شعار قسم مدونات

الشباب المسلم من هدي القرآن إلى فلسفة نيتشه!

BLOGS نيتشه

تعتبر دراسة الفلسفة من تلك الدراسات التي لا يتناولها إلا المتخصصون، وسبب ذلك راجع إلى التعقيد الشديد، وبالإضافة إلى ذلك هو كثرة المدارس الفلسفية وتناقضاتها وتعدد مشاربها وتوجهاتها، حتى داخل اصحاب المدرسة الفلسفية الواحدة. إلا أنه وفي الآونة الأخيرة، أصبح ترداد الأسماء الفلسفية نوع من "البرستيج" وخصوصاً بين فئة الشباب والمراهقين، فترداد تلك الأسماء وذكر بعض التفصيلات أو حتى الحديث عن قراءة كتاب فلسفي يعتبر نوعاً من الثقافة، وأنها تدل على أن ذلك الشخص "مثقف"، أو هكذا يتوهمون!

والغريب في الأمر، أن كثير من تلك الكتب الفلسفية -التي يتهافت عليها كثير من الشباب- تتعارض وبصراحة صارخة مع ما يعتقد ذلك الشاب -في بيئتنا الإسلامية أو العربية- من معتقدات أو عادات أو أفكار، حتى أن الواحد لربما لا يستطيع ايجاد شيء مشترك بينه وبين تلك الفلسفات، إلا أنه وكما أسلفت، أصبحت نوعاً من التباهي أو التعالي على الآخر بمعرفة تلك الأسماء المشهورة، ومن ضمن تلك الأسماء، وهو ما سنتكلم عنه، هو فريدرك نيتشه.

اهتم نيتشه بالقضايا الدينية كثيراً، وجعلها محل تفكيره ومحط تحليله، فلا يكاد يخلو كتاب من كتبه إلا وتجد فيه تعرضاً للأديان، وحرباً ضروساً عليها، ومن أشهر مؤلفاته التي عرض فيها أفكاره عن الأديان هو كتاب "هكذا تكلم زرادشت"

وصُف نيتشه بأنه من أشد الفلاسفة تأثيراً في القرن العشرين، حيث أثر تأثيراً عميقاً في فلسفة القارة الأوروبية وأدبها، وخصوصاً في ألمانيا وفرنسا، ويشتهر نيتشه في عالمنا العربي بمجموعة كتب، منها، كتابه الأشهر "هكذا تكلم زرادشت" وكتاب "غسق الأوثان" و"هذا هو الانسان"، فهذه لربما تعتبر الكتب الأشهر له، أو الأكثر رواجاً. وبالرغم من كثرة حديثه -نيتشه- وتأليفه أو إنتاجه المعرفي، إلا أنه لم ينجح أبداً في وضع مذهب فلسفي متكامل ومرتب المكونات، حيث تقوم طبيعة فلسفته على كونه أديباً فيلسوفاً أكثر من كونه فيلسوفاً أكاديمياً، فهو لم يبتكر أي نظرية فنية في الوجود أو المعرفة، فأهميته بالدرجة الأولى في الأخلاق، وبالدرجة الثانية كناقد تاريخي قاس.

يقوم المسار الفلسفي عند نيتشه على المادية العدمية الهدمية، فإن نيتشه يعتقد أن الوجود كله منحصر في الوجود المادي، وينكر ما وراء ذلك، وفكره جميعه منحصر في الوجود المادي المحسوس، حيث أنكر جميع المعاني المتجاوزة للمادة، وحكم عليها بالفناء، وأنكر وجود الحقيقة وجعلها مجرد وهم من الأوهام التي بناها الإنسان لنفسه في مرحلة من مراحل التاريخ، بناءً على رغباته الفكرية والشعورية والأخلاقية. وذكر أن الإنسانية تعيش الآن على عبادة الأصنام التي أضرت بحياتها وسلوكها اليومي، وهذه الأصنام هي: الأخلاق، والقيم السياسية، والأديان! وسعى إلى تحطيمها وتخليص البشرية منها، وألف كتاباً مخصوصاً في ذلك أسماه "أفول الأصنام".

