شعار قسم مدونات

أحمد خالد توفيق.. عراب أدب "الرعب" العربي

blogs أحمد خالد توفيق
قبل سنة من اليوم انطفأت شعلة واحد من أعظم كتاب هذا العصر.. الكاتب المصري الطنطاوي أحمد خالد توفيق.. العراب أو الأب الروحي للعديد من الكتاب والقراء.. والذي ترك رحيله أثرا كبيرا في الشارع الأدبي المصري والعربي.
  
رحل الدكتور ليترك لنا ثروة من الأعمال الأدبية المختلفة التوجه.. وهو الذي برع في الكثير من الألوان الأدبية مثل الخيال العلمي والفانتازيا والرعب والأدب الساخر.. ويعتبر العراب أول كاتب عربي في أدب الرعب ليؤسس لانطلاقة جديدة في مجال الكتابة الروائية.. انطلاقة نجدها في كتابات العديد من المؤلفين المصريين الشباب مثل: أحمد مراد وأحمد خالد مصطفى ومحمود علام وحسن الجندي وإسلام عبد الله ومحمد عصمت وأحمد شوقي مبارك وسامح شوقي وغيرهم الكثير.
  
ويعتبر الدكتور أحمد من القلائل الذين ألفوا لسلاسل أدبية في مجال معين كسلسلة "ما وراء الطبيعة".. ومثلما كان لأرثر كونان دويل بطله شيرلوك ولأغاثا كريستي بطلها هيركيول بوارو.. اختار الدكتور أحمد شخصية الطبيب العجوز "رفعت إسماعيل" بطلا لسلسته الآنفة الذكر.. وكان رفعت عكس البطل الذي نتخيله دائما.. فهو ليس مفتول العضلات أو ضخم البنية بل كان مجرد عجوز نحيل.. ولم يكن يملك قدرات عجيبة ينقذ نفسه بها من الموت بل وحدها العناية الإلهية تلطفت به وأنقذته في أصعب المواقف. 
    
العراب كاتب فريد من نوعه.. سكب في كتاباته من الخبرات والتجارب الكثير وابتكر شخصيات تشبهنا في تفكيرها وتعاملها مع المواقف

كما أنه لم يكن وسيما أو شاعرا بل مجرد عجوز بسيط خجول خفيف الظل وكثير الدعابة.. ولم يكن ذلك البطل الذي تتساقط النساء عند قدميه رغم أنه كان وفيا لحبه الأول "ماجي ماكيلوب" الأسكتلندية التي كانت تشبهه في كثير من النواحي.. وافترق رفعت وماجي وتوفي رفعت دون أن يتزوج.. وأحببنا رفعت فقط لأنه يشبهنا.. هو البطل الذي لا يمكن أن نتطلع لأن نصبح مثله لأننا مثله تماما.. وقد مر رفعت في حياته بالكثير من المواقف المثيرة مع مصاصي الدماء والمستذئبين وأساطير الإغريق والتبت المرعبة وخرج منها بصعوبة ليحكي لنا تفاصيلها.

  
إضافة لسلسلة "ما وراء الطبيعة".. قام الدكتور بتأليف سلاسل أخرى مثل "سافاري" و "فانتازيا" و "www".. ولا تتوقف مؤلفات العراب عند هذه السلاسل القصصية الجميلة.. بل تتعداها للمجموعات القصصية.. وقد تميز الدكتور بمخيلة فريدة وتوظيف النهايات الغير متوقعة في قصصه.. ومن بين مجموعاته القصصية نجد: "الآن أفهم" و "لست وحدك" و "الهول" و "الآن نفتح الصندوق" والتي صدرت في ثلاثة أجزاء.. إضافة لـ "عقل بلا جسد" التي تحكي قصة عصام فتحي الطالب الذكي الذي أصيب بشلل في جسده ففقد قدميه ولكن ليس عقله الذكي.. فاستعان به صديقه الشرطي في حل العديد من الجرائم المعقدة.. وقد وظف العراب معرفته في الطب والهندسة والرياضيات في هذا الكتاب وستندهش من ذكاء عصام فتحي وقدرته في فك الشفرات وكشف الألغاز وستندهش بعدها بذكاء العراب في توظيفه لتلك المعارف وتحويلها إلى قصص مشوقة.
  
إضافة للسلاسل والمجموعات القصصية.. ترك الكاتب لنا مجموعة مقالات علمية وأدبية جمع بعضها في كتب مثل "قهوة باليورانيوم".. "شاي بالنعناع".. "زغازيغ" و "فقاقيع".. وقد سكب العراب من خبراته التي عاشها في حياته في كتبه ومقالاته.. وستشعر عند قراءتك لهذه المقالات وكأنك تقرأ عن نفسك وسترى كم يشبهك الدكتور في بساطته وحياته.. إضافة إلى كتاب "اللغز وراء السطور" وهو مجموعة مقالات للتعريف بالكتابة وتقنياتها وأشكالها وقواعد هذه الأشكال.
  
