شعار قسم مدونات

بين الديمقراطية أو الاستقرار.. هل خُدِع الشباب العربي؟

blogs ثورة يناير

مشكلة بعض المصطلحات السياسية وسوء فهمها وشيطنتها لا تزال تُشكل عقبة أساسية أمام المجتمعات العربية لتقبلها والإستفادة إلى أبعد مدى منها. تأتي في طليعة هذه المصطلحات، الديمقراطية، التي أصبحت مُرادفاً للحرب الأميركية على العراق في ٢٠٠٣ وإحتلاله. عندها، وُضع الشباب العربي بين نموذجين للحكم السياسي، شاءت قوى الأمر الواقع في الإقليم العربي أن تجعلهما خيارين أمام الشباب العربي.

هل الديمقراطية تؤدي إلى الفوضى؟

من إحدى المبرّرات التي قدمتها إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش للحرب على العراق هو نشر الديمقراطية. في ٢٠٠٣ أسفرت الحرب عن سقوط مئات آلاف الضحايا والجرحى وهدم البنية التحتية وإشتعال حرب أهلية مذهبية. لكن هذه الفوضى الأمنية ترافقت مع عدة إنتخابات جعلت مجموعة من القوى الطائفية تتحكم بمفاصل الحكم بالعراق عبر صندوقة الإنتخابات. كان درس العراق قاسياً، للعراقيين أولاً، وللشباب العربي بالدرجة الثانية. فالشباب العربي كان يطمح إلى الديمقراطية والدولة المدنية وحكم المؤسسات وتداول السلطة، حتى جاءت حرب العراق وقدمت نموذجاً عن الديمقراطية، نموذجاً متوحشاً وسيئاً. ولا شك أن ما مُورس في العراق بعد الحرب عليه ليس المفهوم المثالي للديمقراطية، بل ديمقراطية شكلية إفتقرت للحدّ الأدنى من مقوّماتها وأسسها. إذ تتطلب الديمقراطية الحقيقية ثقافة ممارسة وتأهيل لنخب سياسية وطنية لا طائفية تقود البلاد والعمل لأجل دولة مدنية قوية يحكمها الدستور والقوانين.

الاستقرار أي التمسك بأدبيات النظام العربي الرسمي القديم أو التغيير والديمقراطية وبالتالي تحمل ويلات الحرب والإقتتال الداخلي وإثارة النعرات الطائفية والعرقية

وكل هذه العوامل لم تكن متوفرة في النموذج العراقي ، بل إكتفت القوى السياسية التي جاءت بعد سقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بحكم الأكثرية كعنوان كبير دون الإهتمام بتفاصيل الديمقراطية. نتج عن ذلك تسويق لأفكار سيئة عن الديمقراطية شوّهت معناها في وعي العرب وقدّمت التبرير الكافي للأنظمة العربية الحالية لشرعنة وجودها. والخطأ الذي وقع فيه كثر هو أن الفوضى الذي حصلت في العراق سببها الأساسي الإحتلال الأميركي وتبعاته، لا الديمقراطية كمفهوم عام، فالديمقراطية لو طُبّقت تبعاً للعوامل التي ذُكرت أعلاه، لكان العراق نموذجاً جيداً يُحتذى به في هذا المجال.

الاستقرار هو أولوية!

نموذج آخر حصل في سوريا بعد بداية الربيع العربي في ٢٠١١، عندما تحوّلت المظاهرات الشعبية السلمية ضد نظام الرئيس بشار الأسد إلى حرب إقتتال داخلية ذات أبعاد إقليمية ودولية. وبعد الخسائر البشرية والمادية الهائلة التي حصلت، بدأ الترويج لفكرة تقول أن الإستقرار الأمني والإجتماعي والسياسي أهم من الديمقراطية والحريات. إذ كان مقصوداً ما كان يُردده البعض بأن من يريد الحرية في سوريا عليه أن يدفع ثمنها غالياً، سواء دماً أو تهجيراً أو فقدان للإستقرار. مرّة أخرى، يوضع الشباب العربي أمام خيارين، إما الاستقرار أي التمسك بأدبيات النظام العربي الرسمي القديم أو التغيير والديمقراطية وبالتالي تحمل ويلات الحرب والإقتتال الداخلي وإثارة النعرات الطائفية والعرقية إلخ.

الخديعة!

هذا التخيير المتعمّد بين شيئين جميلين، أراد من خلاله الخطاب الرسمي العربي الإيحاء بإستحالة الجمع بينهما. فاشترط وجود واحد منهما يكون سبباً للقضاء على الآخر. هذه المعادلة كانت خديعة للشباب العربي الطامح بالتغيير، وقد وقع البعض في فخها، عندما إعتقد أن الديمقراطية هي مشكلة وسبب للفوضى على عكس حقيقتها وجوهرها. لكن فئات شبابية أخرى تخوض يومياً معركة إعلامية وأخلاقية لتوضيح ماهية الديمقراطية وغاياتها النبيلة.

الديمقراطية هي الحل

لذلك، على الشباب العربي أن يُؤْمِن أولاً بأن الديمقراطية هي الحل، يجب الدفاع عنها كطريق لبناء الدول العربية الحديثة التي تُحاكي هموم وقضايا القرن ٢١، عبر توضيحها للرأي العام أولاً وجعل الناس يقتنعون بأنها درب الحقيقة والإستقرار لا الفوضى المتعمّدة من قبل المتضرّرين منها لشيطنتها وجعلها رديفاً للحروب والعنف والعبثية. وهذا يتطلب أن تقود النخب العربية مشروع توعية الناس وإعدادهم وتأهيلهم لممارسة الديمقراطية وتكوين الثقافة المطلوبة عنها. عندها فقط، لن يستطيع أحد تخيير الشباب العربي بينها وبين الإستقرار، سيكتشف العرب أن الديمقراطية وسيلة للتطور والتقدم والإستقرار نحو مستقبلٍ أفضل تكون فيه الدول العربية وشعوبها على قدر التحديّات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.