شعار قسم مدونات

لمسيرة مهنية ناجحة.. هذا هو الطريق

blogs عمل

عندما نشاهد أفلاماً قديمة بالأبيض والأسود سواء درامية أو وثائقية أو علمية من منا لم يتمنَّ لو أنه عاش في ذلك الزمن؟ ومن منا لم يخطر بباله أنه لو كان في ذلك الزمن لكن شأنه المهني والوظيفي مختلفاً تماماً عن حاله اليوم الصاخب والتنافسي والذي لا ينتظر أحداً؟ لا أظن أحداً اليوم لم يدرك هذه الحقيقة، ولم يتأثر بها، ولم ترهقه سعياً وراء تحقيق النجاحات في عمله وبناء مسيرة مهنية متميزة ومتفوقة؛ فعالمنا اليوم مثله مثل قطارِ عملٍ سريعٍ لا يتوقف إلا لثوانٍ إما أن تدركه فتستكمل مسيرتك المهنية أو يتجاوزك فتتجاوزك مسيرتك المهنية وتقبع مكانك وظيفيًّا بلا نجاح أو إنجاز أو حتى طموح؟

في عالم كهذا لم يعد هناك مكان لانعدام الرؤى، أو لفقدان التصميم، أو للتكاسل، أو مجرد التوقف عن بذل الجهد. أمَا والحال هكذا؛ فكيف يمكن للمرء أن يبني مسيرة مهنية ناجحة، وأن يضع قدماً له في عالم الأعمال، وأن يترك أثراً لا يُمحى في ذاكرة الـ"Business"؛ في ظل شراسة المنافسة، والعالم الذي لا ينتظر؟ لتحقيق تلك المسيرة المهنية الناجحة أرجوك -قارئي العزيز- اتبع الخطوات الخمس التالية:

الخطوة الأولى: تمكَّن من تخصصك
ممارسة عادة النجاح حتى تصبح لك سَمْتاً وخلقاً وممارسة، وفي هذا يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: "إنما العلم بالتعلُّم، وإنما الحِلْمُ بالتحلُّم" وفي حديث آخر: "ومن يتصبَّر يُصبِّره الله"

هذا باب واسع مدخله إتقان الدراسة، ثم اكتساب الخبرات بالممارسة، والحرص على تراكم هذه الخبرات لتشيد داخل المرء بنياناً مرصوصاً من العلم والخبرة والإتقان. كما أن من أهم نقاط التمكن في التخصص هو أن تحبَّ ما تعمل؛ جيراردو، رسام شوارع من غواتيمالا، يقتات من بيعه لوحات لمناظر طبيعية يرسمها، أراد أحد يوماً أن يشتري منه لوحة فلم يجد عنده أية لوحة عدا لوحة غير مكتملة ما زال جيراردو يرسمها؛ فطلب المشتري منه خصماً على هذه اللوحة لأنها غير مكتملة، غير أنه فوجئ بأن جيراردوا يطلب ضعف ثمنها؛ فاستاء المشتري وسأله عن السبب، فأجاب جيراردو: "لأنك تحرمني متعة العمل على أمر أحبه بحق"!

الخطوة الثانية: اصقل داخلك ذهنية النجاح

ما معنى هذا؟ يعني أن توطِّن نفسك على النجاح، عبر التالي:
– الاقتناع بمبدأ "نعم أستطيع Yes we can"؛ هذا الشعار الذي رفعه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ونجح عبره، ولكن، وعلى الرغم من ذلك يجب أن تكون هذه الثقة بالنفس ثقة حقيقية لا مُتَوَهَّمة؛ كيف تعرفها؟ بمعرفة قدراتك وإمكانياتك ومهاراتك ومواهبك وخبراتك. يقول باولو غالو: "بعد قضائي 20 عاماً في منصب رئيس الموارد البشرية في عدة مؤسسات وبلدان مختلفة؛ تعلَّمتُ أن كل إنسان لديه موهبة ما، كنز حقيقي داخله بانتظار اكتشافه"، فاكتشف نقاط قوتك، وآمن أنك تستطيع.

– ممارسة عادة النجاح حتى تصبح لك سَمْتاً وخلقاً وممارسة، وفي هذا يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: "إنما العلم بالتعلُّم، وإنما الحِلْمُ بالتحلُّم" وفي حديث آخر: "ومن يتصبَّر يُصبِّره الله"، وخلال مسيرتنا الوظيفية نكتسب عادات كثيرة إيجابية وسلبية؛ فعلينا تثبيت العادات الإيجابية، كتعلُّم التفكير التسلسلي المنطقي، وتنظيم الوقت، وإنجاز المهام في وقتها، وإتقان العمل، وممارستها حتى تصبح عادة وسَمْتاً، والتخلص من السلبية منها، كتضييع الوقت، والمجاملات الزائدة، وتجاوز الصلاحيات، ورفضها حتى تسقط من ممارساتنا تماماً.

