شعار قسم مدونات

عبد العزيز الثعالبي.. نسر تونس الخضراء

blogs الثعالبي

"فليكن الهم الأول لكل مسلم فينا هو التفكير في كيفية استرجاع مجد هذه الأمة، ثم العمل على تحقيق ذلك بالفعل"

-الثعالبي في مؤتمر القدس

  

إن الهدف الأساسي لأعداء هذه الأمة هو تشويه تاريخنا حتى نستحيل أمة بلا تاريخ وبلا مجد، فغزاة التاريخ عملوا على إخراج الأبطال والرموز والمناضلين في صورة الجبناء والخائنين أم طمس هويتهم أساسا. وبذلك يسقط مفهوم القدوة في أعيننا فلا نجد بعد بحثنا العقيم بطلاً تاريخيا ينير لنا سبل النصر والتمكين فنتحول إلى أمة بلا تاريخ أو إلى ذكرى منسية. ومن الأبطال التي خيم عليها شبح النسيان وغابت في غيابات التاريخ.

 

عبد العزيز الثعالبي الذي نادرًا ما سمعنا عنه، هذا النسر التونسي الذي حلق في سماء الأمة الإسلامية تاركا راية بطولاته ترفرف عاليا، تبدأ قصة هذا البطل مع أول دخول الاستعمار الفرنسي لتونس سنة 1881، حين وجدته أمه جالسا على رمال إحدى شواطئ تونس باكياً وحين سألته عن سبب بكائه أجاب: "يا أمي لم يضربني أحد، ولكن ألا ترين الفرنسيين يدخلون إلى بلادنا؟ إنهم يحتلون تونس، ولن يرحلوا عنها إلاّ إذا حاربناهم". بهذه العبارات بدأت مسيرة عبد العزيز الثعالبي ابن السبع سنوات حاملاً همّ تحرير بلاده منذ نعومة أظافره، عاقدًا العزم على كسر شوكة الاستعمار الفرنسي واستعادة استقلال تونس.

 

ل كذلك الثعالبي بالعراق وبنى علاقات وطيدة مع علمائها وقدم محاضرات ودروس عدة، وزار فلسطين وربطته علاقة جيدة مع مفتي فلسطين الأكبر أمين الحسيني وو عقد مؤتمر إسلامي بالقدس ودعا إلى تأليف جبهة قوية لصد العدوان الصهيوني

ولد عبد العزيز الثعالبي في 5 سبتمبر 1876 وأصبح أحد أوائل قادة تحرير تونس وأحد أبرز الزعماء الذين لم يؤثروا فقط في تونس بل في العديد من البلدان. قد تقتصر معرفة البعض عامة والتونسيين خاصة لعبد العزيز على أنه مؤسس الحزب الحرّ الدستوري التونسي وأنه مؤلف كتاب " تونس الشهيدة"، ولكن يغيب عن الكثيرين علمه وريادته ونضاله ضد فرنسا ومعاناته في السجون والمنافي ورحلاته إلى بلدان عديدة مازالت إلى اليوم تعترف بما قدمه لها. درس عبد العزيز الثعالبي في جامع الزيتونة ثم المدرسة الخلدونية والتحق بالعمل السياسي مبكرًا حيث أنشأ سنة 1896 الحزب الوطني الإسلامي الذي كان يدعو إلى الوحدة وتحرير العالم العربي، ثم ركز بعد ذلك على تحرير تونس واستقلالها قبل كل شيء من خلال انخراطه في حزب "تونس الفتاة" حيث كان نضاله لا يفصل الدين عن تحرير البلاد.

  

نشر الثعالبي عدّة مقالات باللغتين العربية والفرنسية فضح فيها جرائم الاستعمار الفرنسي وهو ما عرّضه إلى مضايقات وتنكيل اضطره إلى مغادرة البلاد سنة 1898. ثم عاد إلى تونس من جديد ليواصل نضاله ضد المستعمر الفرنسي حاملا همّ كل الأمة الإسلامية في وجدانه وظل الثعالبي يعرّف بقضيته لدى الرأي العام العالمي مما دفع الفرنسيين للقبض عليه سنة 1920 وتم الإفراج عنه تحت ضغط من التونسيين. لم يثني السجن عزيمة الشيخ الثعالبي فقد أسس الحزب الحر الدستوري التونسي سنة 1921 الذي كان من أبرز أهدافه تحرير تونس وسرعان ما عرف هذا الحزب انخراط العديد من التونسيين صلبه بفضل شهرة ومكانة عبد العزيز عندهم وهو ما دفع بفرنسا إلى نفييه إلى ايطاليا سنة 1923 بعد أن أصبح الحزب يهدد وجودها داخل تونس. ورغم ذلك فقد واصل الثعالبي جهاده من منفاه وقام برحلات للتعريف بالقضية التونسية وتمتع بالاحترام البالغ لما عُرِفَ به من دماثة أخلاق وانصرافه عن المصالح الشخصية إلى المصالح العامة ولما لمسوا عنده من علم وعقل وذكاء.

 

كما ترك عبد العزيز الثعالبي بصمته أينما حل إذ يصفه المثقف العدني " محمد علي لقمان " وهو أحد تلاميذه ب " أبو النهضة في عدن " لما حقق في اليمن من نجاح حضاري كبير من خلال نصائحه وتوجيهاته. حل كذلك الثعالبي بالعراق وبنى علاقات وطيدة مع علمائها وقدم محاضرات ودروس عدة، وزار فلسطين وربطته علاقة جيدة مع مفتي فلسطين الأكبر أمين الحسيني وو عقد مؤتمر إسلامي بالقدس ودعا إلى تأليف جبهة قوية لصد العدوان الصهيوني ولقبه الفلسطينيون بابن خلدون الجديد. سافر كذلك عبد العزيز الثعالبي إلى الهند والصين وسنغافورة وبورما أين بعث عدة مدارس قرآنية.

 

بعد هذه المسيرة عاد إلى تونس بعد 14 سنة في المنفى وحظي باستقبال شعبي كبير لكنه تفاجأ بتفكك حزبه وتحجيمه. وقد سعى بورقيبة إلى الحد من هيمنة الثعالبي الساعي إلى استعادة مجد حزبه واندلعت حرب معلنة بين الثعالبي الذي يحمل رصيد نضالي كبير وطنيا وعربيا واسلاميا وبين بورقيبة الشاب الطموح الذي يريد إزاحة كل من يعترضه، ولما أخفق الثعالبي في استرداد زعامته انعزل في بيته وتفرّغ للكتابة والتأليف وبقي يجاهد الفرنسيين بكتاباته ومقالاته ومن مؤلفاته: " تونس الشهيدة" و" الروح الحرة في القرآن" و" فلسفة التشريع الإسلامي" حتى توفي سنة 1944 بعد حياة حافلة بالنضال والكفاح سنين من السفر والترحال في سبيل رفع راية الإسلام وتحرير تونس.

  

وقد تم في تونس تجاهل انجازاته العالمية مما جعل أغلب التونسيين يجهلون وجود شخصية في تاريخهم بهذا الحجم بينما اعترفت العديد من الشعوب الأخرى بما قدمه لها من خلال تدريس مسيرة هذا البطل في المناهج الدراسية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.