شعار قسم مدونات

خافت من "الله أكبر" فبكى صديقي.. قراءة في مقال جيسون جونز

جیسون جونز

قبل الدخول لمقال جيسون جونز ذات العنوان "هجوم كرايستشيرش الإرهابي على الحضارة الغربية" والذي نشره في موقع ذي ستريم الأمريكي هنا:

علينا أن نعرف من هو جیسون جونز؟

أود تعريفه لكم في هذه العجالة بأنه منتج سينمائي ومؤلف وناشط وعامل في مجال حقوق الإنسان، یشغل منصب رئيس منظمة Movie to Movement ومنظمة تعليم حقوق الإنسان (H.E.R.O.)، ومدير التوعية على أساس الإيمان في حملة (بوش – تشيني) الرئاسية عام (2004)، ومدير الحملات الشعبية الوطنية للمرشح (برونباك) للرئاسة عام (2007)، ونائب لرئيس الحملة الوطنية لتيد كروز لمنصب الرئيس (2016). كاتب منتظم في موقع الاخبار "ذي ستريم" والذي يملكه ويديره القس جيمس روبيسون المرشد الديني للرئيس ترامب وأبناءه، ولجيسون كتب من بينها "السباق من أجل انقاذ قرننا" و"العالم على النار" وله الكثير من الافلام الوثائقية بعضها فازت بجوائز عالمية.  

 

قراءة في الموقف والمقال:

باختصار يدين جيسون العملية الإرهابية التي حدثت في كرايستشيرش بنيوزيلاندا، بل يذهب أبعد من ذلك عندما يقول إن العملية تستهدف الحضارة الغربية المبنية على التقليد السياسي الأنجلو أمريكي أو الفلسفة السياسية الغربية التي تريد أن تثبت لنفسها أنها ضد الكراهية عندما يقول جيسون في مقاله:

 

الأسوأ الذي حصل في عالمنا تاريخيا ويحصل حاضرا أيضا، هو قتل الإنسان على الدين والمعتقد، فالدين هو دين الله وهو الذي خيّر الإنسان على اتباع أي دين من دون أديان أخرى

"لا يمكن لأي شخص أن يجعل الفلسفة السياسية الغربية، ليبرالية أو بغيضة إلا من خلال حرفها عن حقيقتها. إنها منظومة الأفكار التي أعطتنا ماجنا كارتا "الميثاق الأعظم"، ودستور الولايات المتحدة، وفي وقت لاحق إلغاء العبودية، في كل من بريطانيا والولايات المتحدة. هذا التقليد الفكري نفسه أعطانا ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وضمان كرامة الإنسان ضد الكراهية والليبرالية والإقصائية للنظام النازي في نورمبرغ." ويقول جيسون ايضا في مقاله: "كل هذه الوثائق تنبع من نفس الفلسفة السياسية التحررية والإنسانية التي كانت تقف دائما ضد أي فصيل يهدد بتحريض الإنسان على الإنسان. وفي تلك الفلسفة السياسية نسمع أيضًا أصداء بركات الدين الحقيقي والتسامح. على حد تعبير توماس جيفرسون الشهير، "جميع الرجال خلقوا متساوين"، و"ولقد منحهم خالقهم حقوقا غير لا يمكن انتزاعها".

 

هذا ما يقوله جيسون وهو ما يتطابق في الكثير منه مع روح الإسلام فعمر بن الخطاب هو الذي قال "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم أحرارا" ناهيك عن القرآن الكريم الذي جعل قتل الإنسان الواحد البريء كـ "الإبادة الجماعية" عندما ساواه بقتل جميع الناس في هذه الدنيا، وعلى العكس من أحيا إنسانا كأنما أقام كرنفالا عالميا لإحياء جميع الناس، كما في الآية الكريمة 32 في سورة المائدة: "مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ".

