شعار قسم مدونات

سينما العرب.. ماذا يعيق الطريق نحو العالمية؟

blogs سينما فلسطين

بعد محاولات عديدة لصناعة الفيلم السينمائيّ، بدأت منذ منتصف القرن التاسع عشر في أوروبّا وأمريكا، استطاعت الولايات المتّحدة الوصول إلى الفيلم الناطق الأوّل، مغنّي الجاز، الذي ظهر عام 1927، من إخراج آلان كروسلاند وإنتاج استوديو وارنر برذرز.

هل تأخّر العرب؟

ولم يتأخّر الفيلم العربيّ في الظهور؛ إذ بعد محاولات بدأت منذ عام 1917 لصناعة السينما في مصر، استطاع الأخوان لاما أو الأعمى، اللذان هاجرا من فلسطين إلى تشيلي بداية القرن العشرين، لتحطّ رحالهما في الإسكندريّة وهما عائدان إلى وطنهم عام 1927، صناعة أوّل فيلم عربيّ غير ناطق، وهو قبلة في الصحراء (1927)، كما تمكّنا من إنتاج فيلم ليلى (1927)، والذي يعدّ نقلة نوعيّة في السينما، إذ سجّل ظهور أوّل امرأة عربيّة في فيلم سينمائيّ، وهي عزيزة أمير. واستمرّ المخرج محمّد كريم في المنافسة، وهو يعدّ رائد صناعة السينما في مصر، إذ بدأت محاولاته منذ عام 1917. وتمكّن عام 1932 من إنتاج أوّل فيلم عربيّ ناطق، أولاد الذوات، من بطولة يوسف وهبي، وأمينة رزق، وقد لاقى نجاحًا باهرًا آنذاك. تبعه في العام ذاته فيلم أنشودة الفؤاد للمخرج الإيطاليّ ماريو فولبي، والذي ظهرت فيه أوّل مغنّية عربيّة على الشاشة، نادرة، ليظهر بعدها الفنّان محمّد عبد الوهّاب، ويكون أوّل مطرب عربيّ يظهر على الشاشة في فيلم الوردة البيضاء (1933)، للمخرج محمّد كريم، أيضًا.

منافسة الأوروبيّين
على الرغم من دور مصر الأساسيّ في الإنتاج السينمائيّ، إلّا أنّ خمولًا كبيرًا طغى على بلدان العالم العربيّ الأخرى في هذا المجال، ما يعبّر عن إغفال العرب لأهمّيّته، ثقافيًّا واقتصاديًّا، مقارنة مع دول عديدة حول العالم

لقد أدّى اشتراك المخرجين من أوروبّا في صناعة السينما في مصر، إلى نهضة حقيقيّة في المجال السينمائيّ، إذ بعد النجاح الذي حقّقه ماريو فولبي في فيلم أنشودة الفؤاد (1932)، وما فرضه من تحدّ أمام المخرجين في مصر، استطاع المخرج الألمانيّ فريتز كرامب تصدير فيلم وداد (1935)، من بطولة السيّدة أم كلثوم، إلى خارج مصر، ليكون أوّل فيلم عربيّ يتخطّى حدود العالم العربيّ. ومع إنشاء طلعت حرب استوديو مصر، بالإضافة إلى ظهور شركات إنتاج مصريّة أخرى، تحفّز المخرجون العرب لمنافسة المخرجين الأوروبيّين، فصنعوا أعمالًا ضخمة، مثل العزيمة (1939) للمخرج كمال سليم، والذي عُدّ، استنادًا إلى آراء النقّاد، واحدًا من أهمّ الأفلام في تاريخ السينما المصريّة، وهو من بطولة حسين صدقي، وفاطمة رشدي، وأنور وجدي، وإنتاج استوديو مصر.

أثّرت الحرب العالميّة سلبًا في صناعة السينما في مصر، فبلغت الأفلام المنتجة عام 1944 الـ 16 فيلمًا، وارتفع العدد عام 1946 إلى 67 فيلمًا. كما شهد العام نفسه أوّل محاولة لاستخدام الألوان في صناعة الأفلام، فكانت مشاهد أغنية يوم الإثنين للفنّان محمّد عبد الوهّاب، من فيلم لست ملاكًا (1946)، ملوّنة، بينما الفيلم بمجمله بالأسود والأبيض. بعد ذلك بأربع سنوات، 1950، قدّم المخرج حسن فوزي أوّل فيلم ملوّن بالكامل، بابا عريس (1950)، والذي كان من تأليفه أيضًا، وبذلك دخلت مصر عهد الفيلم الملوّن. بلغ معدّل إنتاج الأفلام في مصر، في الخمسينات، الـ 50 فيلمًا سنويًّا، وظلّ في كلّ العقود اللاحقة يراوح هذا العدد، لكنّه تراجع بعد عام 2010 إلى ما هو أقلّ من 40 فيلمًا بكثير!

