك عن الحرب التي إلتهمت الكثير منهم.

رحلوا وبقي مكانهم خالي على المائدة يستحضر ذويهم ذكراهم بألم وحسرة بالغة تجاوزت كل شيء في وجعها الذي بلغ ذلك الإبتعاد عن الوطن ومظاهر الغربة القاهرة التي تمنحك بشعور اللإنتماء إلى المكان والزمان وإلى كل شيء يتراءى أمامك، لقد باتت الطقوس الرمضانية التي كانت في الماضي مجرد ذكريات عابرة وأياما قد خلت افتقدنا بها إلى ذلك الخشوع الذي كان يلازمنا في أداء الصلوات وتلك السعادة التي كانت تلامسنا بصحبة الأخوة والأصدقاء في ليالي السحر والتي قد تلاشت في الغربة وفي الوطن أيضاً فكثير من الأشياء قد تغيرت وكان لابد أن ندرك بأن هناك جدران من المحبة والتواصل بين الناس قد هدمت وأن الحرب والتكنولوجيا قد ساهمتا في ذلك فوسائل التواصل الاجتماعي كان لها الأثر الأكبر في تبدد تلك التفاصيل الدقيقة في العلاقات الاجتماعية بين الأفراد من خلال تلك الزيارات التي كانت تتم بين الأهل والأصحاب بعد الإفطار لنتشارك معهم تلك الأجواء والطقوس الروحانية والتي استغنى عنها ببعض من الرسائل الإلكترونية القصيرة التي نتبادل بها الحديث معهم عن أجواء رمضان ومشقة الصيام وموائد الإفطار وماذا نعدد لها؟ فقد باتت تلك الوسائل بالإضافة إلى الغربة التي كان لها قوانينها الصارمة والتي استطاعت أن تفرض سطوتها على العلاقات في المجتمع إلى تلك الحرب التي كانت لها كلمة الفيصل في ذهاب تلك الطقوس الرمضانية الجميلة فرمضاننا لن يعود كما كان من قبل وسيبقى ذكرى جميلة عالقة نعيشها ونستحضرها كلما أطل الشهر الفضيل علينا في كل عام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.