– عدم التوقف عن التعلُّم، تقول هايدي غرانت هالفرسون عالمة النفس المتخصصة في التحفيز ومؤلفة كتاب: "تسعة أشياء يقوم بها الناجحون بصورة مختلفة": "ضمن عالم تنافسي تدور عجلته سريعاً؛ تعتبر قدراتك على تعلم مهارة جديدة أمراً حيويًّا للنجاح، لا يكفي أن تكون ذكيًّا؛ بل عليك أن تصبح أذكى دوماً". فلا تتوقف عن التعلُّم لتكون أذكى دوماً، وتأكد أن "قدرتك على التقدم في هذا العالم تقترن بقدرتك على التعلُّم بسرعة" كما يقول المؤلف توني روبينز، وأظن أن ما يسرته التكنولوجيا لنا اليوم من أنواع تعليم، ومن طرق تدريس، ومنها التعليم عن بعد، هذا التيسير لم يدع عذراً لأحد لعدم التعلُّم.

الخطوة الثالثة: اعلم أن الفشل ليس نقيض النجاح

يقول الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا: "أنا لا أخسر أبدا؛ً إما أن أفوز، وإما أن أتعلَّم"؛ فالفشل ليس نقيض النجاح، وإنما هو في الحقيقة أحد عناصره الأساسية؛ لأنه الطريق للتعلُّم واكتساب الخبرات، وقد ورد عن المكتشف العظيم توماس أديسون أنه فشل حوالي ألف مرة قبل اختراع المصباح الكهربائي، وحينما سئل عن فشله هذا قال: "أنا لم أفشل ألف مرة؛ بل اكتشفت ألف طريقة لا تؤدي إلى اختراع المصباح". أما نقيض النجاح فهو التوقف بعد الفشل؛ لذا يقول المثل الياباني: "الحياة هي أن تسقط سبع مرات، وتنهض ثمانية".

الخطوة الرابعة: امتلك المهارات الناعمة

تُعرف المهارات الصلبة بأنها المؤهلات الفنية والمهنية المرتبطة باختصاص معين، والتي يكتسبها المرء خلال عمله. أما المهارات الناعمة فهي المهارات التي ترتبط بقدرة الشخص على التعامل مع الآخرين، وعرض أفكاره بصورة مقنعة ولبقة، وقدرته على التواصل والاتصال، واستخدام المؤهلات القيادية وروح المبادرة، والانصهار داخل المؤسسة التي يعمل بها. ولطالما اعتُبرت هذه المهارات عاملاً مكملاً للمهارات الصلبة؛ بيد أنها في الحقيقة تقع في مستوى الأهمية نفسه مع المهارات الصلبة، ويعتبرها المختصون بشؤون إدارة الأعمال اليوم عاملاً محوريًّا من عوامل نجاح الأعمال، وتؤكد الدراسات والأبحاث الميدانية أن عدم توافر المهارات الناعمة لدى قوى العمل يؤدي إلى نتائج سلبية جدًّا. لذا يجب أن يمتلك المهارات الناعمة كلُّ باحث عن تفوق وتميز ونجاح في أي مجال من مجالات الأعمال، وعليه أن يسعى إلى رعايتها وتنميتها باستمرار.

الخطوة الخامسة: واجه خياراتك الصعبة

لا أحد لا يواجه في حياته المهنية خيارات صعبة، ولا يُضطر لاتخاذ قرارات حاسمة، إنها لحظات تتطلب منك شجاعة ومواجهة، خصوصاً حين تتعارض مع مبادئك وقناعاتك، وهذه الخيارات الصعبة إن لم تُحسن التعامل معها قد تغيرك من حيث لا تدري؛ وإن لم تفعل فعلى الأقل ستكشفك أمام نفسك، وربما أمام الآخرين. لذا لا يجوز لمن يريد النجاح والتميز أن يتهرب منها أو يتركها دون حلَّ؛ بل عليه أن يبقي مبادئه نصب عينيه، وأن يتمتع بالعزم، وأن يتحلى بالحزم، وأن يدرس الأمر بعمق وشمولية، ثم تكون خياراته التي تنبع من مبادئه وقناعاته، وتنطلق من تقديره للموقف حق التقدير. يوماً كتب الروائي الأمريكي مارك توين: "إن أهم يومين في حياتك هما يوم ولادتك، واليوم الذي تكتشف فيه لِمَ وُلدت"، اليوم الأول لا يد لك فيه؛ بينما الثاني هو من صنعك.. فاصنع لنفسك مسيرة مهنية ناجحة، واترك أثرك وبصمتك، وكن كقول أحمد شوقي: "وكن رجلاً إن أتَوا بعدهُ يقولونَ: مَرّ، وهذا الأَثَرْ"، وما كتبته آنفاً هو الطريق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.