شعار قسم مدونات

الكراهية في زمن الإنستغرام!

blogs هاتف

من المعلوم أن الكراهية وكل ما جادت ولا زالت تجود به النفس البشرية موجود وقديم قدم التاريخ، لا شيء جديد يذكر على هذا المستوى، الجديد هو الإطار الذي جعل من التعبير عن المشاعر السلبية تجاه الآخر وعدم احترامه، عن قصد أو عن غير قصد، أمرا يسيرا تمت دمقرطته تدريجيا من طرف رواد منصات التواصل الاجتماعي، دمقرطوه بالإعجابات والمشاركات والمتابعات غير المسؤولة! تلك الطاقة السلبية التي تخلقها سلوكيات بعض مستعملي هذه المنصات، والتي يمكن أن تكون على شكل تعليقات ورسائل ملغومة يعبر فيها المرسل عن حقده وكرهه للمرسل إليه بكل أريحية ودون أي وازع أخلاقي، أو على شكل صور شخصية مسربة دون مراعاة مشاعر أصحابها وخصوصياتهم مما يمكن أن ينتج عنه مشاكل نفسية لهم ولذويهم ومواقف لا يحسدون عليها.. هي في الحقيقة بذرة زرع الكراهية في نفوس الانستغراميين!

لنترك جانبا حسنات وإيجابيات منصات التواصل الاجتماعي، فهي لا تعد ولا تحصى: تعليم وتثقيف عن بعد، تسهيل الوصول إلى المعلومة، السفر عبر التاريخ، التطوير الذاتي والمعرفي وما إلى ذلك من تجليات الجانب المشرق للانستغرام وإخوانه.. ونتحدث عن الخطر الذي يهدد الصحة النفسية لبعض الأطفال والمراهقين، أولئك الذين يتركون بين أيدي المؤثرين من غير توجيه حقيقي، لا أحد يخبرهم بالحقيقة! فالفتيات أصبحن يكفرن بجمالهن الطبيعي أمام جمال الفاشونستات الزائف، والصبيان كذلك، صاروا قليلي الصبر ومحدودي الطموح، يريدون الحصول على جودة حياة المؤثرين في حين أن القدرة على التحليل والتمييز بين ما هو مشكوك في صحته وبين ما هو حقيقي لم تنمو داخلهم بعد.

    

أصبحوا يلقبون أنفسهم بالمؤثرين ولعل جلهم لا يعلم معنى أن تكون مؤثرا في آراء الناس، لا يعلم أن ليس المؤثر من يسمي نفسه مؤثرا

يقارنون أنفسهم ومستوى عيشهم بأشخاص لا يعرفون عنهم شيئا غير صورهم، صور تكاد أن تكون هي الأخرى مزيفة، ويمكن لذلك أن يسبب نوعا من عدم التوازن وعدم الرضا عن الذات، مقارنات لا أساس لها من المنطقية، كيف تكون المقارنة مع شخص، صحيح أنك تعرف تفاصيل حياته اليومية وإنجازاته إذا كانت لديه إنجازات تذكر، ولكنك لا تعرف أدنى تفصيل عن حقيقة كل تلك الأحداث والمظاهر، ما إذا كان يستحق كل ذلك الاهتمام الذي توليه له وكل ذلك الألم الذي يسببه فعل مقارنتك به.. وخصوصا كل تلك الكراهية التي تشعر بها تجاه نفسك؟
  
وأظن أنه لمن الضروري الحديث عن المؤثرين الجدد، أشخاص ممن سنح لهم الحظ أو أي ظرف آخر من ظروف عالم الأنترنت أن يلتف حول حساباتهم بعض الآلاف من المتابعين، أصبحوا يلقبون أنفسهم بالمؤثرين ولعل جلهم لا يعلم معنى أن تكون مؤثرا في آراء الناس، لا يعلم أن ليس المؤثر من يسمي نفسه مؤثرا وإنما هي جهات معينة غالبا ما تكون إدارات العلاقات العامة والتسويق بالمؤسسات العامة والشركات الخاصة، تقوم باختيار أشخاص لهم من الكاريزما والقدرة على التأثير ولهم من الإنجازات والتميز ما يجعلهم أهلا للتأثير، إنجازات في شتى المجالات والميادين بغض النظر عن نوعيتها وعن قيمتها الأخلاقية، فذلك لا يهم في شيء مادام اختيار الشخص المؤثر يعتمد أساسا على الهدف والرسالة المرجو إيصالهما عن طريقه (هدف تجاري، سياسي، توعوي…) وكذا على نوع الجمهور المعني بالأمر، أحيل القارئ هنا إلى كتاب بروباغاندا لإدوارد بيرنايز والذي يتحدث عن أساسيات هذا الموضوع بشكل مفصل.

وبهذا فأنا أظن أنه من الصعب على شخص لم يكسب ثقة الناس خارج أسوار العالم الافتراضي بطريقة أو بأخرى وليس له أي صيت في الفنون أو العلوم أو الرياضة مثلا، أن يسمي نفسه مؤثرا، فلا ضير في ما يقوم به من إعلانات لعلامات تجارية أو لأشخاص معينين، لأنه عمل كأي عمل حر آخر، ولكن الضير في استعمال كلمة "مؤثر" لإضافة جرعة من المصداقية على الحساب بغرض جذب انتباه المستشهرين والمتابعين.

  

راجع حساباتك، لا أقصد حساباتك الواقعية، وإنما الافتراضية منها، اسأل نفسك من تتابع من غير أصدقائك الواقعيين؟ ماذا أستفيد من متابعتي لهم؟
راجع حساباتك، لا أقصد حساباتك الواقعية، وإنما الافتراضية منها، اسأل نفسك من تتابع من غير أصدقائك الواقعيين؟ ماذا أستفيد من متابعتي لهم؟
   

هناك نوع آخر من الكراهية يتجلى في رفض الاختلاف، ولعل رفض الاختلاف هذا ينتهي عند الرفض فقط، بل يتعداه إلى الهجوم وعدم احترام حرية الآخر المختلف! وبذلك تتحول تلك المنصات من وسائل للتواصل لتصبح وسائل لفرض التواصل، لأن الهدف من هذه الأخيرة في الأصل هو الصلة والحفاظ على علاقات تكونت في العالم الواقعي وربما خلق أخرى مع أشخاص تجمعنا معهم اهتمامات وتقاربات فكرية مثلا… ولكن ليس لفرض التواصل لا لغرض سوى التحقير واقتحام الخصوصية والحرية الفردية لأن ذلك يولد كراهية العالم في غنى عنها!

راجع حساباتك، لا أقصد حساباتك الواقعية، وإنما الافتراضية منها، اسأل نفسك من تتابع من غير أصدقائك الواقعيين؟ ماذا أستفيد من متابعتي لهم؟ ما نوع الطاقة التي تتركها زياتي لحساباتهم؟ هل أشعر بعدم الرضا عن نفسي وواقعي؟ هل أشعر بنوع من النقص أو الغضب؟ هل ساعدوني في التطوير من ذاتي وزرعوا في نفسي الطموح وحب المعرفة والبحث؟ اطرح على نفسك كل الأسئلة التي تخطر على بالك، وبعدما قرر البقاء أو الرحيل…وتذكر أن عقلك الباطن يقوم بدون علمك بتخزين المحتوى الذي تراه على صفحات من تتابعهم، ويحولها إلى أحاسيس وقرارات وتوجهات من الممكن أن تؤثر كثيرا على جودة حياتك.. وذلك إما سلبيا أو إيجابيا!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.