شعار قسم مدونات

ماذا لو كنتِ آخر امرأة على وجه الأرض؟

BLOGS مرأة

ماذا لو انتهى العالم بالشكل الذي نعرفه واختفت كل النساء.. وكنتِ آخر امرأة على وجه الأرض؟ ماذا لو وجدتِ نفسكِ محاطة بحشد كبير من الرجال الغاضبين، الخائفين، المعتدّين، المتكبّرين، الضعفاء.. والمساكين.. وكثير من المجانين.. أطفال وحيوانات أليفة… وسيارات مسرعة ورجال شرطة.. وقوة مكافحة الشغب.. ورجال دين.. وحكام فاسدين.. وأنتِ امرأة واحدة.. تستحوذ على أنظار العالم؟ هل سيتمّ تمزيقكِ أشلاءً بين طفل يحتاج لأمه حين تخيفه الكوابيس ليلاً، وطفل كبير لا يقوم بإعداد وجبة العشاء حين يشعر برغبة في ذلك خلال منتصف الليل؟

هل سيتمّ تقطيع ثوبكِ بين أساطيل تحرّكت لأجل كل نساء العالم وجنود انتصروا في معركة إسقاط مملكة.. ثم انصرفوا إلى نهب ثرواتها.. وسبي نسائها؟ هل سيتناثر شعرك في طريق العودة نحو منزلك الكائن في أعلى تلة.. حيث لا يصل إليكِ سوى رجل واحد بموجب ختم وورقة.. يقوم بتمزيقها حين ينجح الألمان باستنساخكِ و تصنيع نساء أخريات.. ربما أجمل منكِ وأذكى منكِ.. ومن يدري.. ربما مطابقات لكن أكثر إغراءً؟ هل ستصبحين عرضةً لنظرات أغبياء الطريق والأرصفة وحدكِ وتسمعين كل ما يجول في بالهم من أفكار قذرة وسطحية والتي لطالما أشعرتكِ بأنكِ مخطئة حتى حين لا تخطئين؟ هل ستحملين عبء الأشهر التسعة وحدكِ و تضمنين استمرار البشرية بعد موتكِ.. ماذا لو أنجبتِ رجالاً فقط؟ هل ستحملين عبء ذلك أيضاً؟ حتى بعد موتكِ؟

لن تنالي من العالم إن كنتِ وحيدة أو كانت بصحبتكِ كتيبة جنود كاملة.. لأن العالم أكثر تعقيداً من رغبات طفلة لم تنضج بعد.. أو امرأة تريد قلب المعادلة رأساً على عقب

هل ستصنع لكِ الشعوب والقبائل تمثالاً.. وتضع صوركِ داخل المعابد وفوق الساحات العامة.. ويزيلون صور النساء فوق الطرقات العامة.. وإعلانات محلات الألبسة والمجوهرات والعطور.. وعارضات "فيكتوريا سيكريت".. لأن الترويج لجسد غير جسدكِ هو ربما حلم لن يتحقق؟ هل ستصبحين العارضة الوحيدة؟ وترتدين ثياباً بتوقيع أهم مصممي الأزياء.. وتصبحين أجمل امرأة في الوجود؟ أقله حين تسمعين "أنتِ أجمل امرأة رأيتها في حياتي" قد تكون حقيقية.. هل ستشعرين بالاكتفاء؟ وتتبلور أنوثتكِ.. بالألوان الزاهية.. والعطور الأخاذة.. أم أنكِ ستنتفضين على الصورة النمطية وترتدين بنطالاً واسعاً.. وقميصاً ممزقاً.. وتحفرين جلدكِ بصور الجماجم وأبيات شعر ثورية.. وعبارات رفض.. وربما قليل من الشتائم..

هل ستشعرين باكتمال كل ما فيكِ حين تجدين رجلاً حقيقياً يضع كل إمكانياته في ميزان رغباتكِ المتقلبة.. أم أنكِ ستقفين حائرة أمام كمٍّ كبير ووابل من الهدايا والكلام المعسول.. والمواقف الرجولية الجذابة؟ هل ستهربين من كلّ ذلك وتختبئين داخل صندوق، وتبتلعين المفتاح كي لا تدفعكِ نفسك مرة أخرى لاستغلال كل ما حولكِ من فرص وإغراءات.. ورغبات مكبوتة.. وحاجات ملحّة.. وتنتظرين معجزة من نوع آخر؟ هل ستكونين آخر امرأة على وجه الأرض تعتقد بأنها آخر امرأة على وجه الأرض وبعد موتكِ سيدرك العالم بأنّ غروركِ لم يكن ينمّ يوماً عن شعور بالخذلان ولخوف.. بل كان ثقة وتامة بأنك محور والشعر والنثر والدين والجغرافيا والتاريخ.. والفلسفة والسياسة.. كلها تدور حولكِ.. هل ستكونين وحيدة؟ مستقلة.. متمرّدة.. غير آبهة.. أم أنكِ ستدركين أن الموت دون جنازة.. تافه.. كالحياة دون حفلة ميلاد..

بمطلق الأحوال.. لن تنالي من العالم إن كنتِ وحيدة أو كانت بصحبتكِ كتيبة جنود كاملة.. لأن العالم أكثر تعقيداً من رغبات طفلة لم تنضج بعد.. أو امرأة تريد قلب المعادلة رأساً على عقب.. لا بأس بالقليل من التمرّد و الدهاء.. والرغبات العابرة.. والشعور بالاكتفاء.. لكن المعادلات لا تتغيّر حتى لو أردتِ لها ذلك.. حتى و لو كنتِ الشخص الوحيد الذي ببقائه تبقى الإنسانية وبفنائه تفنى.. عزيزتي.. أنتِ كالرجل بحدّ ذاته.. و حين تدركين ذلك.. تدركين بأنكِ وإن أخطأتِ.. لا تستحقين أن تُعاملي كأنكِ آخر امرأة على وجه الأرض.. والأهم من ذلك لن تكوني آخر امرأة..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.