شعار قسم مدونات

الثقب الأسود فى قلب الإنسان

blogs تأمل

يقال إنك حينما تعبر أفق الحدث عند الثقب الأسود فإنك لا تعلم شيئا بعدها.. في هذه النقطة تنهار قوانين الفيزياء التي ظل الإنسان يدرسها ويتعلمها قرون طويلة، هناك نقطة في قلب الثقب الأسود لا يعرفها أحد، هذه النقطة توجد في صدر الإنسان ايضا، نقطة غير منطقية ولا تستطيع أبدا حينما تنظر لرجل كبير يخاف من قطة صغيرة أن تفهم، تفهم أي منطق يجعل من رجل عاقل متزن حجمه أضعاف تلك القطة أن يرهبها هكذا، ولكن كما قلنا سابقا، هي نقطة تنهار عندها قوانين المنطق المعروفة.

  

حينما نتحدث عن الخوف، فإننا نتحدث عن شعور يتملك الإنسان فجأة، تتسارع الأفكار بداخله بسرعة الضوء وربما أكثر، يمتص الخوف أي قدرة للعقل على التفكير السليم ولا يستطيع أي شعاع من المنطق أن يفر منها، لذلك فلا يمكنك أبدا أن تخبر أحدا يخاف من المرتفعات أن قدمه ثابتة وأنه لا يمكن بأي حال أن يقع لأن هناك أسلاك حديدية تمسك به، ولا أن تجعله يلتفت فعليا للجمع الغفير الذى حوله والذي ينظر للأمر بشكل طبيعي، إنه لا يستطيع أن يفكر أصلا فكيف تطلب منه أن يعد، ويتأكد، ويتحسس، لذلك في هذه المرحلة فالإنسان بحاجة إلى قدر كبير من الحب والعاطفة كي يشعر بالأمان، قوة الحب قادرة على أن تتجاوز الثقب الاسود في قلب الإنسان وأن تشع النور والطمأنينة في المكان، لذلك فإني لا أؤمن أن كتلة الكون ظلام، نحن لا زلنا لا نرى جيدا فقط، ويمكننا أن نستعين بقلبنا الصغير كي نفهم الكون.

 

الله عز وجل وحده القادر على أن يخرجك من ظلمات الخوف إلى النور والسلام، وكل ما تمر به من خوف أصلا دليل على أنه غير موجود بقوة في قلبك

لقد رأيت الكثير من المتعبين والخائفين يعانون أكثر ما يعانون من افتقادهم للحب، الحب الذى يروى قلوبهم العطشة، ليس كل البشر يستطيع تحمل الظمأ بنفس المقدار لذلك ينهار أحدهم اسرع من الآخر، ولذلك علمنا الصوم أن نتحمل العطش، العطش لكل احتياج ابسطه الطعام والشراب، ولكني اتحدث هنا عن الحب، إنه ليس أكلة دسمة تشتريها بالمال، إنه شيء لا تستطيع أن تضمنه بقضاء المزيد من الوقت والجهد، هو رزق لا علاقة له بمجهود الإنسان أبدا، ربما ما نفعله فقط هو أن نحافظ عليه أو نضيعه، هذه القوة قادرة أن تحي قلب إنسان، وترد إليه الطمأنينة والعافية والثقة، السؤال هنا هل الحب موجود كالهواء يمكن لأى أحد ان يحصل عليه؟ أم انه كالماس في باطن الأرض لا يصل إليه سوى صاحب الحظ السعيد.

 

الفكرة في تعريف الحب اصلا، كثير من الناس تضيق دائرة الحب بشدة لدرجة يظن معها أن حب الرجل للمرأة أو المرأة للرجل هو التعريف الوحيد، والحقيقة أن هذا تصور المسلسلات والأغاني واللوحات الاعلانية المحيطة بنا من كل جانب والتي تصر على إظهار لون واحد، رغم أن الحياة مليئة بالألوان، بل في الحقيقة أن اللون الواحد الجامع الشامل هو لون النور، لذلك إذا أردت لون واحد من الحب فيمكنك أن تحصره في الجنس الآخر، في صديق، عائلة، قطة، نجاح، بمجرد أن يختفى هذا اللون سيمتصك ثقب الخوف من جديد، وتعود من داخلك كالخرقة المبللة رغم ما تبدى من تماسك، لكن لو أردت أن تصل إلى أصل الألوان، نبع الحب لا جداوله الضيقة، فعند الله سبحانه النبع الصافي الذى لا ينضب ولا يشح ولا يساوم، إن الله عز وجل وحده القادر على أن يخرجك من ظلمات الخوف إلى النور والسلام، وكل ما تمر به من خوف أصلا دليل على أنه غير موجود بقوة في قلبك، غير حاضر في ذهنك، غير متوغل في شرايين دمك، رغم أنه موجود بالفعل (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) إلا انك لا ترى ذلك، فطبيعي أن لا ترى غير الخوف، فالدنيا هكذا إما نور أو ظلام، إما الله عز وجل أو لا شيء.

 

لقد تحدثت (كاتى بومان) عن تجربتها في اكتشاف خورازمية تصوير الثقب الأسود، قالت (إننا كنا نستعين بصور من الحياة اليومية، والأفلاك السماوية التي نعرفها جيدا كي نستنبط صورة الكون)، المثير للدهشة أن نتائج تركيب الصور متشابهة تظهر شيء يشبه الكوكب، وبالتالي فأحد وسائل العلاج النفسي هو تأمل الكون، وأحد وسائل اكتشاف الكون تأمل النفس الانسانية، أحد ما استنبطه علماء الفيزياء والفلك أن هناك نقطة في آخر الثقب الأسود اسمها singularity. نقطة ينتهى عندها النجم، معنى هذا أن كل شيء له نقطة واحدة ينتهى إليها، حتى في لغات البرمجة التي تمثل محاكاة لتفكير الإنسان فإنه يعتبر أن (object) هو أصل كل الكائنات ومنه ينحدر كل هذا العالم التكنلوجي بما فيه من ذكاء وتقدم، بما فيه من أجهزة عالية الدقة وصواريخ بالغة السرعة وخوارزميات ذكية، ألا يدعو هذا الإنسان أن يخرج من تشابك حياته المعقدة ويعود بالنظر إلى نقطة الأصل؟، حينما يفعل ذلك من وقت لآخر سيجد ان المسائل الصعبة حُلت، والاجابة حاضرة، والأمان موجود.

 

لا أجد اجابة لعلاج الخوف العميق سوى الله عز وجل، وإني لأذكر قصة حدثت كنت وقتها أعاني خوفا عظيما من الغرق على ساحل البحر الأحمر، كانت تقف أمامي صديقتي وهي في الغريق تدعوني للذهاب اليها، وأنا انظر إليها بفزع وقلبي يرتجف، أريد ذلك ولا أقوى على فعله، ثم تذكرت الله واستعنت به فذهبت إليها، الغريب وأنا اتأمل أعماق البحر وجدت كتابة كبيرة من الصخور باسم (الله)، نظرت إليها طوال فترة سباحتي وشعرت معها بالأمان التام، كأن الله سبحانه يخبرني انه لا يوجد في عمق الخوف سواه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.