شعار قسم مدونات

هل السعادة والشقاء من صنع أيادينا؟

blogs تأمل

عندما تبدأ رحلتك الإيمانية تنمو عندك الرغبة بالمعرفة والإطلاع على مزيد من المعارف والمعلومات التي ستحطم بها كيانك السابق وستحطم كل أفكارك التي رسخت بخلاياك. وتزيد عندك الرغبة تلو الأخرة لمزيد من القراءة وفهم العلوم حتى العلوم الكونية التي ستبدأ بجذب انتباهك لتعرف ماهية نفسك الحقيقية. ويتضح لك كيف أنه تم التلاعب بأفكارك وبرامجك ودراستك وعلومك التي أمضيت عليها سابقا وغُرزت بجذورك حتى تصلبت في أصلابك بين الضلوع.

عند محو كل فكرة قديمة وتحل محلها فكرة جديد فأنت تقتلع من جذور أفكارك وتهز كل ضلع بكيانك حتى تُحدث التغيير المنشود لزيادة معرفة الحقيقة. وكل يوم تُفاجأ بمعلومة جديدة رشيدة تحثك على البحث أكثر وأكثر. وتقلب الصفحات وتقلب الكتب والمكتبات والنت حتى يُصبح عقلك مثل باحث جوجل الذي لا يشبع من تخزين المعلومات الجديدة وتحديثها كل ساعة وكل ثانية.

محو الذاكرة الأليمة يكون أليما جداً لأنه يوقظ فيك هذه المشاعر التي إختبرتها سابقا وستتردد عليك هذه الذاكرة مرارا وتكرار لشدة عمقها في داخل وعيك وتراكمت فوقها ذاكرة السنين الطوال بذكريات أخرى ربما أشد ألما

هذا الاهتزاز الفكري الذي تمر به هو مثل هز جذع شجرة عقلك وكيانك ووجودك وجسدك وتمر بصدمات جديدة بحياتك لم تكن تتوقعها وتُفاجأ بأحداث جديدة وتغيير كبير على حياتك حتى أنك تشعر أنك غريب بين كل من حولك ولا تطيق الطاقة التي تبدأ تتنزل عليك. وشعور الغربة هذا هو شعور العودة لكن بالنسبة لك لا يزال الطريق مجهول ويصارعك الخوف من القادم لأنك لم تسلك هذه الطريق من قبل بحياتك حتى أنه يراودك الشكوك بأن ما تقرأه من معلومات جديدة قد تكون مغلوطة مثل سابقتها. ويبدأ عندك اجتماع الشك والتردد والخوف لإحباطك من الاستمرار بالشروع بهذا المشروع الجديد مشروع الوعي الجديد.

أعلم أن هذا المشروع الجديد في الوعي هو الربو في نفسك وكل ما زاد الربو بداخلك يزيد الشغف لديك أكثر وأكثر للمعرفة وتقصي الحقائق وتبدأ بالتأمل ودخول برامج الطاقة مثل البرانا هيلينغ والريكي واليوجا والتنمية البشرية وغيرها من برامج التطوير. هذا الربو يُريك أشياء جديدة بحياتك وفعلا تتطور وتتقدم للأحسن وتبدأ بالشعور بأن ربك الداخلي يُناديك للرجوع إلية بالنفس الراضية المرضية. وهذا الربو من ربك هو لتهذيب النفس وإعادة تربيتها من جديد لأننا تربينا على القديم والبالي.

"مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ"، هذا أول الطريق للسالك هو في دائرة الربوبية. سُنة الدائرة الربوبية هو التربية بالتدريج وبسهولة ولين ونُصح وإرشاد على هَين وعدم الإستعجال وإلا لأخذنا من أثر الرسول واستعجلنا وشربنا من العجل السامري. من يستعجل بسلك هذه الطريق لن يتيقن ويُدرك بواطن الحقائق ويبقى عالق مع شيطانه الذي سيُزين له القشور على أنها هي الطريق القويم. لأن مهمة الشيطان تنشط جدا بهذه المرحلة ليخدعك وتضل عن سبيل الله. لأن الخروج من دائرة السوء دائرة الشيطان ليست سهله فأنت سابقا كنت تتعاون معهم وعملت عهود معهم لا يمكنك نقضها بسهولة كما تظن وتعقد. عليك دفع بند جزاء إخلالك باستمرارية العقد معهم.

وإن استعجلت بالخروج من دائرة السوء تناغمت ذبذباتك مع ذبذبات الشيطنة بداخلك. وحتى يزيدك إغوائاً يفتح لك عينك الثالثة وتبدأ برؤية صور ورموز سرية يُريها لك لأول مرة حتى تظن أنك أصبحت فالحاً ووصلت لطريق الله. دائرة الربوبية لتربى نفسك بحاجة لنَفَس طويل ووقت طويل وسنين طويلة وربما مع البعض يحتاج حيوات كثيرة لأن التخلص مما علق بذاكرة اللاوعي بالماضي لا يُمحى بسرعة. إنما كُل ذاكرة بحاجة لوقت لمحوها ونسج ذاكرة جديدة نقية صافية محل منها. "أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ۚ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ۗ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ".

محو الذاكرة الأليمة يكون أليما جداً لأنه يوقظ فيك هذه المشاعر التي إختبرتها سابقا وستتردد عليك هذه الذاكرة مرارا وتكرار لشدة عمقها في داخل وعيك وتراكمت فوقها ذاكرة السنين الطوال بذكريات أخرى ربما أشد ألما مثل بحر لُجي يتراطم الموج ظلمات فوق ظلمات إن مددت يدك لن تراها. وحتى تتحرر من هذه الذاكرة الأليمة لا بد أن تمر بتجارب مُشابهة لتُحدث ذِكرا فيك لهذه الذاكرة الماضية وتحدث الأحداث أمامك كأنها شاشة عرض سينمائي لما قمت به سابقا وتكون هذه التجارب مع الأهل أو الأخوة أو الأزواج أو الأبناء أو مع الزملاء في العمل ومن محيطك وواقع بلدك الاقتصادي والحكم فيه.

"لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَااكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَاتَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَاتُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ".

الألم الذي تشعر به هو بسبب تقطيع الأحبال الأثيرية السوداء التي نسجتها سابقا بين خلايا جسدك لتستبدلها بخيوط أحبال نور بيضاء. كذلك الألم ينتج لأنك تنسلخ من صور عوالم مُظلمة ودخولك لعوالم نورانية، فالخروج مؤلم والدخول أيضا مؤلم لعوالم النور من شدة طاقتها كما آية: "وَآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.