نيتشه وموقفه من القضايا الدينية

اهتم نيتشه بالقضايا الدينية كثيراً، وجعلها محل تفكيره ومحط تحليله، فلا يكاد يخلو كتاب من كتبه إلا وتجد فيه تعرضاً للأديان، وحرباً ضروساً عليها، ومن أشهر مؤلفاته التي عرض فيها أفكاره عن الأديان هو كتاب "هكذا تكلم زرادشت" وهي عبارة عن رواية أدبية بث فيها نيتشه أفكاره على لسان زرادشت. ونتيجة للمادية المتصلبة والروح العدمية الهدامة لكل مظاهر الثبات والقيم، أعلن نيتشه إلحاده الصارخ، وأنكر على الأديان، باعتبارها أساس القيم ومنبعها، وشن عليها هجوماً عنيفاً ظالماً. فقد صرح في كتابه "غسق الأوثان" بقوله: "إننا ننفي الله، وننفي المسؤولية في الله، بذلك فقط نخلص العالم"، وصرح بأن الله مجرد أمر افترض الناس وجوده، وذكر أن الناس ابتدعوا لأنفسهم ذلك المفهوم المذهل "الله". وجعل الإله من الأوهام التي اخترعها الناس في أذهانهم ومن الكيانات الخيالية التي كانت نتيجة تخلف الإنسانية في العصور القديمة.

وهو الذي أعلن في مقالته الإلحادية الشهيرة عن موت الإله؛ حيث قال على لسان زرادشت: "لقد ماتت كل الآلهة، فلم يعد لنا من أمل إلا بظهور الإنسان المتفوق"، وأخذ يكررها في كثيراً من كتبه، وجعلها الملاحدة شعاراً لهم من بعده. وبعد أن أعلن إلحاده، سعى إلى إيجاد البديل عن الإيمان بالله، فأتى بالإيمان بالإنسان الكامل "السوبرمان" وجعله إلهاً جديداً للإنسانية. وكان يؤكد، كما في العديد من كتبه، أن الأديان هي أكبر الأخطاء التي وقعت فيها البشرية عبر تاريخها، والأديان -في نظره- ما هي إلا نتيجة للتفسير الخاطئ لأحداث الطبيعة، ويرى أن العقيدة الدينية تحط من قدر الإنسان لأنها تجعله خاضعاً لمصادر أخرى تعلو عليه وتتحكم في حياته. وأما الإيمان بالحياة الآخرة، فهي عنده نموذج للانحطاط والفرار من الحياة الأرضية، فالأديان كما يقول: "ألفت خرافات عن عالم آخر غير هذا الذي لدينا".

ونكتفي بهذه الأمثلة والأقوال، اختصاراً للقارئ، ولوضوح فكر الرجل وتوجهه، فالرجل -نيتشه- لا يؤمن بشيء، حتى وصل إلى درجة أنه غاضب بسبب الإيمان بنفسه! كما عبر هو بذلك، بالإضافة إلى احتقاره للمتدينين عموماً أو المؤمنين. إلا أن ما يهمني من كتابة هذه الكلمات أو المدونة، هو أن أقول أنه لا يوجد وجه شبه أو علاقة لا من قريب ولا من بعيد بيننا وبين أمثال هؤلاء الفلاسفة، والذي يتهافت عليها كثير من الشباب والمراهقين، لإضفاء نوع من الوقار والحكمة على انفسهم! وأخيراً، فكل المقولات والأفكار الواردة في هذه المدونة، هي مما قاله في كتبه، وخصوصاً المشهورة منها، كما لابد من التنبيه على أننا اعتمدنا بالدرجة الأولى على كتاب "ظاهرة نقد الدين في الفكر الغربي الحديث".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.