 

الأسوأ الذي حصل في عالمنا تاريخيا ويحصل حاضرا أيضا، هو قتل الإنسان على الدين والمعتقد، فالدين هو دين الله وهو الذي خيّر الإنسان على اتباع أي دين من دون أديان أخرى، بعد أن وضّح له كل شيء، وقال هذا صواب وذلك خطأ، وأنت "الانسان" لك الخيار في ما ستختار؟!

 

لو فعلا أراد الله الموت لمن لا يتبع دينا او معتقدا معينا، لما انتظر عبدا من عباده يقوم بهذا الدور، فالإنسان ليس هو القاضي على الآخرين بل هو الداعي والمصلح هذا فيما إذا رغب أن یكون له دور الخادم للآخرين، ويكون في صالحهم، أما قتل الآخرين بحجة أنه مخطيء أو منحرف أو متبني لدين أو معتقد في نظره غیر صحیح، فهذا هو ممارسة اعتداء على الآخرين واعتبارهم في مستوى دون مستوى القاتل وهذا مرفوض جملة وتفصيلا في الإسلام وغير الإسلام..

 

داعش قام بهذا الدور، قتل من تمكن من قتله من الآخرين من البشر، مسلمين وغير مسلمين، بحجة أنه في المسار الخاطيء مقارنة بما يعتقد به داعش، لو فرضنا ومن منطلق داعشي وقلنا إن داعش على حق في قتل الآخرين الذين ليسوا على ما داعش عليه، فالأصح "حسب المعتقد الداعشي" أن يقتلوا أنفسهم بأنفسهم لأنهم لم يستطيعوا هداية من يقتلونهم، وبقوا على معتقداتهم التي تعتبر بنظر داعش خاطئ’.. هذه حسب الفلسفة الداعشية.. "قتل من ليس على معتقدك" فأن تقتل نفسك أولىـ لأنك لم تتمكن من جعله على معتقدك!

 undefined

بعيدا عن الفلسفة الداعشية فغير المسلمين في بلاد المسلمين هم على ذمة المسلمين، والمسلمون يتحملون مسؤولية حمايتهم حسب الحديث النبوي الشريف: "من آذى ذميا فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة" سيكون الرسول صلى الله عليه وسلم خصم من آذى ذميا "والذمي هو من على غير دين الاسلام مسيحيا أو يهوديا في بلاد المسلمين" هذا مجرد إيذاء فما بالك بالقتل!

 

إذن من هذا المنطلق فإن داعش وتصرفاته استهدفت المسلمين وبلاد المسلمين وحضارة المسلمين بل دين المسلمين لا غیرهم! ومقارنة بسيطة بين فترة‌ ما قبل داعش وما بعده، ستظهر لنا من كان المتضرر من داعش؟ هل المسلمون ببلادهم وحضارتهم، أم غير المسلمين في بلادهم وحضارتهم؟!

 

وكذلك الإرهابي الذي قتل خمسين مسلما مصليا، عارفا لله، مرتادا لبيت الله، لعبادة الله، في يوم الله "الجمعة"، في مسجد النور بكرايستشيرش فی نیوزیلندا استهدف الحضارة الغربیة، كما يقول جيسون في مقاله، فتلك الحضارة الذي هرب إليها المسلمون من بلادهم من أجل حياة أفضل وأرفه، وللحصول على حقوقهم كبشر أكثر من حقوقهم في بلادهم المسلمة ذات الأنظمة الطاغية الدكتاتورية التي تظلمهم! وبعض هذه الأنظمة تظلمهم باسم الإسلام نفسه.. نعم تلك الحضارة التي شعروا في ظلالها بأمان جاء من باسمها ليقتلهم بهذه الطريقة!