ولا نتوقف هنا.. بل نستعرض لروائعه الروائية التي أبدع فيها الدكتور أكثر مما سبق.. وقد كانت أول رواية كتبها العراب رواية "يوتوبيا" أو المدينة المثالية.. وهي تسافر بنا عبر المستقبل القريب حيث تنبأ العراب بانقسام مصر إلى قسمين طبقيين.. الأول متطور ويحتكر كل الموارد والثروات ومحاط بجدار عازل يحرسه المارينز الأمريكيون وهو عالم يوتوبيا.. والثاني متخلف ومليء بالفقراء والتعساء الذين لا دخل لهم ولا حول ولا قوة.. والحقيقة أن الدكتور لم يخطئ في تنبؤه فمصر تعيش اليوتوبيا والديستوبيا حاليا.
    
رواية
رواية "يوتوبيا" (مواقع التواصل)
   
وتدور الأحداث من منظورين مختلفين.. الأول من منظور علاء اليوتوبي الغني الذي يمل حياته البذخة المليئة بتعاطي المخدرات وممارسة الجنس ويقرر الخروج من يوتوبيا لممارسة نوع جديد من الرياضة.. رياضة صيد الأغيار الفقراء.. ومنظور جابر الفقير الذي يقرأ الكتب ليتميز عن غيره ويكتسب معرفة عما يحدث من حوله.. وتتصادم الشخصيتان في منتصف الرواية ويساعد جابر علاء في الهروب من المكان بعدما سار خطرا عليه.. وتأخذ الرواية منحى خطيرا لتكشف لنا عن لمسة العراب في النهايات.. ستعتقد أنك قد توقعت ما سيحدث ثم سيفاجئك الكاتب بأنك مخطئ.. ولن أخبرك بالتفاصيل ولكنني ألح عليك بقراءتها إن لم تكن قد فعلت من قبل.
    
إضافة إلى هذه التحفة الأدبية.. نجد أعمالا روائية أخرى للدكتور.. مثل "شآبيب" التي كانت آخر رواية له.. وتبحث هذه الرواية عن إمكانية جمع العرب المشتتين في الأصقاع في وطن قومي واحد.. وهذا بعد كم الاضطهاد الذي تعرضوا له في أوطانهم القديمة والجديدة.. ويستقر الكاتب على جزيرة بابوا غينيا الجديدة كوطن ويسمى هذا الوطن الجديد بشآبيب.. كذلك نجد رواية "مثل إيكاروس" والتي تتحدث عن رجل مصري ولد بقدرة رهيبة على التنبؤ بالمستقبل والتوصل إلى المعرفة الكبرى.. أيضا رواية "في ممر الفئران" والتي تسافر بنا أيضا للمستقبل.. 
     

رواية
رواية "شأبيب" (مواقع التواصل)
    
في زمن ضربت فيه الأرض كارثة عجيبة جعلت النور يختفي من الوجود وينتشر الظلام في الأرض ويصبح الناس عميانا وما هم بعميان.. هذه الرواية أيضا نهايتها غير متوقعة.. وأخيرا رواية "السنجة" الاجتماعية.. والتي تضطرك لقراءتها مجددا لسبر أغوارها وفهم معانيها.. وتدور أحداثها حول الكاتب الشرقاوي الذي يسرد يومياته في دحديرة الشناوي الخيالية المطلة على البحر.. ويحاول الشرقاوي وجيرانه في الدحديرة فهم معنى الكلمة التي كتبتها فتاة باستخدام البخاخ على أحد الجدران قبل انتحارها.. هل كانت "السنجة" أم "السبحة" أم ماذا؟ 
   
إذا هذه كانت إطلالة سريعة على مؤلفات أو بعض من مؤلفات الدكتور أحمد خالد توفيق.. والمقام لا يكفي لسرد الكثير.. ولكن الذي نتفق عليه هو أن العراب كاتب فريد من نوعه.. سكب في كتاباته من الخبرات والتجارب الكثير وابتكر شخصيات تشبهنا في تفكيرها وتعاملها مع المواقف.. وهذا المقال إهداء مني إليه أشكره فيها على روعته ولأنه جعلني أقرأ.. فوداعا أيها الغريب.. كانت إقامتك قصيرة ولكن كل شيء ينتهي.. فوداعا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.