شعار قسم مدونات

أورويل والثورة.. ما بعد التحرير

blogs مزرعة الحيوان

"قد يحدث في أكثر من بلد إسلامي أن تجد البلاد نفسها بعد الثورة في الوضع السابق على الثورة بل ربما أكثر خطورة بل إنها قد تجد نفسها من جديد في ظل أيدولوجيا يسقط من أجلها الأبطال ولا يتعرفون على الأفكار التي من أجلها سقطوا كما لو كانت عجلة الثورة وأفكارها تدور أثناء الثورة نحو الوراء"

-مالك بن نبي

  

في روايته الشهيرة" مزرعة الحيوانات" يحكي أورويل كيف تثوْر الحيوانات على صاحب المزرعة وتطردهُ منها لتستولي عليها لاحقاً وتصبح السلطة والإدارة في مُتناولِ يدها. تعقد الحيوانات مجلِساً لها وتضع المبادئ الثورية السبعة وهي بمثابةِ الدُستور، على جميع الحيوانات اِحترامها والالتزام بِها، يتقاسمون المهام فيما بينِهم لتسيير شؤون المزرعة وتتولى بعض الحيوانات المناصب الإدارية فيها.

 

بعد فترةٍ زمنية يبدأ نابيلون -وهو أحد الحيوانات الموجودين في السلطة الإدارية- بالجشعِ والاستبداد بالحُكمِ وحده دوناً عن غيره، كما يقوم بتجاوز بعض مبادئ الثورة وتخطيها مما يثيرُ حفيظة الحيوانات الأُخرى خصوصاً سنوبول -وهو أحد الحيوانات الموجودين في السلطةِ الإدارية أيضاً وهو المواجه الرئيسي لنابليون- يبدأ سنوبول بالتذمر من أفعال نابليون وتصرفاته ليستشعر الأخير الخطر من وجود حيوان مثل سنوبول مُنازعٌ ومنتقدُ له في الأفعال التي لا تصُب في مصلحة المزرعة والحيوانات، أيضاً ما يفعله سنوبول من تعليم القراءة والكتابة للحيونات وتوعيتهم بمبادئ الثورة وقيّمِها وهذا ما لا يُريده نابليون ليقوم بنفيه خارج المزرعة ويُبرر فعلته بحجة خيانة الثورة وأهلها. هكذا يستفرد نابليون بالسلطة وحده ويشكل حرساً شرِساً خاصاً بهِ، ينتهك ويحرّف أغلب المبادئ الثورية. على غِرار صاحِب المزرعة السيد جونز يغدو نابليون مثله، حيوانٌ طاغِي، ديكتاتوري بنكهةٍ ثورية.

 

نعلم أن على كاهل هذه المؤسسات الكثير من العبء والأحمال الثقيلة، والمهمة ليست بالسهلة، المتطلبات كثيرة والموارد محدودة ومُعظم هذه المناطق تفتقد البُنية التحتية

رواية أورويل كانت العمل الأدبي الأشمل والأدق الذي صور حال الثورات حول العالم؛ يقدم لنا تجربة خالصة والعاقل من استفاد مِنها وهي روايةٌ حُظِرت في العديد من الدول كالاتحاد السوفييتي، الولايات المتحدة الأمريكية، كوبا والإمارات. وقد صنفتها مجلة "Time" من أفضل 100 رواية باللغة الإنكليزية في القرن العشرين. هُنا لا بد من قائلٍ يقول: إذاً لا فائدة من الثورة ما دمنا سنتخلص من طاغية ليأتينا آخر، أو كما يُقال في المثل العامي "طلعنا من تحت الدلف لتحت المزراب". لكِن ما لا يدركه القائلَ إن العيب ليس في الثورة، العيب في ناسِها وثوّارها إن رضوا بالطاغية الجديد واستكانوا له، إن قبلوا على أنفسهم حكماً استبدادياً آخر. إن الثورة هي الوحيدة القادِرة على تحرير الناس من الظلم والعُدوان.

 

اليوم، تتمثل صورة مشابهة جداً للواقع الحياتي بالواقع الأدبي في مزرعة الحيوانات في المناطق المحررة في الداخل السوري التي تحكمها الهيئات المحلية والمجالس العسكرية. في البدء علينا القول إن هناك فكرةً باطنية لم تستطع هذه المؤسسات والهيئات أن تتخلص منها أو أنها أقنعت نفسها بإنها تخلصت منها، ألا وهيَ أنه لا يجب أن يكون للسلطات الحاكمة معارضة تنتقِدُها وتُراقِبُ أفعالِها. ألم يدري أعضاء هذه المؤسسات أنه من أساسيات ومبادئ الحكم الديموقراطي الذي ينشِدونهُ ويَتغَنوْنَ بهِ وجودُ معارضة شعبية. إذ من المستحيل وجود سلطة حاكمة في بلدٍ ديموقراطي ولا تجد معارضة للسلطة تُراقِب أفعالَها وتصرفاتها، علاوةً على كيل اِتهامات التخوين والعمالة لِكل من عارض وانتقد، إن هذه الطريقة طريقة النُظم الاستبدادية وبِها نفوا وقتلوا واعتقلوا الألُوف. ونحن هنا نتحدث عن معارضة شعبية منهجها الفكر القويم والنقد البناء الصحيح، معارضة ليس لها هدف من أفعالها تأجيج الفتن وتفريق الشعب لمصالح خاصة بها، معارضة تبني لا تدمر، تسد لا تفرق.

 

نعلم أن على كاهل هذه المؤسسات الكثير من العبء والأحمال الثقيلة، والمهمة ليست بالسهلة، المتطلبات كثيرة والموارد محدودة ومُعظم هذه المناطق تفتقد البُنية التحتية. كما نعلم أن هناك أشخاصاً صادقون يعملون بكل ما أوتوا من جهد وطاقة ليقدموا ما يستطيعون ولا يتآنون عن بذل الغالي والنفيس في سبيل ذلك، ونحنُ بِدورنا نشكرهُم بأسمى آيات العُرفان والتقدير، لكن بالمقابل عليكم أن تُدِركوا جيداً فأنتم قد خُضتم هذهِ المخاضة وذاق أغلبكم ورأيتم ما آل إليه حال الشعب في ثماني سنوات حتى وصل إلى هذه المرحلة، عليكم أن تعلموا جيداً أن الشعب لن يرضى بحٌكمٍ يشوبه ظلم ولو كان بجزءٍ يسير، لن يرضى إلا بُحكمِ قائم على العدلِ والمُساواة أمام القانون دون محسوبيات للقوي والغني ولن يقبل بالتخوين والتكذيب، كونوا أَهْلَ عدلٍ وثِقة للشعب يَكُنِ الشعب لكم أَهْلَ عونٍ ومَدَد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.