شعار قسم مدونات

لا تتزوجيه إن لم يكن كأبيكِ!

blogs تفكير

إنهم سخروا منا عندما اشتروا لنا دفترا لندس فيه أمنياتنا الصغيرة حتى نكبر.. إنها لمؤامرة عظيمة أن يرسموا لنا الحياة باللون الوردي ثم نكبر وحيدون على سوداويتها.. ونقاوم مصاعبها لوحدنا.. وتقتلنا وحشيتها تارة ونقتلها تارة أخرى. لم يخبروننا أن كل ما كتبناه إما سيفقد صلاحيته يوما ما أو سنمضي كل عمرنا سعيا إليه ونصل إليه بعد أن نفقد شغفه بداخلنا.. فبعض الأشياء تأتينا بعد أن تتلاشى الرغبة فيها.

وأن ثمة أمنيات قد نؤثم عليها لمجرد التفكير أن نحلم بها حتى.. إنه لمن المؤسف أن يضعوا لنا أحلامنا على قمة جبل ويشيرون إليها بأطراف أصابعهم دون أن يحذروننا من خطورة التمادي بالتسلق نحوها.. دون أن يتركوا لنا خيارا آخر لنبذل كل طاقتنا وشغفنا وأحلامنا المنسية من أجله.. حتى نسقط وأخيرا لنعي الحد المسموح من الخيال في عالم الأحلام أو الحد المسموح للأحلام بما يتناسب مع حقيقة الواقع الذي نعيش به.. فلكل منا طاقته والله لا يكلف نفسا إلا وسعها فلتبقى متمركزا وسط الدائرة فالواقع سيؤلمك كثيرا إن حاولت تكليف نفسك عما يفوقها وخطوت خارج تلك الدائرة.

ما نحن إلا ضحايا أفكارا غرست بصوامع أذاننا.. كبرنا وكبرت فينا.. وما كان ذنبنا إلا أننا ولدنا في واقع أليم يجبرك على فعل ما لا تحب

لم يخبروننا أن ليس كل ما أردناه سيكون بحوزتنا وإن حاولنا التمسك بالشيء حد الموت.. وكيف نختار من يمشي معنا الطريق كله دون أن نضل ومهما طال بنا الدرب لا من نفقدهم في المنتصف. لا من ينتزعون شيئا منا بعد رحيلهم عنا.. لم يمنحوننا قلبا آخر حيطة لنكن على استعداد لخسارة من كانوا في صحبتنا دون أن نتوقف عن النبض للحظات.. لم يخبروننا أننا سنمر بأوقات عصيبة قد نفقد فيها بريق أعيننا حتى أسفل الشمس.. وقد تنطفئ روحنا مهما عج الضوء من حولنا.. وكيف نطلق الشجاعة الراكنة على أطراف روحنا.. وكيف نضيء عتمتنا بوقود عزمنا عندما نختبئ في حضن الليل بدلا من البكاء والأسف الشديد على ما أتى وما سيأتي إن أتى.. وكيف ندفع أنفسنا نحو المستحيل وكيف نعزف فن التخلي للأشياء التي تقتل لحظاتنا الجميلة دون تردد مسبق.. وكيف نلوح لها بأيدينا ونرحل دون الالتفات..

 

لم يروضوا ألسنتنا على كلمة لا بدلا من نعم في المواقف التي يصعب علينا تقبلها من الداخل.. لم يخبروننا كيف نمرر الوقت دون أن ننتظر أحدا.. وأن من يريدنا حقا لن يجعلنا نحدق للساعة تحت سقف الانتظار.. وكيف نعتق قلوبنا في سبيل راحتنا.. كيف نضع يدا فوق أخرى ونطبطب على ما حل بنا.. كيف نكون لأنفسنا المعين والسند في غياب كل شيء.. كيف نقلب كفينا على ما مضى وننسى بدلا من الجلوس بزاوية واحدة طوال الوقت نحاول أن نفعل أي شيئا لنتجاوز أمر ما حتى وإن قمنا بمراقبة مسار نملة تجمع طعامها لشتاء قادم لا نعلم كيف سيكون حالنا به.. علنا ننسى بعضا من الوقت ونطلق سراح أفكارنا قليلا قبل أن نهلك الجزء المتبقي فينا..

لم يهيئوا ضحكتنا على الإشراق كل صباح إن حلت علينا لعنات الأيام وأخذت منا ما نحب. لماذا لم يعلموننا كيف نعالج ارتجاف أرواحنا قبل أجسادنا؟ وجبر قلوبنا قبل ضلوعنا.. وأن نستمد القوة من فشلنا قبل نجاحنا. لو أنهم تركونا نقف تحت المطر دون أن يخبئوننا بحجة أنهم يخافون علينا من البلل علنا سقينا أنفسنا ونبت الزهر فينا ونبتنا كما أردنا وأرادت أنفسنا.. فما نحن إلا ضحايا أفكارا غرست بصوامع أذاننا.. كبرنا وكبرت فينا.. وما كان ذنبنا إلا أننا ولدنا في واقع أليم يجبرك على فعل ما لا تحب. خذ بقهوتك واستمع للأغنيات التي فقدت شيئا من لحنها دون أن تشعر بالشغف اللذيذ أنهم لم يخبروك من الحقيقة شيء.. إنهم يكذبون عليك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.