شعار قسم مدونات

كيف شوهت التعديلات الأخيرة على قانون الأحوال الشخصية الأردني؟

blogs البرلمان الأردني

مؤسف حقاً المنهج الذي تعاملت به شريحة واسعة من المعارضين للتعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية في الأردن الأيام الماضية. هذه المقترحات التي رفعت لمجلس الأمة للمناقشة، وتم رفضها وفق تصويت علني نحترمه ونقف عنده، باعتبار مجلس الأمة ركناً هاماً في السلطة التشريعية، لا بد من احترام قراراته. ولكل النواب والأعيان الحق في تأييد التعديل أو رفضه بمقتضى دورهم ومسؤوليتهم تحت قبة البرلمان.

ونحن كمواطنين -محل تطبيق القانون- يحق لنا بدورنا أن نسجل اعتراضاتنا وانتقاداتنا على الطريقة السلبية التي تعامل بها الكثير من المعارضين تحت قبة البرلمان وخارجه ضد هذه التعديلات، ابتداء من قلب الأمور وتزييف الحقائق وتصوير المسألة للمواطنين بأنها دفاعاً عن الشريعة الإسلامية في وجه علمانية مغرضة تتعارض مع قيم المجتمع وعاداته، وانتهاء بالحشد والتجييش وكيل الاتهامات لمؤسسات المجتمع المدني والحقوقيين المطالبين بهذه التعديلات. وقد أساؤوا كمعارضين في كليهما.

المقترح الثاني فكان بخصوص تطبيق الوصية الواجبة على أبناء البنت المتوفاة، كما هي مطبقة على أبناء الابن المتوفى. وقد تم الحشد ضده بتصويره للناس على أنه تغيير لأحكام المواريث الثابتة في الشريعة الإسلامية

أما فيما يتعلق بقلب الحقائق، فلن يخفى على كل مدقق ومتابع لتفاصيل الأمور، وباحث مختص في مسائل الفقه الإسلامي أن القضيتين الرئيسيتين المرفوعتين للتعديل لا تتعارضان مع الشريعة الإسلامية: فالمقترح الأول كان بخصوص تعديل الاستثناء الوارد على سن الزواج، والمطالبة برفعه سنة شمسية واحدة من سن الخامسة عشرة إلى سن السادسة عشرة، ولم تكن المطالبة بإلغاء الاستثناء كما صُور الحال لكثير من القاعدة الشعبية المؤيدة للمعارضين من إسلاميين ومحافظين على العموم، وكأن القضية تحارب العفة والستر في مجتمعنا!

فسن الأهلية للزواج كما هو منصوص عليه في ذات القانون المستمد من الشريعة الإسلامية هو سن الثامنة عشرة، والاستثناء الوارد عليه بجواز إذن القاضي بالعقد الشرعي لمن أكمل الخامسة عشرة من عمره لاعتبارات خاصة، ووفق قيود وإجراءات احترازية. فالتقييم الأول لهذا المقترح بالتعديل أنه لا يهدف إلى إلغاء الاستثناء، بل رفعه سنة شمسية واحدة، وذلك لما ظهر من حقائق وأرقام على أرض الواقع تستدعي على أقل تقدير إعادة التقييم لهذا الاستثناء، والتحقق من مدى فاعلية الاجراءات الاحترازية لضمان حقوق القاصر في هذا الزواج.

وكل هذه المسألة مبنية في التشريع على المصلحة، ورفع سن الاستثناء ليس مما هو مناقض أو مخالف للشريعة، فإن رأت دائرة قاضي القضاة توجهاً معيناً، نحترمه ونقدره، بناء على اختصاصها وحرصها على حل إشكالات مجتمعية بطريقة شرعية وقانونية، لا يستلزم ذلك عدم دراسة ما سجله حقوقيون ومؤسسات مجتمعية مدنية تهتم بالأسرة والمرأة من سلبيات واقعية يستتبعها هذا السن من الاستثناء المبكر، فكلا الجهتين نظر للمسألة من منطلق المصلحة المعتبرة شرعاً، ولكل مبرراته المنطقية، التي تستحق الدراسة والمناقشة بموضوعية وإنصاف وفق الأرقام والدراسات الميدانية. وليس من المتجه بحال اعتبار هذا المقترح مما هو مخالف للشريعة الإسلامية، أو اتهامه بالسعي لهدم الأسرة!