 

المسلمون الذين قتلوا في نيوزيلندا ذهبوا بعيدا بعيدا إلى ما وراء البحار والمحيطات للحصول على حياة أفضل مما كانوا عليه في بلادهم في العراق، سوريا، ومصر، والأردن وغيرها من البلاد الإسلامية، هم قصدوا الحضارة الغربية التي يتحدث عنها جيسون، وعندما وصلوا وعاشوا لفترة وتمتعوا بما كانو يريدون ظهر هذا الوحش الإرهابي "المسيحي كما يصف نفسه" ليقتلهم بدم بارد واحدا بعد الآخر ويتمتع بالمشهد وكأنه يلعب لعبة البوبجي على جهاز الأتاري أو الآيباد وباسم المسيحية والحضارة الغربية التي يُنَظِّر لها جيسون! نعم هذا التصرف استهدف تلك الحضارة، التي يقول عنها جيسون في مقاله بانها أصلا كانت هي المستهدفة:

undefined

جيسون في مكتب الجزيرة في أربيل

"إن ما يسمى بـ "بيان" إرهابي كرايستشيرش مليء بالمزاعم الضخمة للذات بشأن الدفاع عن "الغرب" و"ثقافتنا" ضد "الغزاة". بل إنه ادعى أنه يقوم "بالانتقام" من الهجمات التاريخية على "الشعب الأوروبي. لكن على الرغم من مزاعمه بالدفاع عن الغرب، فإنه هو الغازي الحقيقي. أفكاره، مثل أفعاله، ليبرالية، وتواجه بشكل مباشر النوع الخيّر من "الليبرالية" التي تجعل الغرب يستحق القتال من أجله. إن ليبرالية إرهابي كرايست تشيرش هي بالتحديد ما يجب محاربته في أي دفاع عن الغرب الليبرالي. إنه ليس أفضل من الديانة الزائفة الفوقية المليئة بالكراهية لإرهابيي داعش الذين سعوا إلى تمزيق شعب العراق وسوريا. لكن الليبرالية تهدد بتجاوز وحكم كلا الجانبين من الطيف السياسي في الغرب، ما يقسمنا على أساس الطبقة واللون، والسعي دائما لتدمير كرامة الإنسان للآخر".

 

لا أخفي عنكم بأنني كنت في جولة جيسون جونز التي يتحدث عنها الى كردستان سنة 2016، وأعرف الشخص العراقي الذي يتحدث عنه حق المعرفة، وكنت أنا وهو من رتبنا لجيسون جونز وصديقه هذه الجلسة، وعرفنا بأنهما مسيحيان ويتبنيان أجندات منظمات مسيحية غربية، ويريدان دعم المسيحيين الذين هم ليسوا على ديني ودين صديقي العراقي، لكننا ساعدناهما لأنني أنا وصديقي أصلا نريد دعم المسيحيين في بلادنا، ودعم غيرهم من أتباع الأديان الأخرى في بلادنا المسلمة، فهم على ذمتنا وأي مكروه يصيبهم يصيبنا أكثر باعتبارنا الغالبية في هذا البلد ونحن المسؤولون عنهم، مثلما جيسون جونز وصديقه مسؤولون عما يصيب المسلمين في بلادهم باسم دينهم المسيحي..

 

نعم صدق جيسون، فعندما سرد الرجل اليزيدي في بعشيقة مأساته التي سببتها له داعش، وتعجب صديقي العراقي المسلم العربي من هول ما سمعه من اليزيدي وهو يترجم لجيسون هذا الهول، صاح صديقي عجبا "الله أكبر"، فنحن المسلمون عندما نسمع عجبا نقول "الله أكبر" فالله أكبر إضافة إلى أنها شعيرة وشعار نتعبد به نحن المسلمون فالكلمة أصبحت لدينا علامة تعجب أيضا! فقال اليزيدي أرجوك لا تردد هذه الكلمة الآن، لأن الطفلة تخاف، تُذكرها بداعش.. حيث قتل داعش الناس الأبرياء تحت هذا الشعار.. فلا تذكرها هنا! فأنهار صديقي بالبكاء، وعندما استفسر جيسون عما حصل ولماذا تبكي؟! قال صديقي "كيف لا أبكي فـ"الله أكبر" هي عبادتي وشعاري التعبدي أسردها في كل صلواتي، هي كلمة رحمة ومحبة، داعش جعلها كلمة يخاف منها الآخرون، كيف لا أبكي.   

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.