صناعة قوميّة

على الرغم من دور مصر الأساسيّ في الإنتاج السينمائيّ، إلّا أنّ خمولًا كبيرًا طغى على بلدان العالم العربيّ الأخرى في هذا المجال، ما يعبّر عن إغفال العرب لأهمّيّته، ثقافيًّا واقتصاديًّا، مقارنة مع دول عديدة حول العالم. فقد وصل المعدّل السنويّ لإنتاج الأفلام السينمائيّة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، مثلًا، إلى 500 فيلم سنويًّا، وبلغت عائدات السينما الأميركيّة، عام 2016، 11.4 مليار دولار. أمّا الهند، التي تحتلّ المركز الأوّل في الإنتاج السينمائيّ العالميّ، فبلغ معدّل الإنتاج، في السنوات الأخيرة، الـ 1000 فيلم سنويًّا، وقدّرت عائداته، عام 2016، بـ 21 مليار دولار، ما دفع مؤسّسة ديزني الأميركيّة، والأشهر عالميًّا في الإنتاج السينمائيّ والصوريّ، إلى العمل في الهند، وإنتاج الأفلام الهنديّة.

كما تبرز دول عدّة في هذا المجال، مثل فرنسا وبريطانيا وغيرها، ومن اللافت أنّ نيجيريا تحتلّ المركز الثاني، عالميًّا، في الإنتاج السينمائيّ، بمعدّل إنتاج 700 فيلم، وبواقع إيرادات وصل في العام 2013 إلى 800 مليون دولار أميركيّ. عدا عن العائدات المرتفعة جدًّا، والتي تساعد في رفع إجمالي الدخل القوميّ لأيّ دولة في العالم، ما قد يساهم في إحداث نهضة اقتصاديّة، يجب ألّا يغفل دور الإنتاج السينمائيّ في التصدير الثقافيّ والحضاريّ، كون السينما من أقوى الوسائل الإعلاميّة، وقد حقّق هذا الأمر نتائج لتركيّا في السنوات الأخيرة.

نحو العالم

لقد حقّق العرب إنجازات جيّدة نسبيًّا في مجال السينما، سواء في الخارج أو الداخل، كان أبرزها وأهمّها مساهمة المخرج الفلسطينيّ عماد كراجة، إخراجًا وإنتاجًا، في فيلم ذهب مع الريح (1939)، والذي يعدّ صاحب أعلى إيرادات في تاريخ السينما الأميركيّة، وفاز بثماني جوائز أوسكار، واختاره المعهد الأميركيّ للأفلام ليكون الفيلم الرابع ضمن أفضل مائة فيلم في القرن العشرين. وتبعه في اللائحة فيلم لورنس العرب (1962)، إذ حلّ في المركز الخامس، وهو من بطولة الفنّان عمر الشريف. كما أُنْتِجَت أعمال عربيّة مهمّة، مثل أعمال يوسف شاهين، ومصطفى العقّاد، وغيرهما.

يمكن القول إنّ أسباب ضعف الإنتاج السينمائيّ العربيّ في مواجهة السينما العالميّة، مردّه، بالأساس، إلى الأزمات السياسيّة والاقتصاديّة، والحروب القاسية، التي لم يسترح منها العالم العربيّ منذ بداية القرن العشرين

مثلما لا يمكن تجاهل الدور المركزيّ الذي كان لمصر في صناعة السينما العربيّة، فإنّه لا يمكن تجاهل الأفلام الشاميّة، والمغاربيّة، والخليجيّة في معرض حديثنا عن السينما اليوم؛ فثمّة نشاط جيّد في السينما الفلسطينيّة، التي استطاعت أن تنافس بقوّة، عربيًّا وعالميًّا، مثل فيلم يد إلهيّة (2001) لإيليا سليمان، الحاصل على جائزة كان العالميّة، وجائزة أفضل فيلم أجنبيّ ضمن جوائز الأفلام الأوروبيّة في روما، كما ترشّح فيلمه، الزمن الباقي (2009)، لجائزة السعفة الذهبيّة.  أمّا المخرج هاني أبو أسعد، ففاز فيلمه، الجنّة الآن (2005)، بجائزة جولدن جلوب عن أفضل فيلم أجنبيّ عام 2006، وترشّح لجائزة أوسكار عن الفئة نفسها، وحصل على جائزة العجل الذهبيّ في هولندا، كما وصل فيلمه، عمر (2013)، إلى الترشيحات النهائيّة لجائزة أوسكار.

