شعار قسم مدونات

ماذا يعلّمنا حديث "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان"؟

blogs سر

طوال حياتي أسمع قول الرسول: "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان"، يرددها من حولي طالبين مني الالتزام بهذا المبدأ، كعادتي كلّما تعلّق الأمر بمسألةٍ دنيوية أو نصيحة تخص حياتنا اليومية، أظل أفكر جيدًا محاولًا الوصول إلى الحكمة منها، لإيماني الشديد أنّ الرسول عندما أخبرنا بهذا فهو يريد لنا خيرًا في حياتنا. لم أعتقد يومًا أن الأمر يتعلّق فقط بالحسد، بل هناك بالتأكيد أسباب أخرى، ومع الوقت أدركت فعلًا وجود هذه الأشياء، وأنّها ربما تكون ملموسة أكثر من الحسد في أثرها على حياتنا، يمكنني تلخيصها في الدروس الأربعة التالية:

1- كنت قد قرأت في أحد المرّات أنّه من أهم نصائح النجاح ألّا تخبر أحدًا عمّا تنوي فعله إلا بعد إنجازه، لأنّك عندما تخبر الناس قد يعجبون بما ترغب في فعله فيمدحون فكرتك، هذا الثناء يعود عليك أنت بأثرٍ إيجابيّ في وقته، لكنّه مع الوقت قد يُفقدك الرغبة في تنفيذ ما تريده، لأنّك قد حصلت على الشعور الجيد، فقد حدث لك إشباع في هذا الجزء، وبالتالي فلن يحدث شيئًا مختلفًا بعد التنفيذ. بالطبع لا يعني هذا أنّ هذا هو الوضع دائمًا، لكنني على المستوى الشخصي قد اختبرت الأمر، وكذلك جمعت بعض الإجابات من الآخرين حول نفس المسألة، بالفعل هناك جزء من الشعور يتسرب إلى داخلك، لذلك كتمانك لما تريد فعله ربما يمنحك الدافع الأكبر لإنجازه.

عدم إخبارك للناس بما تريد فعله يحررك من الضغط والشعور بالخوف من الفشل، فمع تعليقات الآخرين بل ومجرد معرفتهم، فإنّه قد يتولد لديك هذا الشعور بأنّك لا بد وأن تنجح لمجرد تجنب التعليقات السلبية

2- هناك بعض الأشخاص يفضلون دائمًا الحكم على التجارب بالفشل، ربما لأنّهم ينظرون للأمر طبقًا لقدراتهم الشخصية، أو لأنّهم يقومون بالمقارنة بينك وبين الآخرين! فيكون حكمهم أنّ التجربة لن تنجح، ونحن جميعًا ندرك الأثر السلبيّ لأحاديث الآخرين على النفس! مما يجعلك ربما تقرر العدول عن تنفيذ فكرتك، رغم أنّها فكرة جيدة ومختلفة. لذلك فإن الكتمان يجعلك تبعد ذاتك عن الوقوع في هذه المشكلة، وتركّز على تنفيذ فكرتك.

3- من الأمور التي نواجهها دائمًا عندما نتحدث عن أي شيءٍ نرغب في عمله هو أننا نتلقى عددًا لا نهائيًا من النصائح، في ظاهره هذا شيءٌ عظيم بالطبع، لكن لأننا نسمع النصائح من غير المختصين، فإننا نتلقى نصائح قد لا تكون صحيحة بالمرّة، وقد يعتقد صاحبها أنّه يقول كلامًا صائبًا، فتتأثر أنت بها. مثلًا قررت أن تأخذ خطوة الزواج، لا بد وأن تسمع ألف نصيحة حول اختيار شريك الحياة. قررت أن تدرس شيئًا معينًا، ستسمع ألف مليون نصيحة حول أهمية هذا الشيء وكيفية دراسته. لذلك فإنّك لو كنت ترغب في النصيحة، يمكنك اختيار بعض الأشخاص الذين تراهم أهلًا للثقة، فتأخذ بمشورتهم وتبدأ في تنفيذ فكرتك، غير ذلك فيُفضل أن تبقي الأمر في طي الكتمان.

4- عدم إخبارك للناس بما تريد فعله يحررك من الضغط والشعور بالخوف من الفشل، فمع تعليقات الآخرين بل ومجرد معرفتهم، فإنّه قد يتولد لديك هذا الشعور بأنّك لا بد وأن تنجح لمجرد تجنب التعليقات السلبية منهم عندما يسألونك مستقبلًا عن نتيجة ما كنت ترغب في عمله. في حين أنّ عدم معرفة أحد بما تريد فعله يجعلك حرًا في التنفيذ، قادرًا على رؤية الأمور بشكلٍ أوضح تمامًا، مما يسهل إمكانية النجاح في تحقيقه، ولو حدث أي فشلٍ فأنت لست مضطرًا لسماع أي تعليق من أي شخص عن الأمر.

كما ترى يا صديقي المسألة لم تقتصر فقط على الحسد، بل إن هناك حكمة أعمق من ذلك في كلماتِ الرسول لنا، كأي درسٍ يتعلق بحياتنا يخبرنا به الرسول ليساعدنا في التعامل معها بأفضل شكل ممكن. ربما يكون لديك أنت أيضًا إضافات أخرى على ما ذكرته في التدوينة هنا، لكن يبقى الدرس الأهم دائمًا هو أنّ الاستعانة على قضاء الحوائج بالكتمان يمكنه أن يصنع فارقًا حقيقيًا في حياتك، ويأخذ بيديك إلى طريقِ النجاح في كل خطوةٍ تخطوها، وهذا هو ما نبحث عنه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.