أما المقترح الثاني فكان بخصوص تطبيق الوصية الواجبة على أبناء البنت المتوفاة، كما هي مطبقة على أبناء الابن المتوفى. وقد تم الحشد ضده بتصويره للناس على أنه تغيير لأحكام المواريث الثابتة في الشريعة الإسلامية! والحال أيضاً ليست كذلك. فمسألة الوصية الواجبة مسألة اجتهادية بين الفقهاء، تقوم على تفعيل مبدأ الوصية للأقرباء غير الوارثين. فهي في تأصيلها بداية وصية وليست ميراثاً. ويجتمع بحق أبناء الابن المتوفى و أبناء البنت المتوفاة، وصف غير الوارث من تركة جده بعد وفاة الابن أو الابنة، مما يجعلهما محلاً للوصية. بل إن من قوانين الأحوال الشخصية العربية المستمدة أيضاً من الشريعة الإسلامية من يطبق الوصية الواجبة بحق أبناء الابن وأبناء البنت في الطبقة الأولى، مثل قانون الأحوال الشخصية المصري. وقد اختار قانون الأحوال الشخصية الأردني تطبيقها على أبناء الابن المتوفى، دون أبناء البنت المتوفاة. وبالتالي فإن المطالبة بشمول أبناء البنت المتوفاة في تطبيق الوصية الواجبة ليس خروجاً عن الشريعة، وليس فيه تعدياً على أحكام المواريث، بل هو دعوة إلى التوسع في الاختيار لهذا الاجتهاد الفقهي. وهذا مما هو سائغ شرعاً، فلماذا كل هذا الهجوم غير المبرر على هذه التعديلات المقبولة شرعاً وعرفاً؟

نعم، لدائرة قاضي القضاة تبني الموقف الذي تراه مناسباً، وأن تدافع عنه، لكنها سلطة قضائية، وليست تشريعية، مع التأكيد على وجوب التزامها بأحكام الشرع الحنيف في قضائها كما بينت ذلك مواد الدستور الأردني في المادتين ١٠٥ و١٠٦. فإن تبنت رأياً معيناً، لا يعني ذلك عدم جواز مراجعتها فيما تبنته، سواء من ناحية شرعية أو قانونية. وتناسقاً مع ذلك تأتي مراجعات قانون الأحوال الشخصية من قبل الجهات المختصة من شرعيين وقضاة وباحثين في الفقه الإسلامي، سواء في دراسات وأبحاث مستقلة، أو من خلال المشاركة بلجان وطنية. ففكرة التعديل على قانون الأحوال الشخصية على العموم بحد ذاتها متوافقة تماماً مع مرونة الفقه الإسلامي المناسب لكل زمان ومكان، والتي تتطلب إعادة النظر بما تقتضيه مصالح الناس المعتبرة، لموائمة القانون لاحتياجات المجتمع والأفراد المتغيرة، مع الحفاظ على ثوابت التشريع الإسلامي فيما يتعلق بأحكام الأسرة، والذي يمثل الأساس الذي بني عليه قانون الأحوال الشخصية. إضافة لكون هذا القانون مجهود بشري غير مقدس، لا يخلو من نقص أو ثغرات تحتاج كل حين إلى الضبط وإعادة الصياغة. وفي ضمن هذا السياق جاءت المطالبات الأخيرة بالتعديل، فلماذا تم اعتبارها خروجاً عن الشريعة!

فمع الإقرار بأن الاختلاف في تقييم مواد القانون، وما يستحق منها التعديل، وما يلزم إبقاؤه على ما هو عليه، كل ذلك مما يسوغ فيه الجدال والنقاش وتبادل وجهات النظر، كل حسب ما يراه الأنسب والأصلح. لكن ما يستدعي الأسف حقاً ما قامت به الجهات المعترضة على هذه التعديلات من تزييف للحقائق، وقلب للأمور لجعل المواطن يعتقد أنها تدافع عن الشريعة الإسلامية في وجه مروجي الأجندات الخارجية. وكان يجب عليها أن تكون شفافة في الطرح ومنصفة في عرض القضية، وأنها برمتها مما هو داخل في الاختلاف الفقهي الجائز شرعاً، ولا خروج عن العرف أو الخصوصية في مجتمعنا الأردني. أما الاتهام بتدخل منظمات حقوق الإنسان الدولية في شأننا الداخلي من أحكام الأسرة، فنحن أولى كأردنيين بمراجعة القانون للوقوف على الثغرات التطبيقية وتعديلها، ولأجل ذلك يتم رفع الأمر لمجلس الأمة الأردني. وكان الأولى ملك زمام المبادرة في هذا بدل غض الطرف حتى نستمع لتقارير حقوقية دولية تتكلم في شأننا الداخلي. بل إن من التناقض بمكان استهجان البعض التواصل مع منظمات حقوقية دولية، يلجأ إليها هو بنفسه، لكن في مواقف أخرى تناسب ظرفه ومصلحته. فأين الموضوعية في ذلك!

مؤسف حقاً أن يتم التعاطي مع هذه القضايا المنصفة بهذا التسييس، وتحميل الأمر ما لايحتمل من الاتهامات. ليصبح الأمر تنازع نفوذ بين توجهات سياسية مختلفة، دون منهج علمي منصف في معالجة هذه القضايا المجتمعية الهامة. ونلتمس لهم عذراً فلعلهم لم يعايشوا واقع تطبيق القانون في المحاكم الشرعية، كمواطنين وحقوقيين، ليقفوا على ما فيه من ثغرات تحتاج لمراجعة وتعديل حتى تتحقق مقاصد الشريعة الإسلامية في أحكام الأسرة، التي حملت لنا العدالة التشريعية، وما زلنا ننتظر العدالة التطبيقية على أرض الواقع.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.