كما حصل فيلم أمريكا (2009) للمخرجة شيرين دعيبس، على جائزة أفضل فيلم في مهرجان كان لفئة جائزة الفبيرسي، بالإضافة إلى جوائز عربيّة عديدة، من ضمنها جائزة أفضل فيلم عربيّ من مهرجان القاهرة السينمائيّ الدوليّ. ووصل فيلم بلال (2005) للمخرج السعوديّ أيمن جمال، إلى ترشيحات أوسكار عن أفضل فيلم أنيميشين. ثمّة أفلام عربيّة كثيرة طرقت أبواب العالم عن طريق أوسكار وكان وغيرها من المهرجانات والجوائز والترشيحات، لكنّها لم تحصل على صدًى محلّيّ كبير، مثل فيلم البئر (2015) للجزائيّ لطفي بوشوشي، والكلاسكيو (2015) للعراقيّ هالكوت مصطفى، و3000 ليلة (2015) للفلسطينيّة مي المصري، وكتير كبير (2015) للبنانيّ ميرجان بوشعيا، ومسافة ميل بحذائي (2016) للمغربيّ سعيد خلاف، ويا طير الطاير (2016) للفلسطينيّ هاني أبو أسعد، وبركة يقابل بركة (2016) للسعوديّ محمود صبّاغ، وذيب (2014) للأردنيّ ناجي أبو نوّار، وحجاب (2015) للإماراتيّة نهلة الفهد.

صورة مشوّشة

يمكن القول إنّ أسباب ضعف الإنتاج السينمائيّ العربيّ في مواجهة السينما العالميّة، مردّه، بالأساس، إلى الأزمات السياسيّة والاقتصاديّة، والحروب القاسية، التي لم يسترح منها العالم العربيّ منذ بداية القرن العشرين، أي منذ ظهور هذه الصناعة فيه. إلّا أنّ هذا ليس سببًا كافيًا لتعليل هذا الضعف، فدول كثيرة أخرى حول العالم شهدت ظروفًا مشابهة. وفي ظنّي أنّ السبب الحقيقيّ وراء ذلك، أنّنا لم ندرك واجبنا الحضاريّ تجاه هذه الجزئيّة، ولم يدرك المنتجون الدائرة الحضاريّة و الفنّيّة الواجب عليهم توسيعها، ناهيك عن الاستسهال الذي دفع إلى دبلجة الأعمال الأجنبيّة التي تلقّفها المتلقّي العربيّ بتعطّش، في ظلّ ضحالة الإنتاج العربيّ وضعفه.

وفي تقديري، فإنّ جزءًا من المسؤوليّة يقع على الممثّلين العرب، الذين سقطوا في فخّ الدبلجة وأهملوا نشاطهم الفنّيّ، وكذلك على نقابات الفنّانين التي كان من الواجب أن تتّخذ قرارات عمليّة وحاسمة في هذا الصدد، وأن تشكّل ضغطًا على شركات الإنتاج، لتنفّذ أعمالًا دراميّة وسينمائيّة عربيّة بكثافة أعلى وجودة أكبر. إنّ تجاهل الفنّانين والمنتجين العرب لضرورة الحضور والظهور السينمائيّ والدراميّ العربيّ، عالميًّا، وكذلك تجاهلهم الأرباح المادّيّة الكبيرة الممكن جنيها، أدّى إلى إغفالهم مسألة تصديرهم لثقافتهم، وذلك، بالتأكيد، نابع من عدم التعاطي العميق مع الثقافة العربيّة بشكلها ومنحاها الإيجابيّ، كما أنّه نابع من ضآلة الفعل الثقافيّ العربيّ الذي وردت شواهده سابقًا، وتحوّل العرب، منذ زمن بعيد، إلى متلقّين فقط. السينما والدراما تساهم في صناعة صورة الشعوب، وتحديد أوجه ثقافاتهم، وللأسف، فإنّ الصورة العربيّة الآن، في المشهد العالميّ، تبدو مشوّشة وضعيفة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.