شعار قسم مدونات

هل أقبل الزواج خلال دراستي الجامعية؟

blogs زواج

في أوجِ انشغالي بحياتي الجامعية ونشاطي وتفكيري المنصبّ على دراستي وتحقيق ذاتي وطموحاتي، جاءني من رضيتُ دينَه وخُلُقَه، ومعه دخلتُ دوامةً من الحيرة، فلم أكن مقتنعةً بادئ حياتي الجامعية بفكرةِ الخِطبةِ والزواجِ خلالَ سنوات الدراسة، وعزمتُ على إغلاق الباب أمام أيّ محاولاتٍ في هذا الاتجاه، رفضتُ المرةَ والثانية دون أن أعلم حتى بهويةِ المتقدم، رغمَ نعتهم لي بالمغفلة لأن مثلَهم لا يعوض، ثم مع تقدمي في دراستي الجامعيةِ وإنهاءِ الفصلِ تلوَ الآخر، حاولتُ أن أكون أكثر لينا في تعاملي معَ هذه القضية.

أخذت أفكر في زوايا أخرى لهذا القرار، في البدايةِ قررت أن الشخص المناسب لن يأتي إلا بعد إنهائي دراستي الجامعية، وقررت أن ذلك هو الوقت المناسب لمثل هذه الأمور، إلا أنني لم آخذ بعين الاعتبار أن الشخصَ المناسب قد يأتي بوقت أقرب، وآثرت مرحلة مؤقتةً في حياتي -على الرغم مما فيها من استفادة ومعرفة وخبرة- على إنسان سيكون لي شريكا في كل حياتي، والذي يمكن أن يكون عونا لي في كل أموري، أليس هنا الشخص المناسب أولى من الوقت المناسب؟ ثم كيف قررت أنه ليس الوقت المناسب؟ ما أدراني أنني لن أنشغل بعد إنهاء دراستي، ولن تكون المرحلة القادمة أصعب من المرحلة الفائتة -وهو ما أؤمن به- وخاصة للأشخاص الطموحين الذين يسعون لترك بصمة في مجتمعاتهم، والزواج حاصل حاصل، والمسؤوليات المترتبة عليه قادمة لا محالة، سواءً الآن أو وأنت تسعى في سبيل تحقيق أحلامكَ وطموحاتكَ في الحياة، الا لمن يرفض فكرةَ الزواج من أصلها.

قرار الزواجِ هو أصعب قرار يتخذه الإنسان في حياته، إلا أنه يسعى للأخذِ بالأسبابِ بقدرِ استطاعته والموازنةِ بينَ الأمور، واستشارةِ القريبِ والبعيد، حتى يطمئنَّ إلى قرارٍ معين

لكنني بعد ذلك اصطدمت بفكرة النصيب، قالوا لي بأنني أضعت فرصا لا تعوض، ولو أبقيت الباب مغلقا الى حين إنهاء دراستي الجامعية، سأتزوج في النهاية، حتى لو كان بمواصفاتٍ أقل، لكن في هذه الحالة أليس هذا هو نصيبي؟ أليس هو من اختاره الله لي؟ أليس هو الإنسان الأنسبَ لي؟ اجتهادي في هذه المسألة قادني إلى كون الإنسان الخاطب فرصة كغيره من الفرصِ في الحياة وهو أحد أنواع الرزق كما نعلم، ويمكن للإنسانِ أن يقتنص هذه الفرصةَ في ظل القدرة التي حباه الله إياها من حرية الإرادة والاختيار، والإنسان مسؤول عن اختياره ويتحمل عاقبةَ قراره، فقد تكون حياته بالفعل أسعد مع إنسانٍ آخر تقدمَ مسبقا.

لكن قد يأتي أحدهم ويقول بأنه من الممكن أن يأتي من هو أفضل، أقول نعم هو أحد الاحتمالات، ولكن الأحوطَ أن يكون الانسان جاهزا لجميع الاحتمالات ويتوقع الأسوأ دائما، ولا زلت أذكر نصيحةَ أحد الأقارب لي عندما استشرته بموضوعِ الخطبة من إنسانٍ يحمل معظم -إن لم يكن كل- الصفات الإيجابية التي ترغب بها أي فتاة، فقال لي بأن هذا الإنسان قد يحمل 90 في المئة من الصفات التي ترغبينها، وغدا قد يأتيك من يحمل 80 في المئة منها، وبعده 70 في المئة وهكذا، خاصةً أننا في مجتمعٍ تقلُّ فرصُ تقدمِ طلباتٍ جيدةٍ للزواجِ معَ الازديادِ في العمر. وأنا أعترفُ أن في الخطبةِ والزواجِ تضحية، وأنه يستهلكُ جزءاً كبيراً من وقتك، وقد يشوشُ تفكيركَ ويخلطُ عليكَ كلَّ أمورك، ويحتاجُ الإنسانُ لقدرٍ كبيرٍ من القدرةِ على إدارةِ الوقت لإعطاءِ كلِّ ذي حق حقه، حتى يستطيعَ الموازنةَ بين الأمرين.

لذلك وعلى الرغمِ من كلِّ ما سبق، لا أستطيعُ نصحَ الفتياتِ بقبولِ الزواجِ أو رفضه خلال فترةِ الدراسة الجامعية، فليس الجميع عنده هذه القدرة، وقد لا تكونُ مستعدةً نفسيا وجسديا وبالأخص نفسيا لخوضِ هذه التجربة، وقد تكون إيجابياتُ تأجيلِ هذا الموضوعِ على صعيدِ الأمرينِ تطغى على سلبياته. ولا يزال الإنسان قاصراً عن معرفة الأمورِ أيها له فيها الخير، ولعلَّ قرار الزواجِ هو أصعب قرار يتخذه الإنسان في حياته، إلا أنه يسعى للأخذِ بالأسبابِ بقدرِ استطاعته والموازنةِ بينَ الأمور، واستشارةِ القريبِ والبعيد، حتى يطمئنَّ إلى قرارٍ معين، ثم يوكلُ أمرَه لله، ليكونَ بذلك قد حققَ توجيهَ الرسولِ بالاستشارة ثم الاستخارة. لذا لا أستطيعُ أن أقولَ في النهايةِ إلا أنَّ الاستخارةَ هي ملجأُ الانسانِ الأولِ والأخير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.