شعار قسم مدونات

دعونا ندق طبول الحب

blogs مجتمع

في الكتابة على مر التاريخ نلاحظ إن ثمة وفرة من الروايات المكرسةِ للحب ومتعلقاته مع أن الاستقراء التاريخي يجعل الكراهية هي الشعور المنتشر أكثر من الحب وإلا ما كانت هناك حروب أو جرائم أو سلوك عنصري فالحب علاقة انتقائية ثنائية فردانية. أنا أحبك وأنت تحبني وبقيةُ العالم مستثنىً من هذا الشعور في حين أن الكراهية شاملة وعامة واجتماعية. من منا لم يقضي طفولته وهو يلقن دائماً كراهية بلد آخر أو عائلة أخرى وحتى شخص آخر. فالكراهية شموليه وهي ما تؤسس لحيوانية الإنسان وتثبت -داروينيته- ولو حسيا.

   

فجدلية نظرية التطور والتي مع تنامى البحوث لم تعد مجرد نظرية علميه محدودة بحدود المختبرات والمجلات العلمية. فافتراض أننا كنا ذات يوم نسرح في أدغال إفريقيا مثلنا مثل غيرنا من بني الجنس الحيواني. افتراض كان له تأثير على أغلب مجالات العلوم الأخرى وعلم النفس خاصة. لكن ما يهمنا هنا هو دراسة البعد السلبي الغابر في داخلنا منذ النشأة الأولى، يقول ممدوح عدوان في كتابه حيوانية الإنسان: "لا أفهم كيف أن هناك إنسان يرتاح قلبه عندما يرى شقاء غيره. فالإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يتلذذ بمعاناة غيره".

  

يجب أن نركز على إنسانيتنا وجودنا على أننا ننتمي للإنسانية فقط. بعيدا عن الأحقاد التي تصيبنا بسبب مسارنا الاجتماعي وفائنا للحس المشترك

نعم إن الإنسان كائن بشع عندما تغلب عليه نزعته الحيوانية تلك النزعة المرعبة والمخيفة وربما أكثر حيوانية من الحيوانات ذاتها إن صح التعبير فالإنسان يتلذذ بإذلال أخيه الإنسان يشعر بانتشاء من نوع خاص عندما يرى ألم غيره كما قال دوستويفسكي لكنه سيكون من الإجحاف وصف كل بني البشر بالدمويين فقد استطاعت المجتمعات البشرية ببراعة على مر العصور السيطرة على نزعات الأفراد ونزواتهم مع بعض الاستثناءات القليلة، فما الذي يدفع هؤلاء القلة للاستمرار في القتل والتخريب. من هنا نضع تساؤلات تحتاج للتشريح. فهل حب السلطة وإقصاء الآخر هو السبب. هل الدين أو العرق أو الإيديولوجيات هي السبب؟

  

في مسألة الدين أتذكر قولا جميلا لبوذا حين قال: الغرض من الأديان هو أن تسيطر على نفسك لا أن تجلس وتنتقد الآخرين، نعم الغرض من الأديان كما هو مفترض أن نسيطر على أنفسنا لا أن نقتل من يخالفنا أو نجبره على فعل ما يلقى هوى في نفوسنا، الإجابة الوحيدة التي تخطر على البال هي أن الأديان لا تكون سببا في حد ذاتها وإنما التعصب عموما عندما نتعصب سواء لفكرة أو لمعتقد أو لمذهب أو لعرق عندها ننسى كل أخلاقياتنا وتستيقظ تلك النزعة الحيوانية التي لا تعرف حدود، بعد الدين ربما يأتي مباشرة عامل حب السلطة وفي الحقيقة عندما تقرأ تاريخ أغلب الحروب أو المذابح قراءة استقرائية ستجد خلفها إنسانا ما يحاول أن يبسط نفوذه أو يثبت هيمنته ويرضي جانبه الحيواني وسيكولوجيته الغير إنسانية.

   

من يقرأ مقولات هتلر عن الرايخ الثالث يرى بوضوح أن الملايين الذين قتلوا في الحرب العالمية الثانية لم يكونوا سوى ضحية أخرى في صراع النفوذ مثلهم مثل ضحايا الحروب الأهلية التي ربما تظهر في أحيان كثيرة على أنها حروب حرية أو عدل ولا تكون أكثر من محاولات للوصول للكرسي الملعون تلك النشوة التي يشعرها الثائر عندما يطل من شرفة القصر الرئاسي ويرى البلوروتاريا تكدح في شوارع المدينة وأزقتها. كما قال نيلسون مانديلا أنه لا يوجد انسان ولد وهو يكره إنسانا آخر بسبب لون بشرته او أصله أو دينه. فالناس تعلموا الكراهية. وإذا بإمكاننا تعليمهم الحب. خاصة أن الحب أقرب لقلب الانسان من الكراهية إذا دعونا نعيش بسلام دعونا نعيش كالإخوة نردد كلمة السلام التي تكاد تكون منعدمة في قاموس حياتنا دعونا ننشر ثقافة الإنسانية بدلا من العداوة والقتل.

  

كفانا قتلا ودماء. كفانا عبثا بأرواح الأبرياء كفانا تفجيرا كفانا تشويها للدين كفانا اغتيالا لأصحاب الأفكار والأقلام الحرة. كفانا تهميشا للفرد بسبب اللون أو العرق أو الدين او الطائفة، يجب أن نستخدم عقلنا وذكائنا في نشر الحب والسلام والوعي. وليس في نشر العداوة والكره والحقد، فالكراهية ليست شعورا فقط بل هي ثقافة تجتمع جملة من العناصر في صياغتها وفي التأسيس لها. فالإنسان لا يولد كارها للآخر بل يتعلم أساليب ومناهج الكراهية تدريجيا من أوساط حياتية المختلفة. إننا يجب أن نكبت تلك الرغبة في السلطة والتسلط. وذلك التعطش الدائم لأن نكون فوق غيرنا أو على الأقل أن نسأل أنفسنا هل لا زلنا إنسانيين حقا؟ هذا السؤال الذي يجب أن يطرحه كل واحد منا هل أنا إنسان بالمعنى التصالحي مع الذات ومع المعنى الفعلي للكلمة.

  

يجب أن نركز على إنسانيتنا وجودنا على أننا ننتمي للإنسانية فقط. بعيدا عن الأحقاد التي تصيبنا بسبب مسارنا الاجتماعي وفائنا للحس المشترك، هناك مثل صيني يشبه البشر بعود الناي الموسيقي الذي تعبر من خلاله موسيقى الحب والكراهية وكل منازل الموسيقى بين المنزلتين هذا المثل يؤسس على أن الانسان مسرحا متناقضا تعبر من خلاله كل عروض الحياة لكن عليه أن يصفق فقط لعرض الحب والسلام ويصفر على العروض الأخرى التي تمر على مسرحه قسرا، لينا أن ننشغل بالحياة الإنسانية وندق طبول الحب والسلام كما قال مولانا جلال الدين الرومي: انهم مشغولون بالدماء وبالفناء اما نحن فمشغولون بالبقاء هم يدقون طبول الحرب ونحن لا ندق إلا طبول الحب، دعونا ندق طبول الحب والسلام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.