شعار قسم مدونات

أياكس يعيد كرة القدم إلى بعدها الرياضي

blogs أياكس

بعث وصول فريق نادي أياكس أمستردام الهولندي إلى دور نصف نهائي دوري أبطال الأوروبي لكرة القدم، برسالة واضحة إلى الذين ظنوا أن بمقدور أصحاب رؤوس الأموال، جر اللعبة الشعبية من إطارها الرياضي الشعبي إلى ذلك الاقتصادي البحت، والذي اصطبغت هذه اللعبة بألوانه الفاقعة خلال السنوات الخمس الأخيرة على الأقل.

 

ومن المتوقع أن يسهم النجاح القاري لنادي العاصمة الهولندية -الذي يحل بالمرتبة الأربعين بين أكثر أندية أوروبا دخلا-؛ في دفع إدارات الأندية الأكبر حجما إلى إعادة النظر بسياساتها التي كانت تقوم على الانفاق ببذخ في سبيل التعاقد مع أفضل اللاعبين ممن ستسند إليهم مهمة قيادتها إلى حصد الألقاب المحلية والقارية.

 

مثل لقاء أياكس في دور ثمن النهائي الأوروبي مع الميرينجي، مواجهة بين ناد بلغت عوائده خلال الموسم الماضي قرابة 750 مليون يورو، نظير قرابة 92 مليونا

ولولا تلك القفزة النوعية التي حققها أياكس، وإلى حد ما توتنهام أمام مواطنه الإنجليزي مانشستر سيتي، لكنا قد شهدنا ميركاتو صيفي متضخم في أسعار لاعبيه، خصوصا من قبل ريال مدريد الإسباني الذي يقال إنه وضع تحت تصرف مديره الفني القديم الجديد زين الدين زيدان قرابة نصف مليار يورو بغية تعويض إخفاقات الموسم الحالي، وذلك عبر تفويض المدرب الفرنسي بانتقاء مجموعة من أفضل لاعبي القارة العجوز ليمكنوا النادي الملكي من العودة الى المكانة الرفيعة التي لم يبارحها منذ عقود.

 

حينما اندلعت الأزمة الاقتصادية العالمية في الولايات المتحدة في العام 2008، ثم ما لبثت أن ألقت بظلالها القاتمة على أوروبا؛ أبدت هذه الأخيرة مرونة في فتح أبواب شركاتها وقطاعاتها وأنديتها الرياضية أمام رأس المال الأجنبي، وذلك للمساهمة في معالجة العسر المالي الذي كانت تكابده القارة العجوز وما زالت.

 

هذا الانفتاح الذي انتهجته القارة الأوروبية، دفع برأس المال الخليجي والآسيوي والروسي إلى جانب الأميركي، إلى استهداف مجموعة من كبريات أندية كرة القدم العالمية، لتحمل تلك الاستثمارات معها عقلية ذات طابع يقدم الشأن الاقتصادي على الرياضي، إذ بدت مستعدة لضخ أموال غير متناهية مقابل حصول أنديتها على ألقاب محلية وقارية من شأنها إعادة تكاليف الاستثمار بشكل تدريجي.

 

لكن تلك الأندية -التي كانت الأكثر إنفاقا في سوقي الانتقالات الصيفية والشتوية- لم تكن هي ذاتها التي استطاعت حصد الألقاب القارية، لا بل أنها سجلت حضورا مخيبا لآمال جماهيرها التي كانت تعقد آمالا عريضة على نجاحاتها، لما تتمتع به من أسماء كبيرة في عالم كرة القدم. ولو كانت معادلة المال مقابل المنجزات صالحة في عالم الرياضة، لما تعذر على ناديي مانشستر سيتي الإنجليزي وباريس سان جيرمان الفرنسي الوصول إلى المواجهة النهائية من مسابقة دوري أبطال أوروبا بفعل كثافة إنفاقهم على التعاقد مع النجوم ومنحهم أعلى الأجور الممكنة.

 

ولو كانت هذه المعادلة حتمية أيضا، لما خرجت البطولة القارية من عباءة ريال مدريد وبرشلونة الإسبانيين ومانشستر يونايتد الإنجليزي وبايرن ميونخ الألماني باعتبارها أكثر أندية القارة دخلا وثراء.

 

قدم نادي أياكس في البطولة الأوروبية الراهنة درسا رياضيا لمنافسيه، لكنه أهداهم أيضا وصفة جاهزة عليهم تتبعها إن أرادوا الارتقاء بكيفية إدارة دفة شؤونهم مستقبلا

لقد ضرب أياكس أمستردام بعرض الحائط جميع القناعات السائدة مؤخرا، والتي ربطت بين مقدار ميزانيات الأندية، وما بين النتائج التي يمكن تحقيقها على أرض الواقع، وقد جسد النادي الهولندي ذلك عمليا في مواجهتيه القاريتين الأخيرتين أمام كل من ريال مدريد ويوفنتوس بعدما تغلب عليهما في سانتياغو برنابو وأليانز استاديوم على التوالي.

 

وفي المرة الأولى؛ مثل لقاء أياكس في دور ثمن النهائي الأوروبي مع الميرينجي، مواجهة بين ناد بلغت عوائده خلال الموسم الماضي قرابة 750 مليون يورو، نظير قرابة 92 مليونا، هي حصيلة ما جمعه النادي الهولندي من مكافآت الفوز بالمنافسات المحلية مضافا إليها عقود الرعاية إلى جانب حصتيه من إيرادات الحضور الجماهيري وحقوق البث التلفزيوني، بحسب دراسة صادرة عن شركة "ديلويت" العالمية.

 

كما جاءت مواجهته التالية مع البيانكونيري في دور نصف النهائي، لتجمع ناد هولندي مع آخر إيطالي حقق الموسم الماضي عوائد إجمالية قدرها 395 مليون يورو، هذا قبل تعاقده مع النجم البرتغالي كريستايو رونالدو، وما ترتب على هذه الصفقة مع مغانم ومغارم. غير أن تلك الفجوات المالية الهائلة المذكورة لم تعن شيئا لشبان النادي الهولندي، الذين تشربوا في أكاديمية أياكس ثقافة تقوم على إجادة الأداء الجماعي والتمتع به، بصرف النظر عن هوية الفريق الذي يواجهون.

 

لقد أدرك القائمون على نادي أياكس بأن العودة إلى جذور لعبة كرة القدم سيكون طوق نجاتهم من الغرق في المد المالي الذي يجتاح سوق انتقالات اللاعبين، والذي رأى فيه أبناء مدينة أمستردام خروجا عن أدبيات اللعبة التي صنعوا كرتها الشاملة، ويؤمنون بقدرتهم على أعادة انتاجها بشكل عصري يكون كفيلا بإعادة الاعتبار إلى هذه الرياضة التي دفعت ثمنا باهظا نتيجة نزوحها التدريجي إلى الطابع الاقتصادي التسويقي.

  

لقد قدم نادي أياكس في البطولة الأوروبية الراهنة درسا رياضيا لمنافسيه، لكنه أهداهم أيضا وصفة جاهزة عليهم تتبعها إن أرادوا الارتقاء بكيفية إدارة دفة شؤونهم مستقبلا، فبدلا من تورطهم في مسلسل مزادات غير منته وغير مبرر بهدف شراء أفضل اللاعبين، فإن عليهم العودة من جديد إلى أكاديمياتهم وفرق ناشئيهم لتكون هي المنبع الأصيل لنجاحاتهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.