شعار قسم مدونات

بسلاح الجوع.. ينتزعون الحقوق

blogs سجن النقب

عندما تنعدم وسائل القتال بين يديك، ويتلاشى التكافؤ بين قوتين ويصبح الآدمي مسلوبا في قراراته مسروقا في حريته التي وهبته إياها الفطرة الآدمية. عندما تطرق أبواب سجّانك بالرحمة والعطف والتذلل له بمطعم أو مشرب أو ملبس أو بحرية مؤقته، ويمنّ عليك بفتات حاجتك، ويمعن في حرمانك وقتلك وتعذيبك وإدخال جيشه المسلح لإرهابك، مقابل أن يحصل على استقرار دولة كاملة من خلالك جراء القتل والتعذيب والإرهاب، فاعلم أنك الأسير الذي أربك تلك الدولة المزعومة الموهومة، ولمّا جعلت سجانك يهابك من وراء القضبان، ويقتله التفكير في أساليب التعامل معك وأن يخرج سالما من ملاقاتك!

   

واعلم أنك حر وراء قضبانك، وهم أسارى قرارتهم القمعية التي تفشل دوما في تركيع أسرى المجد، الذين يبدعون في استحداث وسائل النضال والقتال التي تكاد تكون منعدمة بين جدران إسمنتية مغلفة بالأسلاك الشائكة، وأسراب من الكلاب المدربة، تحوطها أجهزة المراقبة بأحدث وسائل التكنولوجيا وما وصل إليه العلم المتطور من وسائل التشويش والمراقبة.

  

"اسرائيل" الدولة التي استمرأت القتل والتعذيب للمواطنين العزل طيلة تاريخ احتلالها، وامتهنت ساديتها على الأسرى في سجونها، الذين سُلبوا حريتهم دفاعا عن المقدسات والثوابت الوطنية، وقدموا زهرات أعمارهم في سبيل حرية وطن، يلجؤون إلى وسائلهم النضالية الخاصة بهم، الذين يبدعون في استخدامها وهم أسرى، ومنها الإضراب المفتوح عن الطعام أو ما يعرف بـ "معركة الأمعاء الخاوية"، إذ هي أخطر وأقسى الخطوات التصعيدية التي يلجأ إليها الأسرى، لما يترتب عليهم من أخطار نفسية وجسدية، وهي آخر الخيارات والوسائل وأندرها استخداما بعد استنفاذهم الوسائل الأخرى، ولا يستجيب الاحتلال لمطالبهم عبر الحوارات المفتوحة بين السلطات الاحتلالية واللجان النضالية التي تمثل المعتقلين في السجون.

  

مساندة الأسرى حق وواجب إلزامي على كل مؤسسة دولية تنادي بحقوق الإنسان والمجتمعات وعلى كل هيئة محلية كذلك، وتهب لنصرتهم الشخصيات الاعتبارية والفصائل الوطنية على مختلف أطيافها وتوجهاتها، لتعزيز صمودهم وصبرهم

وبعد تنكر السجان لهم ولحقوقهم ويستعلي على المُعتقل حتى يقرر الأسير أو الأسرى مجتمعين الامتناع عن تناول كافة أصناف وأشكال المواد الغذائية مكتفين بالماء وقليل من الملح، وقد يصل به بعض الأسرى أحيانا إلى أن يقضي شهيدا، وقد ارتقى في تلك المعارك الشهيد عبد القادر أبو الفحم الذي استشهد خلال إضراب سجن عسقلان عام 1970، مروراً بالشهيد محمود فريتخ والشهيد راسم حلاوة والشهيد حسين نمر عبيدات وعلي الجعفري، لكنه سلاح الجوع الذي يستقوون به على السجان ويستغيثون به ويقاتلون بأمعائهم الخاوية ويسترحمون بجوعهم وينتزعون حقوقهم بسلاحهم الأخير، وهو أكثر الوسائل وأهمها من حيث فعالية تأثيرها على إدارة مصلحة السجون ودولة الاحتلال لتحقيق مطالب الأسرى الإنسانية العادلة.

 

مارس الأسرى انتزاع حقوقهم على مدار عقود احتلال فلسطين وخاضوا الوسيلة الخطيرة في صراعهم ضد المحتل منذ العام 1968م، وهي أول تجربة فلسطينية في إضرابهم عن الطعام استمر ثلاثة أيام احتجاجاً على سياسة الضرب والإذلال والإهانة المستمرة والحرمان حتى في أساسيات الحياة، وللمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية والإنسانية، وزيادة كمية الطعام وإدخال القرطاسية.

 

ثم توالت بعد ذلك تلك المعارك الصعبة، حتى وصل عدد الإضرابات أكثر من ثلاثين إضرابا، وفي كل مرة تشد إدارات السجون من إرهابها على الأسرى وتحاول قمعهم من أجل أن يفك المضربين إضرابهم قوة وعنوة، مما يجعل الأسرى يتسلحون بالصبر والثبات متحملين ألم الجوع وإنهاك الجسم ومضاعفات قرارهم من أجل مطالبهم الإنسانية العادلة، التي يرضخ الاحتلال لها، ثم يعاود التضييق عليهم مرات أخرى متنصلا من كل اتفاق كعادته مع اللجان النضالية. فهي معركة حرية وكرامة، معركة إرادة وتصميم، وانتزاع الحقوق وإجبار المحتل على الرضوخ للاستجابة ولا مفر.

 

فمساندة الأسرى حق وواجب إلزامي على كل مؤسسة دولية تنادي بحقوق الإنسان والمجتمعات وعلى كل هيئة محلية كذلك، وتهب لنصرتهم الشخصيات الاعتبارية والفصائل الوطنية على مختلف أطيافها وتوجهاتها، لتعزيز صمودهم وصبرهم ونصرتهم عن طريق الوقفات التضامنية والمسيرات الجماهيرية، والعمل على تحريرهم جميعا دون تمييز بشتى الطرق السلمية وغير السلمية، والضغط على دولة الاحتلال للإفراج عنهم في كل المحافل الدولية الرسمية وغير الرسمية، وللمقاومة الحق المشروع في استخدام القوة بما يُلزم دولة الاحتلال بالإفراج عنهم إما بالتبادل أو بفرض القوة، ولا مجال للتلاعب بمشاعر الأسرى بين الفينة والأخرى، وهو ما يمارسه الاحتلال تجاههم ليمعن في كسر هيبتهم وكسر إرادتهم المتمثلة بالصمود في وجه الاحتلال.

 

وما ظهر مؤخرا بمحاولته سرقة مخصصاتهم من خلال اقتطاع جزء من أموال السلطة التي يجبيها من المقاصة عن طريق المعابر المشتركة، في محاولة لمنع السلطة من دفع رواتب الأسرى في سجونه، إمعانا في كسر صمودهم وثباتهم ومحاولته عرقلة كل جهد لمساندتهم، وليثني السلطة من الوقوف على مسئولياتها الوطنية والأخلاقية تجاه الأسرى العظام، وهم رأس الحربة الذي يحاول الاحتلال من خلالهم قتل الروح المعنوية والقتالية لديهم، ولدى كل شخص يفكر في مقارعة الاحتلال، ولكن بذلك يطلب المستحيل!، فما علم أن أصحاب الأرض لن يتخلوا عنها مهما تعاقبت الأجيال وتبدلت، ولن يبرح أهلها المقاومة ولو اعتقل كل شاب وطفل فيها، فحرائر فلسطين لهم بالمرصاد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.